يرى البعض أن القرار الإداري سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي. إلخ، يحتاج عند إتخاذه إلى توافر عاملين رئيسيين هما: الرغبة والقدرة، وذلك حتى يمكن تنفيذ هذا القرار بما يحقق النجاح المرجو منه. ويعنى هذا ببساطة شديدة ضرورة توافر الرغبة في اتخاذ قرار معين. وكذلك القدرة على إتخاذ هذا القرار، والقدرة هنا كمفهوم موسع تعنى كل من القدرة التنفيذية (كسلطة)، والقدرة المهنية أو الفنية المتخصصة، والقدرة المالية.. إلخ.
ويرى المؤلف أن توافر عاملى الرغبة والقدرة فقط غير كاف لضمان نجاح القرارات الإدارية في أي مجال دنيوى، وإذا كان الأمر كذلك على المستوى الدنيوي، فبالاحرى تكون القرارات على المستوى الروحي والأخلاقي التي تختلف في طبيعتها من حيث الهدف ووسيلة التنفيذ.. إلخ.
فإذا أخذنا بعض القرارات الدنيوية على سبيل المثال لا الحصر: فسوف نجد أن القرار العسكري – الخاص بالحرب – يحتاج بجانب عاملى الرغبة والقدرة إلى عوامل أخرى تزيد في أهميتها عن العوامل المشار إليها. فمن منا ينكر أهمية الإيمان بالله كمانح ومعطى للنصر –حتى مع إمكانيات متواضعة في التسليح وعدد الجنود.. والأمثلة الكتابية على ذلك متعددة في العهد القديم، بشرط عدالة وقدسية الحرب. ويترتب على توافر عامل الإيمان بالله توافر عامل حيوي آخر هو إرادة النصر عند الجنود، والتي تكون في هذه الحالة مستمدة من إرادة الله.. ونفس الشيء يمكن أن يقال أيضًا على قرار المريض (أو المدمن) بالعلاج. فلا يكفى هنا رغبة وقدرة المريض على العلاج، ولا رغبة وقدرة المعالج (الطبيب)، بدون الإيمان بقدرة الرب الإله على الشفاء على مستوى كل من المريض والطبيب المعالج، ثم بعد ذلك لا بُد من توافر الإرادة لدى المريض حتى يتم الشفاء (إرادة الشفاء).
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وإذا كان هذا حال إتخاذ القرار على المستوى الدنيوي. فماذا عن إتخاذ القرار على المستوى الروحي والأخلاقي؟ ماذا يعلمنا الكتاب المقدس في هذا الشأن؟
في البداية يمكن القول أن اتخاذ قرار بأى عمل يشتمل على: جزء خفي ومستتر يتمثل في نية الشخص على القيام بالعمل، وجزء آخر ظاهر ومُعلن يتمثل في السلوك الفعلي أو القيام الفعلي بالعمل. وإذا كان التقييم البشرى لا يجازى عن النية بل على السلوك الفعلي. فإن الله فاحص القلوب والكلى يجازى كل واحد على أعماله بحسب نياته، سواء كان العمل خيرًا أم شرًا: "حتى يكافئ الإنسان على حسب أفعاله ويُجزي البشر بأعمالهم على حسب نياتهم" (سي 35: 24).
ويجدر الإشارة إلى أن توافر النية لإقامة عمل ما، يحتاج من الفرد أيضًا إلى توافر إرادة قوية لديه، سواء قبل البدء في العمل أو أثنائه حتى يمكن إتمامه بشكل جديد.. وقد تعرض المؤلف لهذا الأمر – بإيجاز شديد – من قبل تحت عنوان: (إرادة الإدارة هي جزء من كل)، وذلك في سياق حديثه عن بعض المبادئ المسيحية الإدارية، حيث قال أن الإرادة أو المشيئة البشرية التي يجب أن تحكم أي عمل أرضى أو منظومة إدارية مطلوب لها النجاح، لا بُد أن تتفق مع الإرادة أو المشيئة الإلهية: "من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب" (أف 5: 17). إن إرادة الإدارة لدى الأفراد أو المنظمات لا بُد أن تكون جزءًا لا يتجزأ من الإرادة الكلية للرب الإله: "لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرّة" (ف 2: 13). ومن أجل هذا: "لا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم، لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المقبولة الكاملة (رو 12: 2).
أما عن ضرورة توافر الإرادة أثناء القيام بالعمل الروحي، فالغرض من ذلك هو ضمان إتمام العمل وزيادة فرص نجاحه، وفي هذا الصدد يعلمنا بولس الرسول: "لأن هذا ينفعكم أنتم الذين سبقتم فابتدأتم منذ العام الماضى، ليس أن تفعلوا فقط بل أن تريدوا أيضًا. ولكن الآن تمّمُوا العمل أيضًا، حتى أنه كما أن النشاط للإرادة، كذلك يكون التّميمُ أيضًا حسب ما لكم" (2 كو 8: 10، 11).
وأخيرًا.. هناك سؤال هام يجب أن نطرحه وهو: ماذا عن توافر نية العطاء وعمل الخير مع عدم توافر القدرة؟
يُجيب قداسة البابا شنودة الثالث عن هذا السؤال في إحدى محاضراته بعنوان: (العطية من العوز)، قائلًا عبارة مأثورة "مع توافر النية الرب يُعطي الإمكانية"...ويعنى هذا أنه يكفى لأى فرد منا أن تتوافر لديه نية العطاء وعمل الخير ومساعدة الآخرين حتى لو لم تتوافر القدرة (المالية أو حتى الجسمانية) للقيام بالعمل، لأن في هذه الحالة تعمل نعمة الرب يسوع وتزداد مراحمه على أولاده ولهذا يمنحهم كل الإمكانية المطلوبة لإتمام عمل الخير: "كل واحد كما ينوى بقلبه، ليس عن حزن أو اضطرار. لأن المُعطي المسرور يحبه الله. والله قادر أن يزيدكم كل نعمة، لكي تكونوا ولكم كل اكتفاء، كل حين في كل شيء، تزدادون في كل عمل صالح. كما هو مكتوب: فرّق. أعطى المساكين. بره يبقى إلى الأبد (2 كو 9: 7 - 9).. وبهذا يمكن أن تتحقق المساواة طبقًا للتعاليم المسيحية: "فإنه ليس لكي يكون للآخرين راحة ولكم ضيق، بل بحسب المساواة. لكي تكون في هذا الوقت فُضالتُكُم لسد حاجتهُم، كى تصير فضالتهُم لسد حجاتكُم، حتى تحصل المساواة" (2 كو 8: 13).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-management/decision.html
تقصير الرابط:
tak.la/2sp8wgc