وهذا الذي حدث لمريم السائحة منذ ستة عشر قرنًا ما زال يحدث الآن. ومن وقائع الحياة في عصرنا الحاضر أن امرأة امريكية ذهب زوجها إلى الحرب. ومرت ثلاث سنوات لم تسمع خلالها كلمة منه ولا كلمة عنه. فزعمت انه قتل وزين لها الشيطان أنها أصبحت سيدة نفسها وبالتالي لها الحق في أن تفعل ما تشاء. وبهذا العم وبخديعة الحية انغمست في الرذائل. فإذا ما أرادت أن تسكت صوت ضميرها وأن تصم أذنيها عن تقريع أهلها أندفعت إلى الخمر. وظلت على هذه الخطايا فترة ظن معها الجميع أنها ضاعت نهائيًا ولم يعد لها رجاء. ولكن الآب الرحيم هيأ لها السبيل في شخص أخت حبيبة إلى نفسها. وظلت أختها إلى جانبها شهورًا عديدة واظبت خلالها على أن تصطحبها باستمرار إلى ذلك الاجتماع. وبالطبع كانت نفس الخاطئة ميدانًا لصراع عنيف: فهي قد بدأت تحس بالطمأنينة ويصور لها ماضيها بشتى الأشكال لعله يملأها يأسًا من التوبة. إلا أن كلمات العزاء والتقوية أولًا من أختها ثم من الكاهن كانت سلاحًا استعملته في صلواتها. وأنتهت المعارك الروحية بانتصارها إذ أدركت حقيقة ما أدركته مريم السائحة وهي أن النعمة الإلهية غمرتها فمسحت أدناسها.
إلا أن هذه الخاطئة التي ما زالت عائشة للآن أحست بأن شكرها للفادي الذي رضي أن ينزل إلى هوتها السحيقة ليرفعها إلى العلو لا يكفي لأن تعيش في فضيلة ونقاء بل عليها أن تجاهد لتكتسب كل من تسببت في سقوطهم. وتقول هي بنفسها: "لقد اقتنعت في أعماقي بهذا الواجب ولكني تراجعت في بادئ الأمر إذ طغي على إحساس بعجزي مضافًا إليه خجلي المتناهي مما أقترفته والسخرية التي قد ألاقيها من أخوان السوء الذين عرفوني في اشنع صوري. ولكني بعد صلوات طويلة أقتنعت بأن الروح القدس الذي عاونني على أن أصبح شخصًا جديدًا هو الذي سيعمل في قلوبهم. وأنني على الأقل يجب أن أتحمل كل سخرية في سبيل من افتداني". وبهذا العزم ذهبت تبحث وراء الضالين وعلى لسانها صلاة وفي قلبها إيمان ملتهب. وكانت الزيارة الأولى شاقة مضنية ولكنها نجحت بقوة الإيمان وبقوة الصلاة في أن تثابر. ولأن الآب الذي لا ينسي تعب المحبة وجدها على هذه المثابرة أعطاها فرح النجاح في أن تكسب عددًا غير قليل من الخطاة الذين هم أيضًا كانوا قد وصلوا إلى هوة سحيقة من الخطية.
والعجب العجاب الذي يجب أن يتيقنه أحباء الله هو أنه يصبر ويمتحن ثم يرسل نجدته في الهزيع الرابع من الليل - تمامًا كما فعل مع إبراهيم حين رفع يده ليذبح ابنه. فقد تركه إلى هذه اللحظة العصيبة عندها فأجأه الملاك بقوله: لا تلمس فتاك..." -فهذه المرأة التي انزلقت حتى لم تعد تحتها غير هوات الجحيم، ثم أرتفعت وأرتفعت حتى أستطاعت أن تكسب الآخرين لربها- هذه المرأة بعد أن مرت في كل هذه الدرجات هبوطًا وعلوًا فوجئت ذات يوم بعودة زوجها سالمًا.
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
وإتمامًا لدافع الآمر لا بُد من القول بأنها واجهت ساعتئذ معركة جديد: هل تبوح لزوجها بكل ما حدث أم تطويه طي النسيان؟ ومرة أخرى واجهت حقيقة نفسها فقالت: "ما دمت الآن أعيش في حياة النعمة فيجب على أن أكون صادقة صريحة في كل صغيرة وكبيرة، والروح القدس الذي عاونني على أكتساب الخطاة هو بنفسه سيعاونني على أن أعترف لزوجي على كل شيء وهو أيضًا سيلين قلبه ويعله يصفح عني"..... وهكذا نفذت عزيمتها رغم اضطرابها الداخلي. وللمرة الثالثة عرفت معني المحبة الإلهية وعرفت أن الآب السماوي لا يمكنه إلا أن يؤازر كل من يتطلع نحوه.
هذه الوقائع ليست من نسج الخيال ولكنها حقيقة قاطعة. والمرأة التي عاشها ما زالت على هذه الأرض بمجد الله وبعظائمه، وتعلن بالعمل والقول أن محبة الله لا نهائية "وأنه ليست هناك خطية لا تمحوها محبته".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/penitent-from-america.html
تقصير الرابط:
tak.la/472ss6z