St-Takla.org  >   books  >   iris-habib-elmasry  >   woman-christ
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب المرأة العصرية في مواجهة المسيح - أ. إيريس حبيب المصري

159- الأرامل

 

(ب) الأرامل:

لقد ورد ذكر الأرامل في سفر الأعمال مبينا لنا أنه كانت هناك خدمة خاصة بهن وأنه لما تكاثر عددهن وكان منهن اليونانيات إلى جانب العبرانيات اقام الرسل سبعة شمامسة للاهتمام بهذه الخدمة(88). كذلك نجد بولس الرسول يوصى تلميذه تيموثئوس بالأرامل موضحًا له مَنْ تستحق الخدمة(89). ويتضح من هذين السفرين أن الرسل أدركوا منذ البداية أهمية العناية بهذه الفئة من الناس. كما أدركوا في الوقت عينه أن كلمة الله هي شغلهن الشاغل. وقبل الحديث عن الأرامل وعملهن في الكنيسة الأولى يجدر بنا أن نتوقف قليلًا لنتأمل هذا التعليم الرسولي. لأننا في هذا العصر نجد الكثير من الخدام يزعمون أن الخدمة الاجتماعية هي العمل الرئيسي لهم، وأنهم بهذه الخدمة يثبتون محافظتهم على التعاليم المسيحية. على أننا يجب أن ندرك بأن الخدمة الاجتماعية قد تكون عائقا للحياة الروحية، ذلك لأن هناك نزعة حديثة سرت عدواها بين الناس ضد الحياة الروحية الفردية زعما بأن الدين عاطفة اجتماعية ونشاط اجتماعي وخدمة اجتماعية. وهؤلاء المؤكدون لاجتماعية الدين يزعمون أيضًا بأن كل معرفة حقة بالله هي معرفة اجتماعية. بل ان الصلاة لتكون ذات فاعلية يجب أن تكون جماعية والا كانت تعبيرًا عن حب الذات فقط. بل لقد تمادى المنادون باجتماعية الدين إلى حد أن واحدًا منهم أبدَى أسفه لأن هناك شبابًا ما زالوا مهتمين بمشكلة حياتهم الروحية الشخصية بدلا من أن يوجهوا اهتمامهم إلى بناء الملكوت.

St-Takla.org Image: The widow's mites (Mark 7:42) - Bible Scroll. صورة في موقع الأنبا تكلا: الأرملة ذات الفلسين (مرقس 7: 42) - بايبل سكرول.

St-Takla.org Image: The widow's mites (Mark 7:42) - Bible Scroll.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الأرملة ذات الفلسين (مرقس 7: 42) - بايبل سكرول.

وليس من شك في أننا مطالبون بالسعي إلى تحقيق ملكوت الله أفلا نصلي باستمرار قائلين "ليأت ملكوتك؟" ولكن ليس من شك أيضًا في أن الذي يسعى لكي يحقق ملكوت الله يجب أن يعرف قيمة هذا الملكوت في حياته شخصيًّا، بل يجب أن يعيشها ويختبرها ويتذوقها. ولن يستطيع إنسان أن يختبر ملكوت الله ويتذوق حلاوته ما لم يكن قد أتاح لنفسه فرصة الخلوة مع الله والجلوس عند قدميه في صت وهدوء. ومن غير الحياة الداخلية الخاصة المنصرفة إلى الصلاة والتأمل لغير هدف سوى الاقتراب من الله والإصغاء إلى صوته - من غير هذا لمن يستطيع إنسان أن يؤدي أية خدمة اجتماعية ذات فعالية... لأن الخادم الاجتماعي الحق يجب أن يكون قبل كل شيء المجرى الذي تنساب فيه النعمة الإلهية أي أنه يجب أن يكون أداة التعبير عن الروح القدس وسط العالم الحاضر - أو بمعنى آخر يجب أن يمتلئ ليفيض. وهكذا نجد أن أعمق استجابة نفسية دفينة من إنسان لنداء الله هي عمل اجتماعي في الوقت عينه. لأن المستجيب للصوت الإلهي لا يمكنه إلا أن يوصل هذا الصوت العذب إلى الآخرين حتى وان كان راهبا أو متوحدا - لأن الراهب الحق يرفع أكف الضراعة بلا فتور إلى الخالق طالبا الرحمة والمعرفة للناس أجميعن. والصلاة قوة فعالة أكيدة.

← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.

ولو أمعنا النظر في كتابات بولس الرسول لاقتنعنا بأنه وسط جهاده الجهاد الحسن وأسفاره ومشقاته يبدى اهتماما بالغا بحياته الروحية الداخلية. فاللمحات الخاطفة التي تبدو خلال رسائله توضح لنا أن نموّه اتخذ طريقًا تصاعديًّا، كما تَبَيَّن لنا مَدَى حيويته الداخلية. ولقد عبر عنها هو بنفسه أنه كالمخاض في حدتها. وبولس هو صورة صادقة للرسول الحق. وهناك أمثلة مشابهة لجهاد بولس الداخلي والخارجي معًا - وجميعها توضح ضرورة الامتلاء ثم العطاء. ويعبر رويز بروك المتصوف الهولندى عن هذه الحقيقة بقوله "يجب على الإنسان أن يصعد وأن ينزل بالمحبة ومن غير الاتجاهين لن يستطيع أبدا أن يحصل على غنى الشخصية المتكاملة العائشة مع اللامرئي والمرئي في آن واحد" لأن الاثر الذي ينتج في النظام الاجتماعي يرتكز كلية على ما يصدر من أعماق اللاشعور كما علمنا سيدنا له المجد حين قال انه من فضلة القلب يتكلم الفم، لذلك يجب ايجاد التوازن الدقيق بين الحياة الداخلية الدفينة وبين الحياة الخارجية الاجتماعية. ويجب البدء بالأولى باقامة صلة شخصية مع الله - صلة مودة ومحبة تزداد عمقا ونورا وتضفى هذا هذا العمق وهذا النور على كل الاختبارًات اليومية العادية فتوسعها وتملأها معنى. وهذه الصلة متى توثقت وأصبحت ذات فعالية في حياة الإنسان تحركه نحو العمل من أجل الآخرين في بذل وتضحية وبسالة من غير حساب، ولن تتحقق الخدمة ما لم تسبقها الصلة بالله.

والآن لنعد إلى الحديث عن الأرامل وعما كان يجب نحوهن ثم ما كان يجب عليهن أداؤه للكنيسة. والواضح أنهن كن ينلن معونة مادية، وبولس يحدد بالضبط من هي الأرملة التي هي بالحقيقة أرملة وبالتالي تستحق أن تعيش على ما تقدمه لها الكنيسة. إلا أن الأرمل كفئة معينة لها دور خاص في الكنيسة ظهرن منذ العصر الأول. لأنه مقابل المعونة التي كن يتلقينها كان عليهن أن يصلين ويتضرعن من أجل المؤمنين. فلقد وكلت الكنيسة إليهن واجبا أصيلا من واجبات المحبة هو الشفاعة. ولقد شبههن القديس بوليكاربوس بالمذبح لكي يذكرهن بأنه كما أن المذبح مكرس للصلاة وبأن كل ما عليه يفحص بالتدقيق هكذا يجب أن يكن مكرسات للرب العارف بأعماق القلوب وخفاياها. ولهذا يقول إكليمنضس الإسكندري بأن الأرملة القانعة بترملها المنصرفة إلى الصلاة قد أصبحت عذراء إذ قد جعلت من نفسها خادمة للرب. كذلك نجد في التوصيات القديمة تلك الكلمة: "هذا هو ما وضع عليكن أيتها النسوة وبخاصة أيتها الأرامل أن ترفعن أكف الضراعة مبتهلات إلى الله من أجل الآخرين. وكما أنكن شبيهات بالمذبح، وبما أن المذبح ثابت لا يتزحزح من مكانه كذلك وجب عليكن أيتها الأرامل أن تلزمن بيوتكن. فلا تبرح الأرملة بيتها للسؤال عن أي شخص إلا إذا كان مريضا فتذهب إلى المريض لكي تصلي من أجله وتشفع فيه. وعليها أن تنفذ أوامر الأسقف بالتدقيق. أما ان سألها أحد الوثنيين عن تجسد الكلمة وآلامه وملكوته فيجب عليها أن تحيله على المسئولين الذين أخذوا السلطان للتعليم".

وثمة توضيح آخر لتشبيههن بالمذبح وهو أن المذبح يحمل الخبز والخمر المتحولين إلى جسد الرب ودمه الأقدسين: أي أنه حامل للرب. فكما أن الكهنوت هو امتداد لعمل السيد المسيح هكذا تكون خدمة المرأة امتدادا لعمل السيدة العذراء حاملة الكلمة المتجسد.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(88) (أعمال 6: 1-3).

(89) (1 تيموثيئوس 5: 3-10).


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/widows.html

تقصير الرابط:
tak.la/w97yamy