(د) دقة الصنع والجمال:
ولو عدنا إلى الكلمة الأصلية "بنى" التي استعملها موسى النبي في وصفه لخلق حواء لوجدنا أن معناها يتضمن دقة الصنع. لأن المرأة وان شابهت الرجل في التركيب الخارجي إلا أنها تختلف عنه في التركيب الداخلي. لأنه تعالى قد أبدعها ليعدها لأن تكون الاداة التي يخلق بها فيما بعد (10).
والتعبيرات العامة تدل على تقدير الإنسان لهذا الإبداع إذ تقول "سبحان الذي يخرج روحا من روح".
وليس من شك أيضًا في أن دقة الخلق تضمنت براعة الجمال فحواء كانت صنعة مباشرة من يد الله. وحاشا لله أن يصنع شيئًا غير جميل. والكتاب المقدس ذاته يعلن لنا بأن الله حين تأمل فيما خلق وجد كل شيء حسنا. والحسن في خلقة حواء هو الجمال الذي شاء أن يزينها به لتكون أية من ايات إبداعه. ويمكننا أن نتصور هذا الجمال إلى حد ما ان اتجهنا بأفكارنا صوب السيدة العذراء التي توصف بأنها حواء الجديدة فلقد وصفها بلينى الأصغر(11) والي بنطس في عهد المسيح له المجد - وصفها في خطاب أرسله إلى قيصر عن المسيحيين فقال ان جمالها يفوق التعبير وأنه لم ير أية امرأة أخرى في جمال يقرب من جمالها. ولقد جاء علماء النفس في هذا القرن بالدليل العلمي على صِدق ما قاله "بليني" Pliny إذ أوضحوا لنا أن ما في الداخل ينعكس على الوجه. فمن كان على صلة وثيقة بالله كست هذه الصلة وجهه جمالًا واضحًا. وهذا ما تعبر عنه الألحان الكنسية بكلمة "جميلًا بالنعمة" فحواء بعدما سقطت ظلت محتفظة بنزعتها الروحية فكم بالحري كانت هذه النزعة قبل السقوط..! وحينما كانت في حالة البراءة والطهارة ضاعفت هذه الصفات من جمالها. وكنيستنا القبطية تؤيد هذه الحقيقة فتخاطب حواء في ميمر الساعة الثانية عشرة من جمعة الصلبوت الكريم بقولها: "وأنت يا حواء هلمي استعيدي مجدك الدابِر فقد سحق نسلك رأس الحية". إذن نستطيع القول بأن حواء رغم سقوطها قد امتازت بالجمال الجسمي والتفتح الذهني والعاطفة الروحية. ونستند في قولنا هذا على الوحي الإلهي ذاته. فقد أعلمنا بأن الله خلقها على صورته ومثاله كآدم تمامًا إذ يعلن هذه الحقيقة قبل ظهور حواء في عالم الوجود. وقد تأيدت هذه الحقيقة في كلمات بولس الرسول وهي: "ان الرجل صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل" (12) فهو لم يقل ان المرأة صورة الرجل بل اكتفى بوصفها بأنها مجده إثباتًا على أنها شاركت الرجل الرجل الكرامة الممنوحة له من الله في خلقه على صورته.
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وهنا أول إعلان صريح على تساوي المرأة مع الرجل في حضرة الله.
_____
(10) تدل الإحصائيات في مختلف أنحاء العالم أن عدد اللواتي يبلغن الشيخوخة يفوق عدد الرجال، وأنه في حالة الولادة العسرة يموت الطفل ان كان ولدا ويعيش ان كان بنتًا.
ثم أن المرأة أقدر على تَحَمُّل المرض والألم الجسمي من الرجل ويرجع ذلك إلى ان الله أودع في طبيعتها هذه المقدرة ليمكنها من ان تجوز الأم الحيض والمخاض ومن هنا التعبير الذي استعمله موسى بكلمة "بنى" للدلالة على هذه المقدرة الممنوحة من الله.
(11) Pliny the younger.
(12) (1كورنثوس 11: 7).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/precision-beauty-of-eve.html
تقصير الرابط:
tak.la/cthn55p