St-Takla.org  >   books  >   nagy-gayed  >   christian-management
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المفاهيم المسيحية.. والفكر الإداري المتجدد: فلسفة "الإدارة بالمحبة" - أ. ناجي جيد

35- المسيحية.. وظاهرة الفساد الإداري والمالي

 

ثامنًا: المسيحية.. وظاهرة الفساد الإداري والمالي

"كل عمل فاسد يزول وعامله يذهب معه" (سي 14: 20).

يعتبر الفساد التجاري من أكبر الأمراض التي يمكن أن تصيب أي نظام اقتصادي، ولا يختلف الأمر كثيرًا فيما بين اقتصاديات الدول الرأسمالية أو الاشتراكية أو الشيوعية، وإن كان المؤلف يرى أن ظاهرة الفساد التجاري – اقتصادي أو مالي أو إداري – تنتشر بقدر أكبر مع اقتصاديات دول العالم الثالث أو الدول الفقيرة مقارنة باقتصاديات الدول الصناعية الكبرى والمتقدمة.

إن قضية الفساد كبيرة ومتشعبة وتتعدد أسبابها فيما بين الأخلاقي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي والقانوني.. إلخ، ولكن المؤلف يعتقد أن السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة إنما يرجع إلى عدم الإلتزام بالمعايير المسيحية والوصايا الكتابية، وما يترتب على ذلك من السلوك بلا ترتيب فإن: "من يسلك بالاستقامة يسير مُطمئنًا، وذو الطرق المُنحرفة يُفتضحُ" (أم 10: 9).. من جهة أخرى فإن نفس العوامل المشار إليها كأسباب لظاهرة الفساد التجاري، يمكن أن تتأثر بالسالب أكثر فأكثر كنتيجة مؤكَّدة تتحقق مع تفشى أو إزدياد حدة ظاهرة "الفساد العام" في أي مجتمع.

St-Takla.org Image: The National Bank of Ethiopia  - from St-Takla.org's Ethiopia visit, Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008 صورة في موقع الأنبا تكلا:  البنك الوطني الإثيوبي - من ألبوم صور حبشية متنوعة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008

St-Takla.org Image: The National Bank of Ethiopia  - from St-Takla.org's Ethiopia visit, Photograph by Michael Ghaly for St-Takla.org, April-June 2008

صورة في موقع الأنبا تكلا:  البنك الوطني الإثيوبي - من ألبوم صور حبشية متنوعة - تصوير مايكل غالي لموقع الأنبا تكلاهيمانوت، من رحلة موقع الأنبا تكلا إلى إثيوبيا، إبريل - يونيو 2008

وقد تأخذ ظاهرة الفساد التجاري أشكالًا متعددة ومتداخلة، بعضها اقتصادي مثل: الإحتكار، والتلاعب في الأسعار من خلال التحكم في العرض (تعطيش السوق)، والتلاعب في مواصفات الجودة والإنتاج، والغش التجاري وتقليد علامات ماركات المنتجات العالمية، والغش في الوزن والعبوة والحجم، والتضليل في الإعلانات التجارية...إلخ. والبعض الآخر إداري ومالي مثل: الرشوة، والواسطة والمحسوبية، والاستغلال السيء للسلطة والنفوذ في التربح غير الشرعي، والسرقة والاختلاس، والربا، والمضاربات المالية، والكذب والتضليل وعدم الشفافية، والطمع، والتملّق، والغيرة الوظيفية والحسد.. إلخ.

ويجدر الإشارة إلى أننا سوف نتناول هنا فقط وبإيجاز شديد ظاهرة الفساد الإداري والمالي بما يتلاءم وموضوع هذا الكتاب.. على أن نتناول بمشيئة رب المجد الجزء الاقتصادي المرتبط بقضايا الفساد خلال عمليات الاستثمار أو الإنتاج أو الإستهلاك في الكتاب القادم من هذه السلسلة: "التعاليم المسيحية.. ومبادئ الفكر الاقتصادي".

إن الفساد في أي شكل مرفوض تمامًا لأنه خطأ وخطية. وإذا كانت القوانين الوضعية الأرضية ترفض الفساد وتجرم بعض أشكاله، فبالاحرى التعاليم السامية أو الوصايا الكتابية السماوية التي لا ترفض فقط الحدوث الفعلي للفساد في كل صوّره، ولكنها ترفض أيضًا مجرد التفكير فيه.. إن الخطية الجدية الأولى جاءت بسبب حسد عدو الخير. والخطية الثانية جاءت أيضًا بسبب غيرة وحسد قايين لأخيه هابيل، لأن الله سبحانه قَبَلَ ذبيحة هابيل دون ذبيحة قايين. لذلك فإن الكتاب المقدس بعهديه يستمر في تحذيرنا من الخطية والفساد، ومن محبة العالم وشهواته لأن العالم يزول وشهوته معه. كما أن الكتاب دائم التأكيد علينا بضرورة الإبتعاد عن محبة المال لأنها أصل لكل الشرور والفساد.

إن الكتاب المقدس هو الذي يعلمنا أن: "المَلِكُ بالعدل يُثبت الأرض والقابل الهدايا يدمرها" (أم 29: 4). كما أن: "الهدايا والرشى تُعمى أعين الحكماء وكلِجَام في الفم تحجز توبيِخَاتهم" (سي 20: 31). ولذلك فإن: "مبغض الرشوة تطول أيامه" (أم 28: 16). من جهة أخرى فإن من صفات وخصائص من يسكن في مسكن الرب وفي جبل قدسه – كما يعلمنا المزمور – أنه: " لا يقبل الرشوة على الأبرياء" (مز 15: 5).. لكل ما سبق فإنه يجب الإبتعاد عن الفساد والمفسدين، لأن: "من أحب الذهب لا يُزكى ومن إتبع الفساد يشبع منه" (سي 31: 5).. وأخيرًا، يعلمنا الروح على لسان أشعياء النبي عن الرشوة والمحسوبية: "ويل للاَّبطال على شرب الخمر، ولذوى القدرة على مزج المُسكر. الذين يُبررون الشرير من أجل الرشوة وأما حق الصديقين فينزعونه منهم" (أش 5: 22، 23).

إن تحذيرات الكتاب المقدس للمؤمنين من الغش والتلاعب في الموازين وبالمثل الإحتكار واضحة وصريحة، وكمثال لذلك: "موازين غش مكرهة الرب، والوزن الصحيح رضاه" (أم 11: 1)، "مُحتكر الحنطة يلعنه الشعب، والبركة على رأس البائع" (أم 11: 26).. وعن الفساد من خلال التزوير والغش فإن الوصية الكتابية هي: "كل من عمل غشًا في المكاييل أو الأوزان يُصبح مكروهًا لدى الرب الهك" (تث 25: 16)، "فطوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية، ولا في روحه غش" (مز 32: 2). ولحماية أنفسنا من هؤلاء المفسدين الظالمين نصلى لرب المجد متضرعين: "أحكم لي يا رب وانتقم، لمظلمتي من أمة غير بارة ومن إنسان ظالم وغاش نجني" (مز 43: 1).. وكما يحذرنا الكتاب من الوقوع في الغش بالفعل فإنه يوصينا أيضًا بعدم الغش بالقلب ومن ثم بالقول أو اللسان، ومن خلال مرتل إسرائيل: "صن لسانك عن الشر، وشفتيك عن التكلم بالغش" (مز 34:13)، "الطاهر اليدين والنقي القلب، الذي لم يحمل نفسه إلى الباطل ولم يحلف بالغش. هذا ينال بركة من الرب ورحمة من الله مخلصه" (مز 24: 4، 5).

← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

إن المتأمل جيدًا في عبارة (الطاهر اليدين والنقي القلب) المشار إليها بالمزمور السابق، سوف يجد أنها تعبر عن الطهارة والنقاوة بصفة عامة في كل نواحي الحياة، كما أنها تعبر في نفس الوقت عن الطهارة الناتجة عن رفض ونبذ أشكال متعددة من الفساد، مثل: السرقة والإختلاس، وإعطاء رشوة أو قبولها، والغش والتزوير بأنواعه... إلخ.

وفيما يتعلق بالسلب والسرقة فإن الكتاب المقدس لا يحذرنا فقط من الإنزلاق فيهما. ولكن أيضًا من عدم تأخير أجرة الأجير للغد، ولا خيانة أو سلب القريب، كما يوصينا الكتاب: "لا تغضب قريبك ولا تسلب، ولا تبت أجرة أجير عندك إلى الغد" (لا 19: 13). أما من يستبيح أموال والديه فإن سليمان الحكيم يحذره قائلًا: "السالب أباه أو أمه وهو يقول لا بأس فهو رفيق لرجل مُخرب" (أم 28: 14).. وفي تعاليم الرسول بولس الأخلاقية والروحية المتعددة - عن الكذب والغضب والسرقة.. إلخ – يوصى في إحدى رسائله قائلًا: "لذلك إطرحوا عنكم الكذب،............. لا يسرق السارق فيما بعد، بل بالحرى يتعب عاملًا الصالح بيديه، ليكون له أن يعطى من له احتياج " (أف 4: 25 - 28).. أما عن التعزية الكتابية للشخص المسلوب بالتقليل من أهمية الأموال المسلوبة، يقول بولس الرسول: "قبلتم سلب أموالكم بفرح، عالمين في أنفسكم أن لكم مالًا أفضل في السماوات وباقيًا (عب 10: 34).

إن الحسد والخبث والمكر والدهاء والرياء أيضًا من صور الفساد الأخلاقي والاجتماعي والتجاري. "فلا أخبث مما يحسد بعينه ويحول وجهه ويحتقر النفوس" (سي 14: 8). ولهذا: "اطرحوا كل خبث وكل مكر والرياء والحسد وكل مذمة" (ا بط 2: 1).. وعن كيفية التعامل مع التملق والنفاق، فإن التعليم الكتابي: "أحسن إلى المتواضع ولا تعط المنافق. أمنع خبزك ولا تعطيه له لئلا يتقوى به عليك. فتصادف من الشر أضعاف كل ما كنت تصنع إليه من المعروف. إن العلى يمقت الخطاة ويكافئ المنافقين بالإنتقام" (سي 12: 6، 7)، وعلى جانب آخر يجب أن: "لا تستشر المنافق في التقوى ولا الظالم في العدل ولا المرأة في ضُرتها ولا الجبان في الحرب ولا التاجر في التجارة ولا المبتاع في البيع ولا الحاسد في شكر المعروف" (سي 37: 12).

وختامًا.. يمكن القول إن تحذيرات الكتاب المقدس من الأشكال المتعددة للفساد كثيرة ويصعب حصرها، وكلها تؤكد على ضرورة الإبتعاد عن أموال الظلم والفساد، لأن: "أموال الظالمين تجف كالسيل وتدوى كالرعد الشديد عند المطر" (سي 40: 13). ولذلك أخي القارئ: "لا تعتد بأموال الظُلم فإنها لا تنفعك شيئًا في يوم الإنتقام " (سي 5: 10). لأن الرب يقول: "في ذلك اليوم أُعاقب كل الذي يقفزون من فوق عتبة الهيكل (على غرار كهنة داجون)، الذين يملأون بيت سيدهم ظُلمًا وغشًا" (صف 1: 9).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-management/corruption.html

تقصير الرابط:
tak.la/3a22zg2