4- وقت لا نعلمه...
حقًا كما قال الرب في الإنجيل المقدس "إن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة" (لو17: 20).
الروح يَهِب حيث يشاء.
نحن لا نعلم متى يتحدث الله إلينا، متى يعلن لنا ذاته، متى تزورنا نعمته، متى نجد أنفسنا أمام الله...
إنما في وقت لا نعلمه، يعمل الله في قلوبنا من حيث لا ندري، ويشعرنا بوجوده. وهكذا فعل مع القديسين.
في وقت ما كان يتوقعه موسى النبي، وبطريقة لم تخطر له على بال، كلمه الله من النار المشتعلة في العليقة، وأعلن له ذاته، وأرسله ليخلص الشعب (خر3)..
وفي وقت ما، كلم الله أبانا إبرام، ودعاه للحياة معه (تك12). وجد أبرام نفسه أمام الله، دون أن يسعى إلى ذلك، ودون أن يخطر له هذا على بال. وتكرر الأمر في حياته مرات... إن ملكوت الله لا يأتي بمراقبة.
كذلك صموئيل النبي وهو طفل، ما كان ينتظر مطلقًا، أن يكون له حديث مع الله، أو أن يختاره لرسالة معينة أو نبوة، ولكنه وجد نفسه أمام الله في وقت لا يعلمه ولا يتوقعه...
وبنفس الأسلوب، شاول الطرسوسي في طريق دمشق، وجد نفسه أمام النور، وأمام دعوة، وأمام عتاب، وأمام المسيح شخصيًا. وصار رسولًا من حيث لا يدري، بل وفي عكس الطريق الذي انتهجه لنفسه.
في وقت غير معروف، تفتقد النعمة قلب إنسان، فتشعله. كما هو مطلوب منه، أن يتجاوب ويستغل الفرصة.
أنت لا تدري متى يطرق الله على بابك. كل ما تدريه أنك أن سمعت صوته لا تقسي قلبك، بل تفتح بابك مباشرة، وتقول له في حب: تعال أيها الرب يسوع.
مشكلة عذراء النشيد، إنها لم تفتح للرب، حينما أتاها ظافرًا على الجبال. لذلك قالت في ألم شديد: "حبيبي تحول وعبر. نفسي خرجت حينما أدبر. طلبته فما وجدته. دعوته فما أجابني" (نش5: 2-6).
في فترات زيارة النعمة، يشعر الإنسان بوجود الله معه. يشعر بحرارة غبر عادية، واقترب قلبه إلى إلهه، وبحب عجيب للرب وملكوته، وبرغبة في الصلاة، وعمق في التأمل، كما يشعر بسيطرته على فكره وتوجيهه توجيهًا روحيًّا.
إن رأيت هذا في نفسك، فتذكر قول الرسول "لا تطفئوا الروح" (1تس5: 19). وإن لم تكن في هذه الحالة الروحية، فلا تحاول أن ترقبها متى تجيء. إنما يكفي أن تقول في مزاميرك "مستعد قلبي بالله، مستعد قلبي" (مز56).
وباستمرار كلما وجدت في داخلك اشتياقًا روحيًّا، حاول أن تلهبه بالأكثر. إن وجدت في داخلك رغبة في التوبة أو في الاعتراف، فلا تتوان ولا تؤجل. وإن وجدت رغبة ملحة أن تصلي، فلا تتكاسل. وإن وجدت نفسك قد تأثرت بعظة أو صلاة أو لحن أو ترتيلة، فلا تجعل هذا التأثير يضيع بلا ثمر. استفيد من وجود الله معك، لنموك الروحي.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
واحترس من أن يكبر قلبك خلال زيارات النعمة.
وجودك في حضرة الله، يناسبه التواضع بالأكثر، وانسحاق القلب، والشعور بعدم الاستحقاق، فبهذا يمكن أن يعطيك الرب أكثر فأكثر، لأنه يعطي المتواضعين نعمة (يع4: 6).
وكلما تجد نفسك مع الله، قُلْ: إنه من أجل احتياجي سمح الرب أن يفتقدني بنعمته، وليس ذلك بسبب استحقاقي.
إنه ليس بجهدنا نكون مع الرب، إنما بحنانه وجوده.
من أجل محبته لبني البشر، من أجل عدم مشيئته أن يموت الخاطئ. من أجل رعايته وعنايته وأبوته، يفتقدنا معنا، حتى دون طلب منا، كما فعل مع تلميذيّ عمواس ومع شاول الطرسوسي.
تبارَك الرب في عظم محبته. له المجد من الآن وإلى الأبد آمين.
_________
أُلقيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبرى، مساء يوم الجمعة 15/5/ 1970 م.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/pope-sheounda-iii/being-with-god/touch.html
تقصير الرابط:
tak.la/g3zjt7w