الحيرة
البلبلة
التيهان
المحاولات الضارية
برودة الموت
الخراب
جنون الانقسام
الإدانة
نداء المشاعر
الحواشي والمراجع
الطوائف الإنجيلية. كم عددها؟ كيف نشأت كل منها؟ ما هي معتقدات كل طائفة؟ فيما تختلف عن مثيلاتها؟.. إلخ. إنه موضوع طويلٌ طويل.
ربما لم يتطرق إليه أحد، ولن تجد يا صديقي إلا شذرات متفرقة هنا وهناك، وهذا ما اضطرني إلى الدراسة الميدانية في محاولة متواضعة للوصول للهدف... ورغم أنني عرفت الكثير والكثير مما كنت أجهله وها أنا أنقله لك لكني أقدم اعتذاري مسبقًا لعدم كفاية البحث بسبب صعوبة الوصول إلى المعلومات المطلوبة... واسمح لي يا صديقي أن أنقل لك أحاسيسي قبل كلماتي... فبينما أجول من مكان إلى آخر، وأنتقل من طائفة إلى أخرى كنت أتجرّع مرارة العلقم... فها الحسرة تحسرني، والدوار يلفني والغثيان يأخذ مني مأخذًا... ما هذا..؟!
إنها مذاقة الانقسام... انقسام الجسد... جسد المسيح الواحد... أيها الإنسان المسكين هلا ذهبت تلتمس خلاصًا في بيت الانقسام..؟ وهل تطمع في السلام والهدوء والراحة لروحك المسكينة..؟ لن تجد إلا الحيرة والبلبلة والتيهان والصراعات الضارية وبرودة الموت والخراب... عفوًا يا عزيزي فهذه ليست تعبيراتي ولكنها تعبيرات كبار قادة الكنائس الإنجيلية... أنظر إلى ما يقولون:
يقول ناشد حنا أحد كبار كنيسة الأخوة البلاميث: "كثيرًا ما يحدث أن يتجدد شاب بواسطة سماع الكرازة بالإنجيل ثم يتحير في اختيار المكان الذي يمارس فيه العبادة"(1)
وتحت عنوان "حيرة" كتب القس الإنجيلي لبيب مشرقي يقول: "أما البروتستانت فزادوا وغطوا على الأرثوذكس وعلى الكاثوليك... فهناك المشيخيون والأسقفيون ونهضة القداسة والمثال والإيمان، وهناك المتمسكون والإخوة المتسعون أو المتسامحون، وهناك الخمسينيون والرسوليون والألسن والنعمة وكنيسة الله والنعمة الرسولية، وكنائس المسيح، والمعمدانيون الجنوبيون والشماليون والكتابيون والتلاميذ والطهريون والأصدقاء، ولماذا لا نضم المرمون والسبتيين وعشرات من هذه الكنائس "في مصر بلغ عدد الكنائس الإنجيلية أزيد من عشرين وفي لبنان أزيد من ثلاثين وفي أمريكا أزيد من أربعمائة"(2)
يقول د. جون سميث أحد قادة كنيسة الله: "في وسط هذا القدر الكبير من البلبلة في الآراء يصعب الوصول إلى ما يُعرف بالقاعدة الثابتة"(3)
يقول الدكتور القس الإنجيلي فايز فارس: "إن الإنسان العادي قد يتيه في وسط هذا الزحام من الكنائس الإنجيلية المتنوعة الأسماء والأشكال"(4)
ويقول أيضًا: "إننا اليوم نرى الكنائس الإنجيلية كثيرة الفروع والشيع، يختلف بعضها عن بعض في تفاصيل العقيدة، وتتنوع أساليب عبادتها... فمنها ما هو قريب من أسلوب العبادة التقليدية كالكنائس الأسقفية واللوثرية، ومنها من قد تحرر تمامًا من شكليات العبادة كاجتماعات الأخوة، ومن اتخذ طريقًا وسطًا بين هذه وتلك كالمشيخيين والميثودست والمعمدانيين... كذلك الحال في إدارة الكنائس الإنجيلية هناك كنائس تتخذ في نظامها أساقفة وقسوسًا وشمامسة ترسمهم، وكنائس أخرى ترسم شيوخًا معلمين هم القسوس وشيوخًا مدبرين للإدارة وشمامسة لخدمة الحاجات، واجتماعات أخرى لا تمارس أي نوع من الرسامة لخدامها.
هناك كنائس نظامها نظام استقلالي فردي وكنائس أخرى تربطها بعضها ببعض مجامع أو محافل عامة إقليمية أو دولية"(5)
ويصف د. جون سميث أستاذ تاريخ الكنيسة بجامعة أندرسون بأمريكا كثرة الطوائف والصراع بينها فيقول:
"يعترف مؤرخو الكنيسة أن حالة المسيحية العامة في نهاية القرن التاسع عشر لم تكن مثالية... فالنظام الفئوي الناشئ ولد ما يزيد عن مائتي صنف مختلف في المسيحية... معظم أفرادها كانوا يتنافسون فيما بينهم حتى أنهم اشتبكوا في محاولات ضارية للتغلب على بعضهم البعض"(6)
- ويقول القس لبيب مشرقي: "لقد ابتدأت الكنيسة الإنجيلية في الأصل كنيسة مهاجمة... فهاجمت الطقوس والفرائض والأسرار السبعة وكيفية العبادة وما إلى ذلك... بل أننا قرأنا أن بعض الإنجيليين في أول عهدهم بتأسيس الكنيسة الإنجيلية (في مصر) بلغت بهم الحماسة للعقيدة أنهم تسلقوا جدران كنيسة أرثوذكسية وهبطوا إليها وكسروا الأيقونات ومزقوا الصور واتهموا الأرثوذكس بالوثنية"(7)
ويصف ناشد حنا ما وصلت إليه البروتستانتية فيقول:
"ففي ثياتيرا وساردس نرى نظامين كنسيين ظاهرين وبارزين في العالم... هي البابوية (ثياتيرا) والبروتستانتية (ساردس).. وقد رأينا أنه لم توجد في ساردس ما يمكن للرب امتداحه... في ساردس (البروتستانتية) سرت برودة الموت إلى الحالة الروحية"(8)
ويقول أيضًا: "أولئك الذين في البداءة كانوا مؤيدين بقوة الروح القدس (المصلحون) في شهادتهم لكنهم تحولوا إلى الذراع البشرية بالتجائهم للملوك والأمراء... ودخل الكنيسة أناس ليس لهم روح الله فتحولت الحركة إلى شهادة ميتة لا روح فيها... لقد ابتدأت حركة الإصلاح بالروح ولكنها كمُلَت بالجسد وبقي لها مجرد الاسم فقط"(9)
- ويقول الدكتور ستيف هاربر:
"إن رسالة الخلاص الشخصي لا ينادى به دائمًا في الكنيسة... في مدة الخمسة عشر عامًا الماضية لم أسمع واحدًا من العلمانيين يشهد أنه قد سمع رسالة تدعوه إلى التسليم الشخصي للمسيح، وأني أعتقد أن كثيرون منهم جلسوا يستمعون إلى أمثال هذه المواعظ دون أن يكون لها تأثير فيهم"(10)
أيها الراكضون بعيدًا بحجة البحث عن الاجتماعات الانتعاشية:
في أي درب أنتم تسيرون..؟
وأي طريق تسلكون..؟
ولأي طائفة تنحازون..؟
من أين يأتي الخراب..؟ من الانقسام... يقول ربنا يسوع "كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب... وكل مدينة أو بيت منقسم على ذاته لا يثبت.." (مت25:12)
جاء في نبذة صادرة من كنائس الله:
"نؤمن بأن الانقسام الطائفي خطية لأنه يربط الكنيسة بالعالم ويعطل المؤمنين في خدمة المسيح والكنيسة"(11)
أما د. سميث فيتحدث عن وحدة الكنيسة كوصية إنجيلية فيقول:
"هناك تحذيرات عديدة عن الانقسام والخصام والخلاف... [أنا أطلب إليكم يا أخوتي باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولًا واحدًا ولا يكون بينكم انشقاقات] (1كو10:10)
ثم لاحقًا يستعمل جسد المسيح كرمز للكنيسة ويؤكد حقيقة أن الله وحَّد الأعضاء... [لكي لا يكون انشقاق في الجسد] (1كو24:12-25) ليلاحظوا هؤلاء الذين يسببون انشقاقات [أعرضوا عنهم لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع بل بطونهم] (رو17:16-18)
[أنتم جميعًا واحد في المسيح] (غل26:3-28)
[رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة] (أف4:4-6)
هذه الفكرة هي بحسب الرغبة العميقة التي عبر عنها يسوع قبل صلبه لقليل [ليكون الجميع واحدًا كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني] (يو20:17-21)
[لأن المقدس والمقدسين جميعهم في واحد] (عب11:2)
[والنهاية كونوا جميعًا متحدى الرأي بحس واحد] (1بط8:3)
[ليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دُعيتم في جسد واحد] (كو14:3-15)
إن يسوع ذاته دعا إلى تجاوز هذه الحواجز الاجتماعية للوحدة بين أتباعه باستعماله مثل الراعي الصالح... [فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة لراعٍ واحد] (يو16:10) إنما لا نقصد أن يكون كل الذين استجابوا لكلمته كقطيع واحد"(12)
يقول الشماس الأرثوذكسي أنطون فهمي على صفحات كتابه "الأمانة في التعليم" وهو موجود في الرابط السابق هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت: "جنون الانقسام... هل هناك أحدًا شريرًا جدًا بلا إيمان مثل الذين تجننوا بجنون الانقسام حتى يظن أن وحدة الله يمكن أن تنقسم... وهل يظن ذلك المجنون بجنون الانقسام أن له حياة بعد أن انفصل عن الكنيسة وبنى لنفسه منازل أخرى... وما جنون الانقسام إلا خيانة وجحد الوديعة، تلك التي يصنعها زارعوا الانقسام عوض غرس السلام، الذي يغتصبون نفوس البسطاء ويسلبون الكنيسة أولادها... من يصنع الانقسام في الكنيسة لا يرث ملكوت الله... إن خطأ الانقسام الخطير الذي لا مبرر ولا تفسير له لا يمحى ولا حتى بالدم (بالاستشهاد) ولا حتى بالآلام، ولا يمكن أبدًا لذلك الذي ليس داخل الكنيسة أن يكون شهيدًا أو ابنًا للمسيح، ولا يمكن أن ينال الملكوت من يهجر الكنيسة"(13)
يظن البعض إن كشف الأخطاء الإيمانية والعقيدية ومناقشتها والرد عليها يتعارض مع وصية المحبة للجميع والتستر على المخطئين. كما أن السيد المسيح أوصانا أن لا ندين أحدًا "لا تدينوا لكي لا تدانوا" (مت1:7) وقال الإنجيل "من أنت الذي تدين عبد غيرك، هو لمولاه يثبت أو يسقط ولكنه سيثبت لأن الله قادر أن يثبته" (رو4:14).. والحقيقة أن هذا الرأي الذي ينطلي على البسطاء رأي خاطئ تمامًا لأنه يجب التفرقة بين الأخطاء الشخصية والأخطاء العقيدية... فمن ناحية الأخطاء الشخصية لا يجب إدانة أحد لأننا جميعًا تحت الآلام، وجميعنا نخطئ مادمنا ساكنين في هذا الجسد وإن قلنا أننا بلا خطية نغش أنفسنا والحق ليس فينا... السيد المسيح لم يرضى بإدانة سمعان الفريسي للخاطئة، ولم يوافق الجمع الذي حكم على المرأة التي أمسكت في ذات الفعل، وحذرنا من الدينونة "لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها.." (مت3:7-5)
- أما في الأخطاء العقيدية فإننا ندين التصرف الخاطئ ونناقش الآراء الخاطئة وندينها ولا ندين الأشخاص، لأننا نحب الجميع بما فيهم الهراطقة والمبتدعين والضالين والمضلين... وفي هذا ننفذ وصية الإنجيل "أنذروا الذين بلا ترتيب" (1تس4:5)، "نوصيكم أيها الأخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التعليم الذي أخذه منا" (2تس6:3) وهوذا يوحنا الحبيب الذي لم يتحدث أحد مثله عن المحبة يوصينا قائلًا: "إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة" (2يو10) "السكوت على هذه الأخطاء يؤدي إلى انتشارها وسقوط البسطاء في حبائلها لذلك من الأمانة ومن الحق ومن الواجب كشف هذه الأخطاء، وهل كان أبطال الإيمان مخطئين عندما كشفوا بدع المبتدعين وهرطقة الهراطقة..؟!"
حقًا إن الانقسام جريمة...
جريمة ضد الكنيسة جسد المسيح الواحد... ضد وصية الإنجيل... ضد رغبة ربنا يسوع في الوحدة... ضد الإيمان الواحد... ضد الكرازة بالمسيح الواحد... ضد المحبة الحقيقية... ضد السلام المسيحي...
يا صديقي يجب أن تعلم بأي مشاعر أكتب لك، لا نقصد زيادة المعرفة... أو التسلية... أو الهجوم... أو للتشهير... أو الاستهزاء والسخرية... إنني أكتب لك بمشاعر تفيض بالألم والمرارة... المرارة التي ستتذوقها عندما تُطالع هذا الكتاب إلى نهايته، وتتأمل فيما آلت إليه عروس المسيح... عندئذٍ سترفع عينيك في انكسار للعريس السماوي من أجل عروسه.
أخيرًا نرفع مشاعرنا بندائنا إلى رئيس الطائفة (الطوائف) الإنجيلية:
سيدي... كل طائفة جديدة تقبلونها في مجلسكم الملّي وتسبغون عليها الشرعية القانونية هي انشقاق جديد... انقسام مرير... جرح غائر في جسد العروس... كفى... كفى سيدي تمزيقًا لثوب المسيح... أذكر قرارك الذي نشرته سابقًا "الكنائس التي لم تلم شملها وتتحد معًا سيحدد المجلس الملّي موقفه منها إما بإبقاء ولاية المجلس عليها (في حالة الاتحاد) أو سحب الولاية منها إذا لم تنفذ ذلك".
فهل نرى على أيديكم وقفًا لمزيد من الطوائف..؟
وهل نرى وحدة ولو جزئية بين المذاهب الإنجيلية المتقاربة..؟
وهل نرى في حياتكم ولو بداية لوحدة الكنيسة الواحدة..؟
فليرحمنا الله، وليبعد عنا كل تحزّب وانشقاق وانقسام وفرقة، ولنرفع قلوبنا بالتضرعات "لتنقضِ افتراقات الكنيسة" (القداس الإلهي) لينعم علينا بوحدة الجسد الواحد لتكون رعية واحدة لراعٍ واحد. ولإلهنا المجد الدائم في كنيسته إلى الأبد... آمين.
_____
(1) ص 80 تفسير سفر الرؤيا.
(2) ص 8 قصة العقيدة الإنجيلية طبعة 1986.
(3) ص 131 ابني كنيستي.
(4) ص 45 أضواء على الإصلاح الإنجيلي.
(5) ص 44، 45 أضواء على الإصلاح الإنجيلي.
(6) ص 3 إبني كنيستي.
(7) ص 10 قصة العقيدة الإنجيلية طبعة 1986.
(8) ص 88 تفسير سفر الرؤيا.
(9) ص 80، 81 تفسير سفر الرؤيا.
(10) ص 125 رسالة جون وسلي لعصرنا الحاضر.
(11) ص 7 "هذا ما نؤمن به".
(12) ص 74، 76 ابني كنيستي.
(13) ص 7-15 الأمانة في التعليم.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/protestant/intro-2.html
تقصير الرابط:
tak.la/w54hpaw