كان القائد في الفكر الإداري القديم يهتم بتلقين المرؤوسين خطة المنظمة وطريقة عملها وأساليب تحقيق الأهداف المطلوبة، بشكل أشبه بطريقة (تحفيظ التلاميذ الدرس). ثم بعد ذلك يقوم القائد بمتابعة تنفيذ العمل ومدى التزام المرؤوسين بإنجاز المطلوب منهم بالكم والكيف، بالطريقة المحددة لهم (حرفيًا كما هو مرسوم تمامًا).
ومع تطور الفكر الإداري بنهاية القرن الماضى بصفة عامة، ومع تطور الفكر المرتبط بالقيادة كمفهوم ووظيفة (مهام ومسئوليات)، أصبح من المهام الوظيفية الرئيسية لقائد القرن الحادى والعشرين مهمة رفع الروح المعنوية وشحذ همم المرؤوسين، وتشجيع روح الابتكار والإبداع لهم. "لأن الله لم يعطينا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح" (2 تي 1: 7).
إن وظيفة القائد الحديثة في رفع الروح المعنوية وشحذ همم العاملين – لبذل أقصى ما لديهم من طاقة وجهد – هي وظيفة هامة ومستمرة، تعمل على تقويم الأيادي المسترخية والركُب المخلّعة (مت 12: 12) وتحتاج هذه الوظيفة القيادية إلى قدرات ومهارات إدارية متميزة قادرة على تفهم الحاجات الوظيفية للعاملين والعمل على إشباعها، وقادرة على معرفة اتجاهات ودوافع العاملين ومن ثم توجيههم أخلاقيًا وفكريًا ودفعهم لسلوك معين لأن: "الرخاوة لا تمسك صيدًا. أما ثروة الإنسان الكريمة فهي الاجتهاد" (أم 12: 27).
ويُفضَّل أن تتم هذه الوظيفة القيادية الجديدة على ضوء المحبة كفلسفة إدارية عامة، على أن تُترجم هذه المحبة من خلال إطار توجيهى فكرى وتطبيقى متكامل، يشتمل على:
* التشجيع النفسى والمعنوى لكل مرؤوس، وإزالة كل قلق وخوف لديه: "تشدد وتشجع.. لا ترهب ولا ترتعب" (يش 1: 9)، "تقوّ وليتشدد قلبك.. وانتظر الرب" (مز 26: 14).
* توضيح الطريق المهنى والوظيفى للمرؤوسين لمواجهة ما فيه من تحديات وعقوبات وظيفية والتغلب عليها. "اصنعوا لأرجُلكُم مسالك مستقيمة، لكي لا يعتسف الأعرج، بل بالحري يشفى" (عب 12:13).
* المشاركة الوجدانية للمرؤوسين –بواسطة القادة– في كل حالاتهم العاطفية والوجدانية من حزن وفرح: "فرحا مع الفرحين، وبكاء مع الباكين" (رو 12:15)، "فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق" (رو 12: 12). وذلك كمحاولة لخلق بيئة وظيفية للمرؤوسين مملؤة بالحب والسلام والأمان الوظيفي الدائم.
إن توافر أو وجود القائد الذي يتمتع بالمواهب والصفات القيادية التي تناولناها من قبل: المعلم والقدوة والمتصل والعادل، والقائد القادر على القيام بكل واجباته الوظيفية خاصة ما يتعلق منها برفع الروح المعنوية وشحذ همم المرؤوسين، بالإضافة إلى وجود قواعد ولوائح تنظيمية للعمل تتيح فرص عادلة للترقى للموهوبين من المرؤوسين، مع وجود مناخ وبيئة عمل صالحة ملائمة...إلخ. سوف يؤدى دون أدنى شك إلى زيادة درجة اقتناع ورضا العاملين عن الوظيفة أو ما يسمى (الرضا الداخلي أو الوظيفى للعاملين).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
ويجدر الإشارة إلى أن زيادة درجة الرضا الوظيفى للعاملين سوف ينعكس بالإيجاب على درجة تعاون العاملين وانتاجيتهم (الأهداف الكمية) وعلى نوعية وجودة المنتجات (الأهداف الكيفية). كما تؤثر درجة الرضا الداخلي للعاملين على درجة رضا العملاء ومن ثم درجة ولائهم، وأثر ذلك على تحقيق معدل عائد مرتفع على حق الملكية. وسوف نناقش بالتفصيل مفهوم الجودة وحلقات الرضا في الفصل السادس.
وحتى ينجح القائد ليكون ملهمًا لمرؤوسيه، وحتى يستطيع القائد أن يشجع روح الابتكار والإبداع للمتميزين والموهوبين منهم، لأن: "أنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد" (1 كو 12: 4). فلابد أن يمتلك القائد نفسه القدرة على الابتكار والإبداع خاصة في تعامله مع المشاكل الإدارية وإلاّ سوف ينطبق عليه الرأى القائل: (فاقد الشيء لا يعطيه).
ويمكن أن نتعلم نفس المعنى من الرب يسوع عندما قال لبطرس: "ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد". فأجاب سمعان وقال له: "يا معلم، قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا. ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة". ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكا كثيرا جدا، فصارت شبكتهم تتخرق" (لو 5:4 - 6)... وبشرح وتفسير هذه القصة –من وجهة النظر الإدارية– يمكن ملاحظة أن:
* في مجال الصيد يُقال أن السمك يكثر بالقرب من الشواطئ ويقل في الوسط. إلا أنه غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله، وعلى كلمتك يا رب نلقى الشبكة. الأمر الذي يؤكد ضرورة الإيمان بالجوانب الروحية والتسليم بنتائجها في مجال الأعمال والإدارة. وسنعود لهذا الأمر فيما بعد عند الحديث عن (مفهوم البركة).
* الاهتمام بالعمق وليس السطح الخارجي، حقيقة أسست لمبدأ إداري هام يجب أن يُستخدم في التعامل مع كل المشاكل الإدارية، وهو: (التعاطي مع المشكلة بالمواجهة وليس المُسكنات). وهذا يعنى أن علاج المشاكل لا بُد أن يتم من خلال:
1. تحليل المشكلة ومعرفة أسبابها الحقيقية وليست ظواهرها الخارجية (أسباب المرض لا العرض).
2. حل المشكلة بعلاج جوهر المشكلة (أي أسبابها الحقيقية) وليس الظاهرية (أي ظواهر أو أعراض المشكلة).
وختامًا. فإنه تمشيًا مع ضرورة استخدام طرقًا غير مألوفة ووسائل مبتكرة للإنتاج والتشغيل والترويج والإعلان ومواجهة المشاكل الإدارية المختلفة.. فإن الكتاب المقدس يوصينا بالاستجابة للتجديد والتغيير سواء كنا مرؤوسين أو رؤساء، قائلًا: "ولا تشاكلوا هذا العالم، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله: الصالحة المرضية الكاملة" (رو 12: 2)، "لأنه بعاقل واحد تعمر المدينة وقبيلة من الأُثماء تخرب" (سي 16: 5).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-management/spirit.html
تقصير الرابط:
tak.la/q357bx4