St-Takla.org  >   books  >   pope-sheounda-iii  >   good-thursday
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب تأملات في يوم خميس العهد - البابا شنوده الثالث

13- اهتمام الرب بتلاميذه

 

أهم ما تميزت به علاقة السيد المسيح ربنا بتلاميذه، هو تلك المحبة الكبيرة جدًا، التي بها نزل من السماء وأخلى ذاته...

ولكن محبة السيد الرب، ظهرت في أعماق صورة لها في الأسبوع الأخير، أسبوع الآلام...

تكفي هذه العبارة التي يقول فيها الإنجيل المقدس:

(إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم حتى المنتهى) (يو 13: 1).

عبارة (حتى المنتهى) هذه، يغوص فيها المتأمل ما شاء، ولا يمكن أن يدرك أعماقها...

كان الرب يعرف أن حادثة الصلب هذه، يمكن أن تتعب تلاميذه، إذ يجدون معلمهم العظيم، المبهر في معجزاته، محتقرًا ويسمر بالمسامير وأخيرًا يموت وسط ضروب الاستهزاء...

St-Takla.org Image: Jesus washing the disciples feet (John 13:6), while Peter refusing - Bible Scroll. صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يغلس أرجل التلاميذ (يوحنا 13: 6)، وبطرس يتمنَّع - بايبل سكرول.

St-Takla.org Image: Jesus washing the disciples feet (John 13:6), while Peter refusing - Bible Scroll.

صورة في موقع الأنبا تكلا: السيد المسيح يغلس أرجل التلاميذ (يوحنا 13: 6)، وبطرس يتمنَّع - بايبل سكرول.

لذلك نرى الرب، خلال هذا الأسبوع، وقد اهتم جدًا...

كيف يعد تلاميذه -نفسيًا وروحيًّا- لمواجهة موضوع صلبه.

كان هذا الموضوع يشغله جدًا. فلم تشغله ذاته هو: لا عملية القبض عليه... ولا محاكمته وما فيها من شهود زور ومن تهم ملفقة، ولا الإهانات الكثيرة التي تصيبه من ضرب ولطم وشتائم، مع عبارات التحدي والاستفزاز... ولا نقله من مكان لآخر ليواجه حنان وقيافا، وبيلاطس وهيرودس... ولم يشغله ما سيتحمله من آلام وعذابات في الشوك والجلد والمسامير والصليب.

إنما كان عمق قلبه في غيره. وكان انشغاله بأمرين:

كيف يخلص العالم، وكيف يحفظ تلاميذه في هذه التجربة.

كان يريد أن يحفظهم في تلك الساعات الرهيبة -عليهم لا عليه- حتى لا تهتز الكنيسة كلها إن اهتز إيمانهم به.

كان يريد أن يثبت إيمان هؤلاء التلاميذ، سواء في أحداث ما قبيل الصلب، وأثنائه، وبعد الصلب.

معروف أنه بعد الصلب والقيامة، ظهر لهم لتثبيتهم.

ظهر لمريم المجدلية، ولبطرس، ولتلميذيّ عمواس، وللنسوة القديسات، وللأحد عشر، وظهر لأكثر من خمسمائة أخ، كما ظهر فيما بعد لشاول الطرسوسي. وقضى مع تلاميذه أربعين يوما بعد القيامة، يثبتهم ويحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله...

كل هذا بعد القيامة. ولكن قبل الصلب كيف ثبتهم؟

 

1- قبل الصلب بستة أيام، أقام لعازر من الموت (يو 11).

وذلك بعد أربعة أيام من موت لعازر، بعد أن قيل عنه انه انتن وكان لهذه المعجزة العظيمة دوى كبير، فامن به كثيرون وأعطى بها لتلاميذه فكرة عملية عن القيامة من الموت، حتى بعد فقد كل أمل... إنها معجزة تسند إيمانهم، من جهة قدرته، ومن جهة قيامته إن رأوه يموت...

 

2- وقبل إقامة لعازر، وهب البصر للمولود أعمى (يو 9).

وهي معجزة واضحة تدل على لاهوته، إذ فيها القدرة على الخلق، وقد خلق عينين من طين. وأحدثت هذه المعجزة أيضًا دويا، حتى إن ذلك الأعمى نفسه قال بعد إبصاره (منذ الدهر لم يسمع أن أحدًا فتح عيني مولود أعمَى) (يو 9: 32) وانتهت المعجزة بان هذا الأعمى آمن أن السيد المسيح هو ابن الله وسجد له (يو 9: 38).

 

أراد السيد بهاتين المعجزتين، أن يسند إيمان التلاميذ أيضًا.

فبالإضافة إلى عمل المحبة من جهة المولود أعمى، ومن جهة لعازر وأسرته، كانت لهاتين المعجزتين نتائج أخرى: بعضها في نفس الوقت إذ آمن كثيرون. وبعضها ظل مختزنا إلى وقت الصلب، لتقوية إيمان من يضعفون...

وماذا أيضًا؟ ماذا فعله لتقوية إيمان تلاميذه؟

 

3- اظهر لهم سلطانه أثناء تطهيره للهيكل.

وذلك في يوم أحد الشعانين، اليوم التالي لمعجزة إقامته لعازر من الموت. دخل أورشليم كملك، والشعب كله يهتف له، ويستقبله بأغصان الزيتون وسعف النخل.

وفي تلك المناسبة قام بتطهير الهيكل في قوة وسلطان، وهو يقول عنه (بيت أبي) ويوبخ الكهنة ورؤساءهم بقوله (جعلتموه مغارة لصوص).. ولم يستطيع أحد أن يقاومه... كان أقوى من كل مقاومة كان سيد الموقف. وكل عبارة سمعها رد عليها بقوة وبحجة لا تحتمل الجدل.

وكل هذا رفع معنويات التلاميذ. وماذا أيضًا؟

 

4- بنفس القوة وَبَّخ جميع القيادات اليهودية.

وبخ الكهنة بمثل الكرامين الأردياء. وقال لهم (ملكوت الله ينزع منكم، وَيُعْطَى لأمة تصنع ثِمَاره) (مت 21: 43).

وأبكم الصدقيون في موضوع قيامة الأموات (مت 22: 34) وكذلك الناموسيين أيضًا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ووبخ الكتبة والفريسيين في عنف، قائلًا (ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون) (مت 23).

وكان أقوى من الكل، حتى قال عنه متى البشير: (فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله البتة) (مت 22: 46).

وكل ذلك كان يقوى معنويات التلاميذ، ويشعرهم بقوة معلمهم، ويعدهم للتجربة المقبلة... وماذا أيضًا؟

 

5- لعن شجرة التين غير المثمرة، فيبست في الحال.

وكانت هذه الشجرة، ترمز إلى الرياء، لوجود مظهر حياة، ورق اخضر، ولكن لا ثمر. وبلعنتها لعن الرياء. ودل الرب بهذا على لاهوته وسلطانه على الطبيعة. فبكلمة منه يبست الشجرة...

(فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين: كيف يبست التينة في الحال) (مت 21: 20). فأعطاهم الرب درسًا في الإيمان، وقال لهم (الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان، ولا تشكون، فلا تفعلون أمر التينة فقط، بل إن قلتم أيضًا لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر، فيكون).

(إن كان لكم إيمان ولا تشكون) عبارة ليتها تثبت معهم وقت صلب معلمهم وموته ودفنه... وماذا أيضًا؟

 

6- غسل الرب أرجلهم، رمزًا للنقاوة.

وبعد أن غسل أرجلهم، قال لهم: انتم الآن طاهرون..(يو 13: 10) لعلهم بهذه الطهارة يثبتون، بالقوة التي أخذوها من غسل الرب لأرجلهم... ماذا أيضًا؟

 

7- أعطاهم أيضًا سر الافخارستيا...

منحهم جسده ودمه الاقدسين، لكي يمنحهم قوة روحية بهذا السر العظيم، إذ سبق أن قال لهم (مَنْ يأكل جسدي ويشرب دمي، يثبت فيَّ وأنا فيه) (يو 6: 56) إذن فقد كان هذا سرًا للثبات في الرب، ينفع التلاميذ في ساعة التجربة. إذ كان الرب يطعم طبيعتهم الضعيفة، بطبيعة أقوى واسمي منها...

وفي نفس الوقت كان يمهد أفكارهم لقبول الخبر (هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم... ودمي الذي يسفك عنكم) (لو 22: 19، 20) (الذي يسفك من أجل كثيرين) (مر 14: 24) (الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا) (مت 26: 28).

عبارة (سفك دمه) هذه، كانت تمهيدًا، حتى لا يفاجأوا بما حدث في نفس الليلة وفي ثاني يوم.

 

8- وهكذا كاشفهم بالحقيقة حتى لا يفاجأوا بها...

قال لهم أكثر من مرة (انه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيرًا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم) (مت 16: 21) وأيضًا قال لهم (ها نحن صاعدون إلى أورشليم، وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة، فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأمم لكي يهزوا به ويجلدوه ويصلبوه. وفي اليوم الثالث يقوم) (مت 20: 18، 19).

 

وهكذا كان يربط في حديثه الصلب والقيامة، لتعزيتهم...

وقبل الفصح بيومين، كرر عليهم نفس الخبر فقال (تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح، وابن الإنسان يسلم ليصلب) (مت 26: 2). وفيما هم يتناولون الفصح معه، قال لهم (واحد منكم سيسلمني).

 

9- وبعد الفصح والعشاء الرباني، جلس معهم جلسة طويلة.

هذه الجلسة سجلها القديس يوحنا في أربعة اصحاحات من إنجيله (13، 14، 15، 16) كلمهم فيها بصراحة كاملة، وعزاهم بكلام كثير، فيه حديث عن القيامة، وعن الروح القدس وعمله فيهم، وفيه نصائح لهم. ونرجو أن نعرض لهذا الحديث بالتفصيل.

 

10- وظل اهتمامه بهم، حتى أثناء القبض عليه.

فعندما جاء الجند ليقبضوا عليه، قال لهم (أنى أنا هو. فان كنتم تطلبونني، دعوا هؤلاء يذهبون...ليتم القول الذي قاله (إِنَّ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي لَمْ أُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا) (يو 18: 8، 9).

وهكذا كان مشفقًا على تلاميذه ساعة القبض عليه، مهتما بهم أكثر من اهتمامه بنفسه. يهمه أن يكونوا طلقاء، وان يفلتوا من الجند. أما هو فليسلم نفسه ويقبض عليه...

 

11- حتى وهو على

الصليب أيضًا.

اهتم بخاصته كذلك، وهو في عمق آلامه...

فلم يترك أمه العذراء وحيدة، إنما عهد بها إلى تلميذه الحبيب يوحنا. (ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته) (يو 19: 27) وكان في ذلك بركة لهذا التلميذ، إذ اهتم به الرب، ووهبه أما روحية، هي أقدس أم وأحن أم، في هذا العالم كله...

ومن اهتمام المسيح بتلاميذه حديثه الوداعي لهم.

 

12- وأيضًا صلاته الطويلة من أجلهم.

فلنتناول هذين الموضوعين بتفصيل أكثر...


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/good-thursday/disciples.html

تقصير الرابط:
tak.la/xr39jmh