مارية التائبة:
وأول مثل نتأمله هو مارية السائحة التي شابهت المجدلية في أنها كانت بارعة الجمال فاستخدمت جمالها للايقاع بالرجال. ولما بلغت التاسعة والعشرين من عمرها ذهبت إلى القدس لا لكي تتوب وتتنقي ولكن لكي تستدرج المؤمنين بعيدًا عن الاستقامة.. ولكنها حين حاولت أن تدخل كنيسة القيامة أحست بانها تجمدت في مكانها أمام الباب كأنها تمثال أصم. وفي تلك اللحظة غمرها الندم وأحست بأن هذا الذي اصابها فمنعها من الدخول يرجع إلى أنها لا تستحق التبرك بالقبر المقدس. فرفعت قلبها نحو السيدة العذراء مستشفعة بها قائلة: "ايتها السيدة العذراء، يا من ولدت الله الكلمة، أنني أعرف تمام المعرفة أن امرأة مثلي ملوثة بالخطية لا يحق لها أن ترفع عينها إلى صورتك، أنت الطاهرة المقدسة. ولكنني أعلم من كل ما قرأته عن الإله المولود منك أنه إنما تجسد لانقاذ الخطاة أمثالي. أن تنفتح الأبواب الموصدة أمامي لأستطيع أن أسجد لصليب أبنك الوحيد الجنس. وأنا أتخذك كفيلة لي عند الإله الذي ولدته. ولن أدنس جسدي بعد الآن إذ قد عولت على أن أهجر العالم بمجرد وقوع نرى على خشبة الصليب المقدسة وسأذهب حيث تقوديني أنت الكفيلة بخلاصي.
ولم تكد تنتهي من هذه الصلاة حتى أحست بأنها قد تحررت مما هي فيه من جمود وألم، فدخلت الكنيسة وواظبت على حضور الصلوات خلال الأسبوع المقدس أسبوع آلام الفادي الرحيم. وبعد أن تهللت ببهجة عيد القيامة المجيد ذهبت إلى الصحراء الواقعة عند نهر الأردن حيث عاشت سبعا وأربعين سنة سائحة متنقلة في فيافي هذه البرية التي قضي فيها رب المجد أربعين يومًا صائمًا بسر لا ينطق به. وبعد هذه السنوات الطويلة التقي بها القس زوسيما أحد آباء الصحراء الشرقية وبعد أن اعترفت له بكل سيرتها من غير أن تخفف من وزرها قالت: "لقد قضيت السنوات الأولى هنا في بكاء ونحيب متواصل سطع بعدها نور خاطف حولي اكتنفني وملأ قلبي سكينة وسلامًا. فأدركت أن النعمة الإلهية قد غمرتني". وهذه الكلمات الصادرة من قلب امرأة نزلت إلى أسافل الهاوية صورة ساطعة لفعالية الروح القدس داخل النفس التائبة التي امتلأت اشمئزازًا مما اقترفت فأتجهت في أنكسار وأتضاع نحو مصدر الرحمة والمحبة.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/mary-of-egypt.html
تقصير الرابط:
tak.la/hb3a332