"اتقوا الرب يا جميع قديسيه فإن الذين يتقونه لا يعوزهم شيء. الأشبال احتاجت وجاعت، أما الذين يتقون الرب فلا يعوزهم أي خير" (مز 34: 9، 10).
تزداد أسعار بعض السلع الضرورية الأساسية، بشكل لا يقدر عليه المستهلكين، بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، من أهم هذه السلع: القمح والأرز والبنزين والكهرباء.. إلخ. الأمر الذي يحتم تدعيم أسعار هذه السلع الأساسية بمبالغ كبيرة، ليستطيع المستهلكين شرائها حيث لا يمكن الاستغناء عنها. نفس الأمر ينطبق على بعض الخدمات الحيوية الهامة مثل: التعليم والصحة..إلخ. وعليه فإن الدعم يمثل – باختصار – الفرق النقدي بين: تكلفة السلعة أو الخدمة، وسعر طرح هذه السلعة أو الخدمة بالسوق. ولأهمية الدعم لبعض السلع كالقمح، يقول الروح على لسان الحكيم بن سيراخ: "خبز المعوزين حياتهم فمن أمسكه عليهم فإنما هو سافك دماء" (سى 34: 25).
كما تعودنا خلال كل صفحات الكتاب، فإنه سوف يتم الاعتماد على المنهج الروحي في علاج المشكلة بشقيها الإيماني والسلوكي.
يتمثل هذا المدخل في قيام الكتاب المقدس ببث الطمأنينة والسلام في نفوس المؤمنين، من خلال التأكيد على إن كل المشاكل الدنيوية لها حلول إلهية عند رب المجد، من غير ما نطلب، وأكثر مما نطلب، وأكثر مما نستحق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.. ولذلك يجب الاتكال على الرب الإله والتسليم لمشيئته وإرادته..ولعل من أكثر الآيات المعزية التي ترتبط بمثل هذه النوعية من المشاكل يمكن أن نجدها بسفر المزامير، الذي يعلمنا فيه المرتل: "دُفعت لأسقط، والرب عضدتني، قوتي وتسبحتي هو الرب" (مز 118: 13، 14).. لأن: "معونتي من عند الرب الذي صنع السماء والأرض. لا يُسلم رجلك إلى الزلل، فما ينعس حافظك. هوذا لا ينعس ولا ينام حارس إسرائيل" (مز 121: 2-4).. ولذلك فإن: "الاتكال على الرب خير من الاتكال على البشر. الرجاء بالرب، خير من الرجاء بالرؤساء" (مز 118: 8، 9).
1- من خلال الدعم النقدي. وفي هذا الصدد فإنه يمكن الاعتماد على – التفسير الاقتصادي – لمثل أصحاب الساعة الحادية عشر (متى 20: 1-16).. فقد أعطى رب العمل في هذا المثل من عمل ساعة واحدة من العاملين أجرة تعادل أجرة يوم واحد، وعليه فإنه من الناحية العملية يمكن اعتبار الفرق بين أجرة اليوم الكامل وأجرة ساعة واحدة (دعم نقدي)، لمن عمل ساعة أو ساعتين – الذين قد يمثلوا الفئة الأصغر أو الأضعف أو الأفقر – طبقًا للحالة الخاصة بكل منهم، وذلك بافتراض ثبات خبرة وإنتاجية جميع العاملين والتي لم يتعرض لها المثل. وبهذه الطريقة يمكن المساهمة في مواجهة مشكلة الدعم، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية أيضًا بين المواطنين.
وقد يتساءل البعض ماذا عن العمال الذين اشتغلوا اليوم بأكمله، وهل يُعتبر تصرف صاحب العمل هذا ظلم لهم.. وهنا الرد قد جاء على لسان صاحب العمل بأنه قد دَفع لهم الأجرة التي قد تم الاتفاق عليها بينهم دون أي إخلال بالالتزام تجاههم. فما شأن هؤلاء العاملين بأخواتهم الآخرين، حيث أن صاحب العمل وحده هو الذي له الحق في إدارة العمل طبقًا للظروف والمُلابسات الخاصة بأحوال الآخرين.
2- من خلال الدعم العيني. حيث تُتيح هذه السياسة منح دعم عيني عن طريق إعطاء غير القادرين والأرامل والأيتام السلع الغذائية الهامة. وقد انتهجت الكنيسة الأولى هذه السياسة كما يعلمنا الكتاب المقدس بسفر الأعمال: "وفي تلك الأيام إذ تكاثر التلاميذ، حدث تذمر من اليونانيين على العبرانيين أن أراملهم كن يُغفل عنهن في الخدمة اليومية. فدعا الاثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا: لا يُرضى أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد. فانتخبوا أيها الأخوة سبعة رجال منكم، مشهودًا لهم ومملوءين من الروح القدس وحكمة، فيقيمهم على هذه الحاجة. وأما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة" (أع 6: 1-4).. وفي هذا الصدد يَجدر الإشارة إلى أن كل الكنائس بالعالم تقريبًا تسير على هذا المنهج حتى اليوم، حيث تقوم بتوزيع السلع الهامة من أغذية وملابس وأغطية للشتاء.. إلخ. على غير القادرين أو المعوزين من المؤمنين وغير المؤمنين.
3- من خلال دعم المنتجين. ويتم ذلك بواسطة دعم المُزارعين للمنتجات الهامة كالقمح أو الأرز..إلخ.، وذلك بوسائل متنوعة كالدعم النقدي والدفع المقدم والشراء بأسعار مجزية. والدعم العيني بإمدادهم بالأسمدة والمعدات. كل ذلك بغرض تقليل تكاليف الإنتاج وتشجيعهم على زراعة المنتجات الهامة والضرورية.. نفس الشيء يمكن أن يحدث أيضًا مع بعض المنتجين الصناعيين لمنتجات هامة وضرورية، ولنفس الأسباب.
وفيما يتعلق بتمويل الدعم يمكن القول: أنه في البداية يجب التأكد من دقة تكاليف السلع والخدمات المراد دعمها للتأكد من دقتها، ومن أنه لا يوجد إسراف في التكاليف أو بنود يمكن التحكم أو الترشيد فيها.. ثم بعد ذلك يتم التفكير في كيفية تمويل الدعم. وبصفة عامة يمكن تمويل الدعم من خلال الموارد المتاحة. ففي المسيحية يمكن التمويل من خلال البكور والنذور والعشور والتبرعات والأوقاف وعائد المشروعات وعمل اليدين. أما على مستوى الدولة فيمكن التمويل من خلال الإيرادات العامة والضرائب التصاعدية والرسوم المختلفة كالجمارك والتمغات.. إلخ. هذا ومن المحتمل إصدار كتاب ثالث في هذه السلسلة عن: "المسيحية ومبادئ التمويل والاستثمار".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/nagy-gayed/christian-economics/subsidization.html
تقصير الرابط:
tak.la/a5w4f4f