أيها الأعزاء(6):
نتقدم إلى ناحية عهد الصلح الثانية، أی واجب الإنسان نحو الله: قد عرفنا البركات والخيرات التي ينالها المؤمن بهذا العهد الإلهي المجيد، فما هو واجبنا إذا إزاءه. وهذا ما يُبَيِّنهُ معلمنا بولس الرسول في قوله "فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس، تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" (1كو 26:11). وينطبق هذا القول على ما جاء بإنجيل معلمنا لوقا: "اصنعوا هذا لذكري". ويفسرها لنا الروح القدس بأجلَى وضوح على فم الكنيسة في قداسها الطاهر قائلًا: "لأن كل مرة تأكلون من هذا الخبز، وتشربون من هذه الكأس، تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي، وتذكروني إلى أن أجيء". هذا هو واجب كل مؤمن يتقدم إلى هذا السر ويقطع عهدًا مع يسوع المسيح، فهو إذ يتقدم إلى قدس أقداس العلي ويأكل جسده ويشرب دمه، ينطق لِسان حاله قائلًا: يا رب ما دمت في غربة هذا العالم، أُبَشِّر بموتك، واذكر اسمك وعملك الفدائي العظيم الذي صنعته معي. وأُسْمِع مَن لم يسمع وأُفْهِم مَن يفهم، لأن هذه الذبيحة تُذَكِّرنِي على الدوام بذاك الذي مات من أجلي.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أيها الأعزاء:
لیس بيننا مَن يجهل فوائد هذا الشعور الروحي، فكلما تذكرنا أن يسوع المسيح نزل من السماء، تاركًا العظمة والجلال وسموات الملائكة، ومعاشرة الآب القدوس المُبارَك، آخِذًا جسدًا إنسانيًّا، وصار كأحد العبيد الودعاء المحتقرين المرذولين وتَجَثَّم آلامًا مبرحة وذُلَّ مذلة لم يُذلها أي عبد في الوجود. وأخيرًا عُلِّقَ على خشبة الصلب بين لصين مجرمين، من أجل خطايا وذنوب بني البشر. فهل أعود إلى الخطية مرة أخرى؟ ألا تجعل هذه الذكری حَدًّا فاصلًا بيني وبين الخطية، فلا نلتفت إليها ولا نفكر فيها؛ إذ تظهر أمامنا كالحية الرَّقطاء، لأنه بسببها قد عُلِّقَ يسوع المسيح البار على خشبة العار؟ هذه غاية سامية من أجلها رُسِمَ هذا السر في الكنيسة الطاهرة، إذ يَتَعَهَّد كل مُمَارِس له عدم العودة إلى الخطية.
أيها الأعزاء:
كان لأحد الأمراء كاتِم سر مؤدب كامل، ولكن أباه كان مضروبًا بداء السرقة، وكان قانون البلاد يحتم قَطْع يد السارق. ضُبِطَ الوالِد مرة يسرق، فشفع فيه الابن، وضُبِطَ مرة ثانية فشفع فيه الابن مرة أخرى، وفي ثالث مرة شكا الأمير إلى الولد تَمَرُّد أبيه على قانون البلاد وارتكابه السرقة لثالث مرة، فأبدَى الشاب أسفه الشديد أمام الأمير، وقال: أنا شاعِر بحرج الموقف. وطلب من الأمير توقيع العقوبة، على شرط أن يقوم الولد بتنفيذها! فاستغرب الأمير هذا الطلب وكَبر عليه، وأخيرًا أعطاه الأمير كما طلب. فخرج الابن من حضرته، فما كان من الأمير إلا أنه أمر حارسه بقطع رأس الابن عند رجوعه بيد أبيه المقطوعة.
ذهب الابن إلى أبيه وعَنَّفّهُ على ارتكاب المعاصي وأراه الأمر القاضي بقطع يده، ولكن ذاك الابن البار لم يقطع يد أبيه، بل ضَحَّى بيده هو، وحمل اليد المقطوعة وذهب ليسلمها، وعندما فُتِحَ باب قصر الأمير إذ بالبواب يقطع رأسه. نزل الأمير ورأى الابن مقطوع الرأس، ويده مقطوعة وملفوفة معه. فعلم أن الابن ضحَّى بنفسه في سبيل والده. عندئذ صاح الأمير قائلًا: أيها الآب الخائن. خيانتك أودَت بحياة ابنك. ثم حمل الابن إلى حيث دُفِنَ. وكان أبوه كلما وسوس إليه الشيطان أن يسرق يذهب إلى قبر ابنه ويبكي ويقول: كفي يا شيطان ما خسرته. على هذا المثال رسم يسوع المسيح هذا السر في الكنيسة الطاهرة، فعندما تُرْفَع عيوننا إلى المذبح ونجد يسوع المسيح مذبوحًا من أجلنا ومن أجل خطايانا، لا يمكن للشيطان أن يخدعنا بعد ذلك. هذه ذِكْرَى تبعدنا عن الخطية يا أحبة الرب.
_____
(6) توضيح من الموقع: لم يكن مكتوب "أولًا" قبلها في الكتاب، ولكنها إضافة من الموقع.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iskander-hanna/eucharist/preaching-holy-life.html
تقصير الرابط:
tak.la/9h7g9f7