St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   with-him
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   with-him

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب هناك كنت معه - أ. حلمي القمص يعقوب

6- الفصل الرابع: سر التقوى

 

عودة إلى العلية... فبعد أن فارق يهوذا الخائن جماعة القديسين واختفت رائحة الخيانة تألق وجه يسوع بنور سمائي وقال: الآن تمجَّد ابن الإنسان وتمجَّد الله فيه... إن كان الله قد تمجَّد فيه فإن الله سيمجده في ذاته ويمجده سريعًا. يا ولادي أنا معكم زمانًا يسيرًا بعد...

وأمسك المعلم برغيف من الخبز، ووضعه على راحة يده، ورفع عيناه نحو السماء، وبارك وشكر وقسم وأعطى التلاميذ الأطهار سر التقوى قائلًا: خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور عنكم يعطى لمغفرة الخطايا.

فأخذ التلاميذ وأكلوا وهم في حالة تأمل وانسكاب، وهمس متَّى في أذن فيلبس: لنحذر يا أخي لئلا يُجرّبنا الشيطان قائلًا أن هذا ليس بجسده، فمادام يسوع قال هذا فهو هكذا...

ثم أخذ المعلم كأس عصير الكرمة ورفع عينيه نحو السماء وشكر وبارك وأعطى تلاميذه الأطهار قائلًا: خذوا اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي للعهد الجديد الذي يسفك عنكم وعن كثيرين لمغفرة الخطايا...

فتناول التلاميذ الكأس وأخذوا يرتشفون منها واحدًا تلو الآخر، وهمس فيلبس في إذن متى قائلًا: لنحذر يا أخي لئلا يُجرّبنا الشيطان قائلًا هذا ليس بدمه، فما دام يسوع قال هذا فهو هكذا.

وتساءل متى في نفسه: ما علاقة ما يحدث الآن بقول أشعياء النبي " من أجل أنه سكب للموت نفسه" (أش 53: 12)؟! ثم إن النفس في الدم هكذا قال الناموس " نفس الجسد في الدم" (لا 17: 11)، فكيف نشرب الدم؟!

ثم التفت يسوع إلى تلاميذه وأمرهم قائلًا: اصنعوا هذا لذكري {وفي الأصل اليوناني للذكرى " أنا منسيس " ليس كذكرى لأمر غائب بل كذكرى حاضرة وفعالة، فلا يتذكر التلاميذ أو خلفاؤهم ما فعله يسوع كأمر مضى وانتهى، بل كحقيقة حاضرة وفعالة}.

وتذكَّر متى العهد الجديد الذي تحدث عنه أرميا النبي " ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب" (أر 3: 31، 32).

St-Takla.org Image: Jesus Christ with the eleven disciples at the Last Supper - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع المسيح مع التلاميذ الإحدى عشر في العشاء الأخير - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

St-Takla.org Image: Jesus Christ with the eleven disciples at the Last Supper - Modern Coptic icon, painted by the nuns of Saint Demiana Monastery, Egypt

صورة في موقع الأنبا تكلا: يسوع المسيح مع التلاميذ الإحدى عشر في العشاء الأخير - أيقونة قبطية حديثة من رسم راهبات دير الشهيدة دميانة بالبراري، مصر

وهمس يوحنا لبرثلماوس: أتذكر يا أخي قول يسوع للجموع في كفر ناحوم " أنا هو خبز الحياة... من يقبل إليَّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا... هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم... إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم... من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه ".

قال برثلماوس: نعم يا يوحنا أذكر ذلك اليوم، ويومئذ ارتد كثير من التلاميذ، فقال لنا المعلم: ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا، فقال بطرس: إلى أين نمضي يا رب وكلام الحياة الأبدية عندك.

وسأل توما يعقوب: قل لي يا يعقوب. إن كان الذي أكلناه جسد يسوع والذي شربناه دمه، فكيف يأكل هو جسده ويشرب دمه؟

يعقوب: لقد أكل المعلم خبزًا عاديًا، ثم قال لنا بعد هذا " خذوا كلوا هذا هو جسدي "، ففي هذه اللحظة صار الخبز جسدًا له، وهكذا مع عصير الكرمة يا توما، ولا تنسى يا توما أنه مادام يسوع قال هذا فلابد أن يكون هكذا.

ولم يدرك أحد من التلاميذ أن يسوع يكسر جسده بيده الآن قبل أن يكسره الرومان بالصليب غدًا، ولم يدرك التلاميذ أنهم بهذا الطقس قد أقاموا أول قداس في العالم كله في أول كنيسة في العالم أجمع، ولم يدرك أحد منهم أيضًا أنهم في هذه اللحظات يختمون العهد القديم بعصر الآباء وعصر الناموس، وأنهم يقفون على أعتاب العهد الجديد عهد النعمة والحرية ومجد أولاد الله... " كان يسوع، في حب سماوي عجيب، يقدم جسده المكسور ودمه المسفوك لأحبائه. إنها ساعات قليلة، ويكسر جسده... دقائق ويُسفك دمه... لكنه "مقدمًا" وهب ذاته مؤكدًا أنها ذبيحة حب لا نهائي... ما أروع يسوع وهو ممسك بالكأس يقدمها بكل حب وسرور لأحبائه... كانت الشموع تضئ العلية وإذا بوجه يسوع ينعكس على وجوه التلاميذ، وإذا بالكأس ترتسم في كل مكان...

في صمت وخشوع كان التلاميذ يحدقون في سيدهم وقد تسمرت عيونهم عليه، وأخذوا يتناولون الخبز ويشربون من الكأس وهم في مزيج من الرهبة والذهول، كانت هناك تفاعلات خفية تجري في أعماقهم، وتساؤلات كثيرة تخطر على عقولهم، لكنهم فوق كل شيء، كانوا يشعرون وكأنهم يُحلّقون في أجواء سماوية عليا، فهاهم يشاهدون أشياء لم ترها عين ويسمعون كلمات لا يمكن أن تخطر على قلب بشر" (3)

 وفي نهاية التناول سبَّحت الجماعة بالمزامير... كل هذه الآلام لم تمنعهم من التسبيح..!! سبحوا في خشوع وتأثر بالغ، وهكذا ستفعل جماعة يسوع من جيل إلى جيل إذ تُحوّل العذابات والآلامات إلى تسابيح وألحان تشفي النفس العليلة.

وبعد أن قدم يسوع جسده ودمه لتلاميذه الأطهار أتجه إليهم بالحديث الوداعي -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى- يطمئنهم ويشجعهم قبيل هبوب العاصفة العاتية: لا أترككم يتامى... إني آتي إليكم... سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب أنتم تؤمنون بالله فآمنوا به... أنا أمضي لأعدَّ لكم مكانًا. وإن مضيتُ وأعدَّدتُ لكم مكانًا آتي وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون تكونون أنتم أيضًا وتعلمون حيث أن أذهب وتعلمون الطريق.

توما: يا سيد لسنا نعلم أين تذهب؟ فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟

يسوع: أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلاَّ بي. لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا. ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه.

فيلبس: يا سيد أرنا الآب وكفانا.

يسوع: أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس. الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت أرنا الآب. ألست تؤمن إني أنا في الآب والآب فيَّ...

وأصغى سطانئيل لهذا الحديث فأرتعب هو وشياطينه: تُرى من يكون هذا..؟! هل يمكن أن يكون هو كلمة الله..؟! من هو هذا الذي في الآب والآب فيه إلاَّ الابن الأزلي بأزلية الآب..؟! ومن هو صورة الآب والذي يراه يرى الآب سوى الأمونوجينيس..؟! ولو هو كلمة الله هل يمكن أن ينحني ويغسل الأقدام؟..!! هذا مستحيل... إني لا أفهم، بل أكاد أن أجن... وصرخ سطانئيل صرخة مدوية: أكاد أن أجن يا يسوع...

بينما يسوع يُكمل حديثه: بعد قليل لا يراني العالم أيضًا وأما أنتم فترونني. إني أنا حي فأنتم ستحيون.

يهوذا (ليس الإسخريوطي): يا سيد ماذا حدث حتى أنك مزمع أن تظهر لنا ذاتك وليس للعالم؟

يسوع: بعد قليل لا تبصرونني. ثم بعد قليل أيضًا ترونني لأني ذاهب إلى الآب.

فقال التلاميذ بعضهم لبعض: ما هو هذا الذي يقوله لنا؟ بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضًا ترونني، ولأني ذاهب إلى الآب... ما هو هذا القليل الذي يقول عنه؟.. لسنا نعلم بماذا يتكلم.

يسوع: أعن هذا تتساءلون فيما بينكم، لأني قلت بعد قليل لا تبصروني ثم بعد قليل أيضًا ترونني. الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحوَّل إلى فرح. المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت. ولكن متى ولدت الطفل فلا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد وُلِد إنسان في العالم. فأنتم كذلك عندكم الآن حزن، ولكني سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينتزع أحد فرحكم منكم... قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن يأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضًا بأمثال.

فيلبس: هوذا الآن تتكلم علانية.

نثنائيل: لستَ تقول مثلًا واحدًا.

يعقوب: الآن نعلم أنك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد.

توما: لهذا نؤمن أنك من عند الآب خرجت.

يسوع: الآن تؤمنون؟ هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي... وأنا لست وحدي لأن الآب معي. كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم...

ثم أخذ يسوع يجذب الأنظار نحو المحبة: وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضًا. كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضًا بعضكم بعضًا... بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضكم لبعض... هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضًا كما أحببتكم. ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه. أنتم أحبائي إن فعلتم ما أُوصيكم به... بهذا أوصيكم أن تحبُّوا بعضكم بعضًا.

ثم أخذ يكشف لهم عن الاضطهادات التي ستلاقيهم قائلًا: إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم... سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن أن كل من يقتلكم أنه يُقدِم خدمة لله... الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح. أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح... هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرَّقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركوني وحدي. وأنا لست وحدي لأن الآب معي.

تكلم يسوع بهذا ورفع عينيه نحو السماء مخاطبًا الآب السماوي: أيها الآب قد أتت الساعة. مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا... أنا مجَّدتك على الأرض العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته...

ثم أخذ يطلب من أجل خواصه الأطهار: من أجلهم أنا أسأل. لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لكَ... وكل ما هو لي فهو لكَ، وما هو لك فهو لي... أيها الآب القدوس أحفظهم في اسمك... حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم في اسمك. الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلاَّ ابن الهلاك... لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير... قدّسهم في حقك. كلامك هو حق، ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم... أيها الآب البار العالم لم يعرفك أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أرسلتني وعرَّفتهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(3) دكتور فؤاد بولس - تحت أقدام الصليب ص 58


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/with-him/religiousness.html

تقصير الرابط:
tak.la/7239n5v