2. التفرقة في المعاملة:
إن مأساة السقوط لم تكن مأساة الابتعاد عن الله فقط بل كانت أيضًا التباعد بين الرجل والمرأة: هذين المخلوقين اللذين شاء الله أن يجعل منهما شريكين أليفين متحابين يتبادلان العطاء أصبحا عزلتين متقابلتين. ولقد أوضح لنا الكتاب المقدس هذا الانفصام إذ أخبرنا بأن الله حين سأل آدم عما حدث أجابه: "المرأة التي أعطيتني هي التي غرتني" فآدم هنا يشير إليها بضمير الغائب كأنها شيء غريب عنه بعد أن كان قد قال عنها بأنها "لحم من لحمي وعظم من عظامي". وبهذه الصيغة في الكلام أوضح تغير نظرته إلى تلك التي كانت قبلًا معينًا نظيره(16).
ولكن لنبدأ من البداية. فالوالدان أثناء أشهر الحمل يتحدثان عن الطفل الذي ما زال في عالم الغيب بصيغة المذكر ويدعو أن الله أن يكون ولدًا. ولقد شاء الله في حكمته السرمدية أن يجعل الإنسان عاجزًا عن تحديد جنس الجنين المرتقب فيملأه تطلعًا وشوقًا نحو مقدمه. على أن هذا التطلع الذي كان يجب أن يكون خالصًا يكون في أغلب الأحيان مشوبًا بالتخوف - التخوف من أن هذا الطفل المرتقب يكون بنتًا! ولئن كان الشعور بالخيبة لا يبدو عند ولادة البنت الأولى إلا أنه يتضح تمامًا أن جاءت الثانية ويتضاعف عند مجيء الثالثة! فمن اللحظة الأولى تواجه عدم الترحيب ولو أن الوجوم الذي أصاب ذويها انتهى عند هذا الحد لهان الأمر. ولكنها متى نمت مع أخ عوملت معاملة مختلفة. فالولد لا يجد الترحيب الحار ساعة ولادته فقط بل أنه خلال طفولته وصباه وشبابه يجد التشجيع والاعزاز ويجد أسباب القوة. فهو أن بكى وهو طفل قيل له: "خليك راجل"، "أجمد"، "أنت بنت تعيط"؟! وما إلى ذلك من كلمات التقوية. ومتى تقدم إلى الصبا سمع كلمات الإطراء على عضلاته وفتوته. ويزداد هذا الإطراء عندما يصل إلى الشباب. وليس ذلك فقط بل أن البنت عليها أن تتصرف حتى في طفولتها كما لو كانت قد نضجت فتطالب بأن تعاون امها وأن تخدم أخوتها. والأخ متى سيطر على أخته أو طلب منها شتى الخدمات لا يجد من يوبخه بل بالحري تلام هي أن أبطأت أو أبدت أي امتعاض نحو اوامره.
← انظر كتب أخرى للمؤلفة هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
والأدلة على التفرقة كثيرة واضحة لا داعي للأسترسال فيها. فأبسط مثل لذلك أنواع اللعب التي تعطي لكل من البنت والولد فهي تعطي دمية بينما هو يعطي بندقية. وقد يبتسم البعض لهذا المثل إذ يعدون اللعب أمرًا تافهًا ولكنها مع ذلك من الأسباب السيكولوجية التي توسع الهوة بين الجنسين. بل أن بعض علماء النفس يذهب إلى أن شن الحروب يبدأ بهذه اللعبة "التافهة".
وتستمر التفرقة في المعاملة لأنه متى بلغ الولد سن الشباب تركه المجتمع يتصرف كيف يشاء يصادق تبعًا لأغراضه ويسهر حيثما يشاء وبالمدى الذي يشاءه. وليس ذلك فحسب، بل أن مجتمعنا يغض الطرف أيضًا حتى عن اقترافه الخطيئة وهذا كله لأنه "رجل"، ولسنا هنا نريد أن يترك المجتمع الحبل على الغارب للبنت كما هو تاركه للولد بل بالعكس نريده أن يطالب الشاب بالتحكم المفروض على الشابة فالصداقات الخاطئة مؤذية لكل منهما، السهر غير البناء يستنفذ الطاقات الروحية والعقلية والجسمية التي للولد وللبنت سواء بسواء والمجتمع الواعي في حاجة إلى استخدام هذه الطاقات للبناء لذلك وجب صيانتها قدر المستطاع. أما التردي في الخطية فقد دانه رب المجد في الرجل كما دانه في المرأة بحكم إيجابي مذهل بقوله: "كونوا كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" ولن يستطيع إنسان مهما بلغ من الشطط أن يزعم بأن الأمر بالكمال صادر منه إلى المرأة دون الرجل. فالتغاضي عن زلل الشباب معناه التغاضي عن أمر الرب.
_____
(16) "الجنس" لكوستي بندلي، ص. 209.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/iris-habib-elmasry/woman-christ/differential-treatment.html
تقصير الرابط:
tak.la/vcs39yr