 |
وحينما وَزَّع الله المواهب لم يقصرها على الرجال بل قد أسبغها على النساء أيضًا إذ أنه حين "خلق الإنسان على صورته ذكرًا وأنثى خلقهما" ولنصغ هنا إلى كلمات ذهبي الفم تعليقًا على ما جاء في رسالة بولس إلى أهل أفسس (4: 23-24) - يقول الأسقف القسطنطيني: "ألا ترون الذين سكنوا الجبال والبراري؟ انهم تركوا كل شيء ليلبسوا هذا الإنسان الجديد. ولكنني لا أعني أن تعملوا جميعًا مثلهم. لكني أشير عليكم بأن تكونوا متزنين في المأكل والمشرب والاستمتاع بما لديكم من إمكانيات... ولا تعتذروا بقولكم ان الذين فعلوا هذا كانوا أقوياء لأن الكثيرين منهم كانوا أكثر ضعفا وأبعد غنى وترفا منكم. ولماذا أتكلم عن الرجال. تعالوا نتأمل حياة النسوة المجاهدات.
هناك شابات لم يتجاوزن العشرين اعتدن الترف والحياة الناعمة المترفهة والطيوب ولبس الحرير، وكن رقيقات الأجسام والمشاعر، ولم يكن لديهن أي عمل سوى التزين والاستمتاع بما لديهن من مجوهرات وعطور وثياب، وكانت تخدمهن الجواري العديدات. هؤلاء بأنفسهن حينما ألهبتهن محبة المسيح تركن كل هذا الترف والدلال ونسين رقة طبيعتهن ونشأتهن وأصبحن مصارعات تجردن من الثياب الناعمة وخرجن إلى المعمعة. وهؤلاء الشابات المتنعمات نجحن في تدريب أنفسهن إلى حد أنهن أصبحن يلبسن وبر الخيول على أجسادهن الرقيقة ويمشين حافيات الأقدام وينمن على العشب ويقضين الليالي في السهر والصلاة ويصمن طيا طول النهار فلا يأكلن إلا عند المساء أكلا بسيطا قليلًا والى جانب هذا كله يعزلن ويشتغلن بأيديهن. وماذا أقول؟ انهن يخدمن المريضات والعجائز فيحملن أسرتهن من مكان إلى آخر، ويغلسن لهن أجسادهن وملابسهن ويطهين لهن الطعام. هكذا -إلى هذا الحد- اشتعلت قلوبهن بلهيب المسيح.. هكذا -إلى هذا الحد- طغت غيرتهن على طبيعتهن.
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
"ومع ذلك فانا لا أطالبكم بأن تعملوا مثلهن، فلا أقل من أن تعملوا هذا. خففوا من اليد القاسية والعين المشتهية، اتبعوا العدل والصدق، لا تؤذوا أحدًا سواء أكنتم أغنياء أم فقراء لأن الشر يصيب الجميع لا فرق عنده بين الغني والفقير.
"هل القمة التي وصفتها لكم شاهقة قريبة إلى السماء إلى حد أنكم لا تستطيعون الوصول إليها؟ إذن فاسعوا وراء المرتفعات الأقل انشهاقًا. أنتم لا تستطيعون أن تتجروا من غناكم؟ إذن فاستعملوه بحكمة ولا تعتدوا على مال غيركم. ألا تستطيعون الصوم؟ فلا تكونوا شرهين. ألا يمكنكم النوم على العشب؟ إذن فلا داعي للسرير الناعم المصنوع من الفضة أو من العاج. ولا أطالبكم بأن تخدموا المرضى بأنفسكم بل أطالبكم بخدمتهم فقط. وهذا الجهاد الذي أطالبكم به سهل المنال وفي مقدوركم تأديته. ألا تخجلون من انتصارات الشابات المدللات اللواتي بلغن تلك القمم المنيفة التي ذكرتها لكم؟ إننا نغلبهن في الصراع العالمي، أما في الصراع الروحي فقد تفوقن علينا وسبقننا في الحصول على الأكاليل وحلقن فوق تحليق النسور. في حين أننا كالغربان نرضى بالقفز بين الدخان والأوحال تأملوا أيضًا نساء العهد القديم: كانت هناك نسوة جديرات بكل اعجاب لشخصيًّاتهن وعظمتهن كحنة ودبورة وغيرهن. كذلك كانت هناك نسوة عظيمات قويات يلازمن المسيح. ولكننا نستطيع أن نقول عن هؤلاء جميعًا أنهن لم يتفوقن على الرجال. أما الآن فالنسوة يخسفننا ويضعننا في الظل. يا للعجب... اننا نفتخر بأننا الأول وبأن لنا سلطانا عليهن.. ولكن ان كن يتفوقن علينا فأين سلطاننا؟ ألا ترون إذن قوة المسيح وكيف أنه أذاب اللعنة؟ لأنه في الواقع قد تزايد عدد العذارى وتزايد عدد الأرامل القانعات بترملهن. وليس بينهن من ترضى بأن تتلفظ بكلمة بذيئة فتأملوا هذه الحياة وهذا الجهاد وقولوا لي كيف ترضون بالحياة التي أنتم فيها وأين زعمكم بأنكم الأقوى؟
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/feminist-strife.html
تقصير الرابط:
tak.la/v8csma2
