تأملات في قطع النوم
4
أيتها العذراء الطاهرة
أسبلي ظلك السريع المعونة على عبدك.
وأبعدي أمواج الأفكار الرديئة عني.
وأنهضي نفسي المريضة للصلاة والسهر،
لأنها استغرقت في سبات عميق.
والدة ينبوع الحياة، ملكي وإلهي،
يسوع المسيح رجائي.
غير الأرثوذكس، الذين لا يتشفعون بالعذراء القديسة مريم، لا يصلون هذه القطعة وأمثالها في الأجبية، ظانين أنها صلاة موجهة إلى القديسة العذراء، بينما الصلاة هي لله وحده!
ولكننا لا نصلي أبدًا إلى العذراء مريم.
وإنما أثناء صلاتنا لله، نتحدَّث إليها، طالبين معونتها.
وهذا الأمر مألوف جدًا في الكتاب المقدس.
وبخاصة في مزامير داود.
1- أثناء صلاة داود في المزامير، يتجه إلى نفسه ويخاطبها:
فيقول في صلاته: "باركي يا نفسي الرب، وكل ما في باطني فليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب، ولا تنسى كل حسناته" (مز 103: 1، 2).
وهو يخاطب نفسه أثناء صلاته في (مز 42: 5) ويقول "لماذا أنت حزينة يا نفسي؟ لماذا تزعجينني؟ توكلي على الله.."
ويقول لنفسه في مزمور آخر "ارجعي يا نفسي إلى موضع راحتك، فإن الرب قد أحسن إليَّ" (مز 116: 7).
ويتحدث داود إلى نفسه في صلوات الأجبية فيقول:
"توبي يا نفسي ما دمت في الأرض ساكنة. لأن التراب في القبر لا يسبح، وليس في الموتى من يذكر.
وأيضًا أثناء صلاته، يلتفت إلى نفسه ويقول لها:
"لو كان العمر ثابتًا، وهذا العالم مؤبدًا، لكان لك يا نفسي حجة واضحة. لكن إذا انكشفت أفعالك الرديئة وشرورك القبيحة أمام الديان العادل، فأي جواب تجيبين، وأنت على سرير الخطايا منطرحة، وفي إخضاع الجسد متهاونة؟!"
هل نقول هنا أن المُصَلِّي يصلي إلى نفسه؟ أهذا معقول؟! أم نقول إنه في صلاته إلى الله، يلتفت إلى نفسه ويخاطبها، أمام الله...
2- وكما يخاطب نفسه أثناء صلاته، كذلك يخاطب الملائكة:
فيقول في (مز 103) "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه. ها باركوا الرب يا جميع جنوده خدامه العاملين مرضاته".
ولعله أيضًا كان يتجه إلى الملائكة حينما قال في مزمور آخر: "أرفعوا أيها الرؤساء أبوابكم، وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية، فيدخل ملك المجد.." (مز 24).
فهل نقول أن داود كان يصلي إلى الملائكة؟! كلا طبعًا. ولكنه كان يخاطبهم أثناء صلاته وأحيانًا بروح النبوة.
3- بل إنه كان في صلاته، يتجه أحيانًا إلى الشياطين أو الأشرار ويخاطبهم.
وهكذا نراه وهو يصلي في المزمور السادس، يتجه إليهم ويقول: "ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم. لأن الرب قد سمع صوت بكائي. الرب سمع صوتي تضرعي. الرب لصلاتي قبل".
4- وداود أثناء صلاته يخاطب مجموعات كثيرة من الناس.
فنراه يقول في مزمور كامل: "ها باركوا الرب يا عبيد الرب، القائمين في بيت الرب، في ديار إلهنا. في الليالي ارفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب" (مز 134).
ويقول في مزمور آخر "سبحوا الرب أيها الفتيان. سبحوا الرب. ليكن اسم الرب مباركًا من الآن وإلى الأبد. من مشارق الشمس إلى مغاربها، باركوا اسم الرب." (مز 113).
وفي مزمور آخر يقول "قدموا للرب يا أبناء الله ن قدموا للرب أبناء الكباش. قدموا للرب مجدًا وكرامة قدموا للرب مجدًا لاسمه. اسجدوا للرب في دار قدسه.." (مز 29).
ويقول في (مز 98) "سبحوا للرب تسبيحًا جديدًا... هللوا للرب يا كل الأرض. سبحوا وهللوا. رتلوا للرب بالقيثارة، بالقيثارة وصوت المزمار... هللوا أمام الرب الملك".
(و المزمور 100) كله بنفس هذا الأسلوب "هللوا للرب يا كل الأرض.."
وكذلك (مزمور 47) كله "جميع الأمم صفقوا بأيديكم.."
فهل داود كان يصلي على جميع الأمم، وإلى كل الأرض؟! أم كان وقت صلاته، يتجه إليهم، ويدعوهم إلى الصلاة معه...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
5- وكان داود في صلاته، يتجه إلى أورشليم ويخاطبها:
فيقول في (مز 147) "سبحي الرب يا أورشليم، سبحي إلهك يا صهيون. لأنه قوَّى مغاليق أبوابك، بارك بنيك فيك. وجعل تخومك في سلام". ويقول لها في (مز 87) "أعمال مجيدة قد قيلت عنك يا مدينة الله".
فهل من المعقول أنه كان يصلي لأورشليم؟!
6- إن كان الأمر هكذا، وإن كان داود -بروح الله- قد اتجه إلى كل هؤلاء في صلاته وخاطبهم... فلماذا لا نتجه نحن أيضًا في صلاتنا إلى العذراء ونخاطبها طالبين شفاعتها؟!
إننا نطوِّب العذراء في بتوليتها، وفي أمومتها، وفي معونتها
لقد عاشَت عذراء، وولدت وهي عذراء، استمرت عذراء بعد ولادتها للسيد المسيح، لذلك تلقبها الكنيسة بلقب "دائمة البتولية". وهنا نناديها في صلاتنا بعبارة "أيتها العذراء الطاهرة".
إن مجرد كلمة (العذراء) بدون ذكر اسم، تعني العذراء مريم.
فهذا هو الاسم الذي اشتهرت به. وهو الاسم الذي ذكره إشعياء النبي حينما قال "ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل" (اش 7: 14). وهذه الآية هي التي طمأن بها الملاك يوسف النجار (مت 1: 22، 23).
وبهذا اللقب نناديها في صلاة النوم "أيتها العذراء الطاهرة".
دون أن نذكر اسمها. ولكن مجرد عبارة "أيتها العذراء" تكفي... إننا نحب العذراء من أعماق قلوبنا، ونوقرها. وما أكثر التسابيح التي باسمها، وبخاصة في الابصلمودية الكيهكية. وما وما أكثر كنائسنا التي تبني أيضًا باسمها. وما أكثر ظهوراتها في مصر ومعجزاتها...
والظِّل يعني الحماية. كما نقول في المزمور "الساكن في ستر العلي، في ظل القدير يبيت" (مز 91: 1). وكما تقول عذراء النشيد عن الرب "تحت ظله اشتهيت أن أجلس" (نش 2: 3). وكما قال الأنبا بولس البسيط لمعلمه الأنبا انطونيوس "أعيش تحت ظل صلواتك".
وهنا ظل سريع المعونة. أي أن الشفاعة بها سريعة في استجابتها... وهذه نقطة إيمانية عملية، نشعر بها في حياتنا.
وعبارة "أسبلي ظلك" معناها أدخلينا تحت حمايتك ورعايتك.
وفي أي شيء نطلب الحماية؟ يذكر المُصَلِّي هنا نقطتين:
أ- ابعدي أمواج الأفكار الردية عني.
ب- أنهضي نفسي المريضة للصلاة والسهر.
إننا نطلب أن تبعد عنا الفكر الرديء سواء في الصحو، أو في خيالات النوم إن نمنا. وهنا يبدو إيماننا بقوة شفاعة العذراء في حمايتنا من أمواج الأفكار الردية. ويساعدها على ذلك أمران: أمومتها، وقدرتها.
إنها أم لنا جميعًا. إن كان السيد المسيح قال عن العذراء للقديس يوحنا الرسول الحبيب "هذه أمك" (يو 19: 27). وهذا القديس يقول لنا "يا أولادي" (1يو 2: 1). فبالتالي تكون العذراء أمنا، ما دامت أم أب لنا... وبالتالي كانت هي الأم الروحية لجميع الرسل.
وهي أم المسيح بالجسد. وهو أيضًا يقول لنا "يا أولادي" (يو 13: 33) وهكذا تكون هي أمنا، لأنها أم أبينا "والدة ينبوع الحياة".
إننا لا ننظر إلى العذراء فقط كقديسة عظيمة، بل أيضًا كأم.
وليست كأم عادية، بل "أك قادرة رحيمة معينة".
وبهذا نثق في قدرة شفاعتها، المبنية على حنان أمومتها، وعلى منزلتها العظيمة عند ربنا يسوع المسيح. وهكذا يقول المُصَلِّي عنها "والدة ينبوع الحياة ملكي وإلهي، يسوع المسيح رجائي".
وما دام رجاؤنا هو يسوع المسيح، فإننا نلجأ إلى أمه، ذات الشفاعة المقبولة التي أول معجزة له في قانا الجليل، بشفاعتها" (يو 2: 3).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/contemplations-compline/o-pure-virgin.html
تقصير الرابط:
tak.la/b5dhh52