St-Takla.org  >   books  >   nagy-gayed  >   christian-management
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المفاهيم المسيحية.. والفكر الإداري المتجدد: فلسفة "الإدارة بالمحبة" - أ. ناجي جيد

24- الفلسفة المسيحية ومفهوم المتابعة والتقييم

 

أولًا: الفلسفة المسيحية ومفهوم المتابعة والتقييم

تعلمنا الوصايا الكتابية والمسيحية أنه يمكن المتابعة والتقييم للأداء البشري –الروحي والجسدى– إما من خلال مصدر داخلي (داخل الإنسان نفسه)، وإما من خلال متابع خارجي (خارج الإنسان). كالتالى:

 

1. تقييم الأداء البشري (داخليًا):

يوجد محاسبة رقابية داخل الإنسان ذاته، يكون مصدرها "الضمير" الذي أودعه الله في كل البشر. ومن المفترض أن يكون سلطان الضمير أقوى من سلطان القانون. ولهذا يجب على كل إنسان الإستجابة لتأنيب ضميره عند الوقوع في الخطأ لتقويم سلوكه. ويحدثنا بولس الرسول عن الضمير البشرى قائلًا: "لأن الأمم الذين ليس عندهم الناموس، متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم، الذين يُظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم، شاهدا أيضا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة، في اليوم الذي فيه يدينُ الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح" (رو 2: 41 61).

ويعتبر "الروح القدس" داخل المؤمنين المصدر الأول للرقابة والمحاسبة داخل أولاد الله يُبكتهم على خطاياهم وأفعالهم أولًا بأول، لأننا هيكل الله وروح الله ساكن فينا. وكلما كان الروح القدس العامل فينا مشتعلًا ومتوهجًا من خلال قربنا من الله وعمل وسائط النعمة، كلما استفدنا من عمل الروح القدس فينا طبقًا لوعد الرب يسوع لنا: "وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو 14: 26).

إن تقييم الإنسان لنفسه يجب أن يتم (بشكل مستمر دوري)، من خلال التقييم اليومي الذي يُفضل أن يتم آخر كل يوم، وذلك حتى يمكن تصحيح أي خطأ أو انحراف سلوكي أو أخلاقي بمجرد حدوثه، وبذلك تكون عملية التقييم الذاتى مثمرة في حياتنا. فيا أخى القارئ: "لاحظ نفسك والتعليم، وداوم على ذلك" (1 تي 4:16)..." لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا " (1 كو 11: 31).

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

St-Takla.org Image: A hand pointing to something - from the book: Picture puzzles, or, How to read the Bible by symbols, by Beard, Frank, 1899. صورة في موقع الأنبا تكلا: يد تشير إلى شيء - من كتاب ألغاز مصورة: كيف تقرأ الكتاب المقدس من خلال الرموز، فرانك بيرد، 1899.

St-Takla.org Image: A hand pointing to something - from the book: Picture puzzles, or, How to read the Bible by symbols, by Beard, Frank, 1899.

صورة في موقع الأنبا تكلا: يد تشير إلى شيء - من كتاب ألغاز مصورة: كيف تقرأ الكتاب المقدس من خلال الرموز، فرانك بيرد، 1899.

2. تقييم الأداء البشري (خارجيًا):

يُقصد بالتقييم الخارجي، عملية متابعة وتقييم الأداء البشرى الذي تتم بواسطة متابعة آخرين والملاحظة الشخصية لهم. إن هناك أمثلة وشواهد كتابية كثيرة على أهمية المتابعة والتقييم والقياس في التعاليم المسيحية. وإن كان أغلب الظن أن كل الأمثلة والشواهد الكتابية تنصب على التقييم النوعي والكيفي. ويعتقد المؤلف أن هناك مبررًا منطقيًا لهذا الأمر يرجع إلى أن الغرض من الكتاب المقدس هو القصد الروحي والخلاصي: "لأن اهتمام الجسد هو موت، ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام" (رو 8: 6).

وهناك الكثير من آيات الكتاب المقدس التي توضح إلى أي مدى كان السيد المسيح يهتم بمتابعة التلاميذ والرسل وتقييم ادائهم في التبشير والكرازة. ففى قصة إشباع الخمسة الآف رجل: "ولما رجع الرسل أخبروه بجميع ما فعلوا" (لو 9:10). وفي قصة ارسال السبعين رسول ورجوعهم: "فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (لو10: 17).(8) وتوضح الحالتين السابقتين –ضمنيًا– ما يفيد تقديم التلاميذ والرسل للرب يسوع ما يشبه "التقرير الشفاهى" عن أعمالهم طبقًا لما تم تكليفهم به. "وقد قام الرب يسوع بتصحيح مسار معرفتهم وأدائهم التبشيرى"، قائلًا: "ولكن لا تفرحوا بهذا: أن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات" (لو 10:20).

والمتابع لمَثل الوزنات للأفراد الثلاثة (مت 25: 14 30)، يجد أيضًا تأكيدًا واضحًا على أهمية المتابعة وتقييم النتائج وتصحيح المسار. حيث قد أشاد المالك أو المُسافر بمن أخذ الخمس وزنات الذي حقق مثلهم، والذي أخذ وزنتين وقد أيضًا حقق مثلهما. وكافأ كل منهما بمضاعفة وزناته. كما قام المالك بمعاقبة الشخص الثالث صاحب الوزنة الواحدة، وتصحيحًا للمسار فقد أخذ منه الوزنة التي سبق وأعطاها له. وسنعود لهذا المثل بمزيد من الشرح في الفصل السابع.

نفس الشيء يمكن أن نتعلمه من "قصة شجرة التين" التي لعنها الرب يسوع، فيبست لأنها مورقة وليست مثمرة (مت 21: 18 - 22)، والتي تعتبر نموذج آخر على تقييم النتائج وتصحيح المسار. ويمكن أن نستفيد من هذه القصة على المستوى الإداري (بخلاف قيمتها الروحية)، أنه يمكن لنا بعد إستنفاذ محاولات الإصلاح وفقدان الأمل فيه –طبقًا لنوع المشكلة– الإستغناء عن خدمات الشخص التي لا تحقق نتائجه المرجو منه، أو تصفية الفرع الفاشل ضعيف النتائج، أو سحب المنتجات الفاشلة من السوق... وهكذا.

وقد قام الرسل والتلاميذ أيضًا بمتابعة وتقييم أعمال تلاميذهم في البلاد التي بشروا فيها. وتعتبر بعض الرسائل التي كتبها بولس الرسول والتلاميذ الآخرين تأكيدًا حقيقيًا لقيام هؤلاء التلاميذ بوظيفة المتابعة والتقييم.(9)

ويعتقد المؤلف أن هناك نموذجًا كتابيًا يمكن أن يغطى وظيفة المتابعة والتقييم، بشكل عملى متكامل يصلح تعميم استخدامه إداريًا في مجال الأعمال بمستويات عالية من الكفاءة والفاعلية الوظيفية. ويتمثل هذا النموذج الكتابي في "الرسائل الموجهة إلى ملائكة الكنائس السبعة في سفر الرؤيا" الاصحاح الثاني والثالث. وسنتناول الآن أهم الإيجابيات الإدارية التي يمكن أن نتعلمها من الرسائل السبعة بصفة عامة. ثم نتعرض بالشرح والتفسير الإداري للرسالة الخاصة "بملاك الكنيسة بأفسس"، على سبيل المثال (كنموذج لهذه الرسائل)، على النحو التالى:

 

أ‌. الفوائد الإدارية العامة للرسائل السبعة:

يمكن تلخيص هذه النوعية من الفوائد فيما يلي:

* المتابعة والتقييم التفصيلي الدقيق العادل.

* استخدام الأسلوب العلمى في التقييم الكيفي والنوعي. واستخدام أسلوب التقييم بالتقارير (للمرة الأولى تقريبًا).

* استخدام الأسلوب العلمى في عرض الموقف أو الحالة (أو المشكلة) وكيفية علاجها.

* استخدام الأسلوب العلمى في كتابة أو صياغة التقارير بصفة عامة، والتقارير الرقابية (التقييمية) بصفة خاصة.

وحتى يمكن الانتقال إلى الاستفادة المحققة من الرسالة إلى ملاك الكنيسة بأفسس فلابد من عرض النص الكامل لها: أكتب إلى ملاك كنيسة أفسس: "هذا يقوله المُمسك السبعة الكواكب في يمينه، الماشي في وسط السبع المناير الذهبية: أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك، وأنك لا تقدر أن تحتمل الأشرار، وقد جربت القائلين إنهم رُسُل وليسوا رُسُلًا، فوجدتهم كاذبين. وقد احتملت ولك صبر، وتعبت من أجل اسمي ولم تكلّ. لكن عندي عليك: أنك تركت محبتك الأولى. فاذكر من أين سقطت وتُب، واعمل الأعمال الأولى، وإلاّ فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها، إن لم تتُب. ولكن عندك هذا: أنك تُبغض أعمال النقولاويين التي أبغضها أنا أيضا. من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس. من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله" (رؤ 2: 1 - 7).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

 

ب‌. الفوائد الإدارية للرسالة الأولى (لملاك كنيسة أفسس):

 يمكن تقسيم هذه الفوائد إلى:

1. التعريف الدقيق والتوصيف العميق المختصر للشخص أو الجهة التي تجرى عملية القياس والتقييم الإداري المطلوب. (كما في الآية الأولى بعيدًا عن الجانب الروحي).

 

2. دراسة الحالة تاريخيًا أو زمنيًا. من الماضى، ثم الوقوف على الحاضر (كما في الآية الثالثة والرابعة). ثم استخدام التسلسل الزمني للسلبيات أو المشكلة، لدراسة تطورها المستقبلي والتنبؤ به.

 

3. استخدام الأسلوب العلمى في دراسة الحالات والمشاكل، من خلال:

تحديد المشكلة: أنك لم تعد تعمل الأعمال الأولى (الإنجازات الأولى أو ماكنت تحقق من نتائج، أو بمعنى إداري آخر تدنى مستوى الكفاءة والفاعلية في الأداء).

تحديد سبب المشكلة: أنك تركت محبتك الأولى.

طريقة حل المشكلة:

- أذكر من أين سقطت.

- تُب.

- أعمل الأعمال الأولى.

عواقب عدم الحل: وإلاّ فإني آتيك عن قريب وازحزح منارتك من مكانها إن لم تتُب.

إن كل المشاكل الإدارية في مجال الأعمال– مثلها مثل المشاكل الروحية –يترتب على عدم حلها مضاعفة المشكلة ومن ثم فالعواقب ستكون وخيمة، الأمرالذى يجب التنبيه إليه، من خلال عدة أشكال إدارية أكثرها فاعلية هو (أسلوب التحذير المستخدم في الرسالة والمشار إليه).

مكافأة الالتزام بالحل: من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله.

على غرار هذه المكافأة الروحية –إن جاز لنا هذا– فإنه يجب أن يكون هناك حافزًا أو مكافأة تشجيعية، لمن يحقق النتائج المرجوة من خلال الحلول المطروحة للمشكلة أو المعضلة الإدارية في مجال الأعمال.

 

4. استخدام الأسلوب العلمى في كتابة أو صياغة التقارير العامة أو الرقابية، من خلال:

البدء بالإشادة بالإيجابيات – في حالة وجودها – بغرض التشجيع والتدعيم المستقبلى لأصحاب المشكلة.

سرد وشرح الإيجابيات بالتفصيل لتعليم الآخرين.

استعراض السلبيات بالتفصيل لتعليم أصحاب المشكلة (من خلال العتاب الهادى، في حالة المرة الأولى أو حالة عدم الإصرار على السلبيات والاستمرار في تكرارها).

التوصية بحلول للسلبيات أو المشكلة.

التحذير من العواقب (في حالة عدم إتباع طرق العلاج الموصى بها أو في حالة الإصرار على تكرار السلبيات).

من الممكن التوصية باقتراح مكافآت عند تحقيق الأهداف أو النتائج المطلوبة.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(8) الأنبا باخوميوس، مرجع سبق ذكره، ص 166.

(9) الأنبا باخوميوس، المرجع السابق، نفس الصفحة.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-management/evaluation.html

تقصير الرابط:
tak.la/shqwh4q