وعد الله آدم وحواء بأن "نسل المرأة سيسحق رأس الحية" (تك15:3). ومع ذلك بقيت الحية آلاف السنين رافعة رأسها، تؤذي البشرية في إيمانها وفي روحياتها...! والبشرية تنتظر متى يأتي الرب ويحقق وعده...
وقال الرب لأبينا إبراهيم "بنسلك تتبارك جميع قبائل الأرض" (تك18:22). وتكرر هذا الوعد لأبناء إبراهيم. ومر أكثر من ألفي سنة. وأبناء إبراهيم ينتظرون تحقيق هذه البركة! ومع ذلك ظل الرب صابرًا منتظرًا ملء الزمان (غل4:4).
كانت البشرية تنتظر خلاص الرب طول ذلك الزمان. وهي واثقة أن الرب سيأتي ويخلص، ويحقق وعده...
أما متى يأتي؟ فما كان أحد يدري. وكثير من القديسين انتظروا طول عمرهم. "ولم ينالوا المواعيد، ولكنهم من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها" (عب13:11)... وتحقق مجيء الرب فعلًا، بعد طول ذلك الانتظار:
وأنا أريد أن أُحَدِّثكُم عن هذا الانتظار:
 |
يقول المرتل في المزمور: "انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك، وانتظر الرب" (مز14:27).
وهذا المزمور يعطينا معنى جميلًا عن طريقة انتظارنا للرب. وهي أننا لا ننتظر في يأس، ولا في انهيار أو ضعف، بل ننتظر في قوة، في ثقة. وقد تشدد قلبنا بالإيمان... هذه القوة يشرحها لنا إشعياء النبي، حينما يصف الذين ينتظرون الرب فيقول:
"وأما منتظرو الرب فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون" (أش31:40).
بعكس الإنسان الذي لم يختبر انتظار الرب. نراه دائمًا في قلق واضطراب، في خوف من عدم مجيء المعونة من عند الرب. يطلب، ويتضايق جدًا إذا لم يستجيب الرب لطلبته بسرعة. وكل تأخير في الاستجابة يزيده قلقًا، ويفقده سلامه...
أما الذي ينتظر الرب، فلا يفقد سلامه أبدًا، ولا يقلق.
إيليا النبي: كان الله وعده أن السماء ستمطر. وصلى إيليا، ولم تمطر. وصلى ثانية وثالثة ورابعة، ولم تمطر! ومع ذلك لم يقلق إيليا أبدًا. وانتظر الرب واثقًا بوعده... وفي الصلاة السابعة، رأى "غيمة صغيرة قدر كف إنسان" (1مل44:18). فعرف أن الرب قد استجاب، ونزل مطر غزير...
إن انتظار الرب هو اختبار لإيماننا: هل يتزعزع إيماننا إن أبطأ الرب، أم يظل ثابتًا كما هو...؟
الذي يعيش في حياة الإيمان، يلقي أموره في يد الرب، ويتركها هناك. لا يقلق ولا يضطرب، ولا يستعجل تدبير الرب. إنما يؤمن أن الله سيحل كل شيء، بالطريقة المُثْلَى، وفي الوقت المناسب... حقًا ما أعمق قوله لتلاميذه:
"ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع7:1).
نحن ننتظر الرب، وننظره في رجاء وفي ثقة وفي فرح، ونحن واثقون أنه سيأتي. لا نعلم متى يأتي، ولكننا متأكدون أنه سيأتي ويعمل لخلاصنا... أصباحًا، أم ظهرًا، أم نصف الليل، أم في الهزيع الرابع...؟؟ لسنا ندري. بل نترك تحديد الوقت لحكمته...
إن منتظر الرب، يثق بأمرين أساسيين يعتمد عليهما في انتظاره: وهما محبة الله الفائقة للبشر، وحكمته التي لا تحد...
وفي فترة الانتظار، لا تعتمد على الحلول البشرية.
لا تفعل مثل رفقة، عندما يئست من انتظار الرب في منح البركة ليعقوب، لجأت إلى الذكاء البشري باستخدام الحيلة والخداع (تك27). ولا تفعل مثل إبراهيم، الذي يئس من انتظار الرب في إنجاب إسحق، فأخذ هاجر (تك3:16، 4)... حقًا إن الطرق البشرية هي نتيجة مؤلمة لليأس من انتظار الرب. وتدل على القلق كلما طالت المدة.
لذلك ما أجمل قول المرتل في المزمور:
"انتظرت نفسي الرب، من محرس الصبح إلى الليل (مز130).
أي طول النهار، من بدايته حتى نهايته... فلا تقلق إذن. ولا تظن أن الله يبطئ في قدومه. فالله لا يبطئ أبدًا، مهما ظننت أنت أنه تأخر في استجابته.
إن الله يعرف الموعد المناسب بكل دقة، ولا يتأخر عنه ولا لحيظة واحدة.
وما تظنه أنت إبطاء، ما هو إلا خطأ في حساباتك، نتيجة لقلقك فيما تنتظر الوقت المناسب الذي حددته حكمة الله. لتكن لك إذن ثقة في حكمة الله، وفي حُسْن اختياره للمواعيد. كما يجب أن تثق بمحبته لك.
إن الله محب البشر، يحبك أكثر مما تحب نفسك.
ويعمل من أجل منفعتك، أكثر مما تعمل أنت...
إنه يعطيك دون أن تطلب، وقبل أن تطلب... فكم بالأولى إن طلبت... كما أنه مهتم بأن يعطيك ما ينفعك، أكثر من إعطائك ما تطلبه... حقًا ما أدراك أن ما تطلبه، هو الأصلح أو الأنفع لك؟!
كذلك الوقت الذي تحدده، ربما يرى الله أنه غير صالح لك، لظروف هو يعرفها لعمله بالأوقات قبل كونها.
لذلك تواضَع. واترك حكمة الله أن تتصرف. وانتظر الرب.
أليس من المؤلِم ومن المُخْجِل، أن نثق بذكائنا، أكثر مما نثق بالله وحكمته وحسن تدبيره!! إن الله -فيما تظنه قد تأخَّر- يكون مدبرًا الأمور بحكمة لا تدرك أعماقها إلا فيما بعد، عندما تتضح أمامك الرؤية بالأكثر...
الذي يتأمل قصة فرعون وموسى، يتعجب كثيرًا جدًا...
انتظر الرب على مذلة أولاده أكثر من 400 سنة، لأن كأس الخطاة الذين كان سيطردهم أمامهم، لم يكن كاملًا. وانتظر أيضًا على فرعون عشر مرات، في ضربات شديدة متلاحقة، لعله يتوب أو يلين. ولعل الذين ملوا الانتظار كانوا متعجبين...! ولكنهم عندما رأوا أعجوبة شق البحر الأحمر، لا شك أنهم أدركوا حينذاك حكمة الانتظار وأعماقه.
ربما لو أهلك فرعون ورجاله من أول ضربة، ما بدا عمله قويًا، كما حدث عند شق البحر الأحمر.
وربما كان البعض سيسأل: لماذا لم يطل الرب أناته، ويمنح فرصة أخرى لفرعون؟!
إن صبر الله أكثر من 400 سنة، لم يكن معناه أنه قد نسى أو أهمل! حاشا. وإنما معناه أنه كان يدبر. ويتخير الطريقة القوية، ويتخير أحسن الأوقات. لذلك فلنثق بحكمته ونحن ننتظره...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
قد يكون الانتظار أيضًا مدرسة للصلاة.
نتعلم فيها اللجاجة، والتمسك بالرب والاعتماد عليه، ونرتبط به في عمق.
ربما (تأخر) الرب علينا، يدفعنا، أن نسكب أنفسنا أمامه متضرعين. وكلما طالت المدة تنضم إلى صلواتنا أصوام ومتطلبات، وربما نذور أيضًا...
مثلما تأخر الرب على حنة زوجة ألقانة، فلم يفتح رحمها لتلد، حينئذ صلت صلاة، وبكت ونذرت نذرًا، وصار ابنها ابنًا للهيكل من صغره (1صم9:1-11).
سبب آخر: وهو أنه قد يحدث أحيانًا حينما تأتي الاستجابة بسرعة، لا نشعر بقيمتها!
ولا تمنحنا الحب والشكر والعرفان بالجميل... وقد نفقدها بسرعة، بسبب عدم الحرص عليها وعدم التقدير...
إن عروس النشيد، عندما تعبت في العثور على عريسها، واحتملت من أجله، وطلبته فلم تجده، ودعته فما أجابها، وتشفعت ببنات أورشليم أن يخبرنه بأنها مريضة حبًا، حينئذ لما وجدته أخيرًا، قالت "أمسكته ولم أرخه" (نش4:3)، (نش6:5-8).
هكذا لكي يجعلك الله تتمسك به وتشتاق إليه، وتقول له "من كل قلبي طلبتك" (مز119)... يتأخر عليك قليلًا، في حكمة وحب...
كل الذين انتظروا الرب، وصلوا إلى نتائج عجيبة...
والأبناء الذين وهبهم الله لأمهاتهم بعد طول عقم كانوا بركة لأجيالهم: المعمدان الذي ولدته أمه بعد طول انتظار صار الملاك الذي يهيئ الطريق قدام الرب (مر2:1)، بل صار أعظم من ولدته النساء (مت11:11).
وصموئيل الذي ولد بعد عقم وصلوات ونذر، صار النبي العظيم صاحب قنينة الدهن التي مسح بها شاول وداود. ويوسف الذي منحه الرب لراحيل بعد عقمها وشفاعة يعقوب فيها، صار بركة لمصر ولأسرته، وله نصيب اثنين بين أخوته. وشمشون الذي ولد بعد عقم، صار أقوَى إنسان في زمانه...
لذلك انتظر الرب. وثق أن انتظارك ستعقبه بركة ونعمة.
نحن لا نقصد بانتظار الرب، أن تنتظر في ضجر وفي ضيق وتعب، وأنت تشك في استجابة الرب، أو تشك في الصلاة وفاعليتها! كلا. فهذا انتظار غير روحي.
إنما نقصد أن تنتظر وأنت في ملء الرجاء والثقة. تنتظر وأنت تؤمن. وإن ضعفت، تصلي أن يقوي الرب إيمانك.
إن مواعيد الرب صادقة وأمينة. ونحن نثق بمواعيد الرب. ومهما كانت العوائق التي تحارب إيماننا، فإننا لا نشك.
نحن لا نؤمن فقط أن الله سيعمل، بل نؤمن أنه يعمل الآن. وقد بدأ عمله فعلًا، قبل أن نطلب...
وسأضرب لكم مثالًا: ربما تحتاج كنيسة إلى خدمة عاجلة، وتطلب من الرب أن يسام لها كاهن قديس نشيط محب، على وجه السرعة. ربما تتأخر السيامة شهورًا أو سنة أو أكثر. ويصرخ الشعب "لماذا يا رب تأخرت؟". ويجيبهم الرب "أنا لم أتأخر. بل على العكس، فمنذ أربعين سنه؟ أو ثلاثين وأنا أعد لكم هذا الكاهن، بقلب خاص، وروحيات خاصة، وبعقلية خاصة. بل كنت أعده لكم بتجارب وضيقات، وبخبرات، حتى يكون نوعية خاصة تناسب كنيستكم وشعبكم... قبل أن تطلبوا بزمان، وقبل أن تحتاج هذه الكنيسة إلى كاهن"...
أولاد الله سعداء ومطمئنون... كلما حاربهم الشك، يقولون: هوذا صوت حبيبي، ظافرًا على الجبال، قافزًا على التلال" (نش8:2)... يقينًا إن هذا الطَّافِر على الجبال لا يمكن أن يبطئ...
إن راكِب الطائرة يُخَيَّل إليه أحيانًا أنها واقفة، بينما تكون في أقصى سرعة!
وأحيانًا تنظر إلى المروحة الكهربائية، فتظنها واقفة وهي أيضًا في أقصى سرعتها... وهكذا أيضًا في نظرتك إلى الله وهو يعمل...
في انتظارك للرب، لا تعتمد على العيان، ولا على حواسك، ولا على عقلك وفهمك البشري. إنما على الإيمان. وهناك أعمال كثيرة جدًا، يعملها الله معنا، ولا نحس نتائجها إلا فيما بعد، في وقت متأخر جدًا...
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/god-and-man/waiting-for-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/qrk6ap5
