الراهب الذي يقود السيارة: هل تحكى لنا يا أبونا فلتاؤس عن القديس العظيم مكاريوس السكندرى؟
وإذ يعشق أبونا فلتاؤس قصص القديسين فتح فمه المبارك وأخذ يحكى
" ولد مقار نحو 293م في الأسكندرية من والدين فقيرين خارج حظيرة المسيح وعندما شب عمل في مخبز فكان يصنع الفطائر المميزة وكان خفيف الظل يحب المرح فأحبه الناس كثيرًا ثم صار يتاجر في الحلوى اللذيذة التي كان يتفنن في صنعها مع الفاكهة المجففة والخمور... كان قصير القامة وله شارب رفيع وليس له لحية، عاش في العالم نحو 40 سنة تعمد بعدها وسمع عن أخبار أنبا أنطونيوس وأبو مقار الكبير فإتجه إلى الصحراء.
تتلمذ على يدى أنبا أنطونيوس نحو 335م ثم ذهب إلى منطقة نتريا وتتلمذ على يد القديس بامو خليفة الأنبا أمون الكبير وتعمق في حياة النسك والعبادة وفي نفس الوقت كان مرحًا جدًا. يجذب الآخرين نحوه فيأتون إليه ويبتهجون بحضوره فكان كالنحلة النشيطة إذ له غيرة نارية في التمثل بأعظم النساك في التقشف وإقتناء الفضائل حتى فاق الآباء وكان يحب كثيرًا أبو مقار الكبير ويقره إذ سبقه للرهبنة بنحو خمسة سنوات وسبقه للكهنوت بنحو 15 سنة فنال ابو مقار الكبير الكهنوت سنة 340 م بينما نال ابو مقار السكندري الكهنوت سنة 355 م.
ومما يذكر عن اتضاع القديس مكاريوس السكندري انه سمع ان راهبين قد ارتكبا خطأً شنيعًا فحرمهما فأصيبا هذان الأخان بصغر نفس وهما للعودة الي العالم واذ علم القديس مكاريوس الكبير أرسل اليهما عندما تأكد انهما بريئان قبلهما ولكيما يوبخ مكاريوس السكندري قال:"ليس هذين الراهبين هما المقطوعان انما الذي قطعهما" وعندما سمع مكاريوس السكندري لما جري انطلق إلى بركة النطرون حيث صار البعوض ينهش في جسده، وعندما ذهب اليه مكاريوس الكبير مدحه لانه تمسك برهبنته، واوصاه ان ينتبه حتي لا يخدعه الشيطان تارة اخري، ومن اتضاع مكاريوس السكندري طلب منه قانون توبة فًامره مكاريوس الكبير بأن يظل 3 اسابيع يأكل كل اسبوع مرة واحده.
و زارهُ بالليديوس سنة 390 م وتتلمذ علي يديه 3 سنوات وكان عمره نحو 100 عام، وقال بالليديوس ان عدد المتوحدين في جبل القلالي وصل الي 600 راهب يقودهم القديس مكاريوس السكندري قس القلالي والذي دعي بمكاريوس الصغير.
وفي مره وقف القديس مكاريوس السكندري يصلي، فثبت عقله بالسماء، وشغل نفسه بالسيد المسيح والطغمات السمائية والحياة الملائكية والشهداء والقديسين في العهد القديم والجديد، ولما مر عليه يومان دون انقطاع صارت الشياطين تخدش رجليه فلم يلتفت اليها، فتشكلت بشكل ثعابين اخذت تلتف حول رجليه، اما هو فلم يلتفت اليها ولم يجعل افكاره تنزل علي الارض فأشعلت الشياطين النار في كل ما في القلاية حتي الحصيرة التي يقف عليها ماعدا ما تدوسه ابطان قدميه، ولكن صلاته النارية لاشت كل هذه الخيالات، وهكذا ظل عقله 5 ايام معلقًا بالسماء، وظل يذكر هذه المدة ويقول: "انني لم أري ايامًا مثل هذه الايام الخمسه".
أبونا سمعان: ذكصولوجية الانبا مقار الصغير تذكر هذه الحادثه:
تشهد عنك بالحقيقه... المغائر المظلمة
التي سكنت فيها... يا انبا مقار القس
حتي انك استحققت... ان تقف امام الرب
خمسة ايام وخمس ليالي... وعقلك في السموات
تسبح مع الملائكه... والطغمات السمائيه
وكل المصاف القديسين... ممجدًا الثالوث
ابونا فلتاؤس: ايوه كدا الكلام يا ابونا سمعان... الانبا مقار السكندري كان يعتبر الفضيله التي تعرف تصير عديمة الجدوي... دا كان حلو وخفيف الظل ويحب المرح، حتي الشياطين كانت تحاربه بمرح، وتدبر له مقالب مضحكة...
في مرة سار في الصحراء عدة ايام وكان يغرز كل مسافة قطعه من البوص لتهديه عند عودته، وعندما تعمق في الصحراء ونام وجد الشيطان قد جمع كل هذه الاعواد ووضعها بجواره، ولما استيقظ سمع صوت:"ينبغي ان يكون لك إيمان بالله وتثق ان الذي هدي بني اسرائيل بعمود النار والغمام يستطيع ان يهديك".. ابتسم ابو مقار، وفي عودته ضل الطريق وتعرض الي العطش الشديد، فكان يبصر امرأه مرتديه ثياب فاخره تحمل جره ماء علي مرأي البصر، فيسرع اليها فلا يدركها لانها خيال شيطاني، وتكرر هذا الموقف عدة ايام، الا ان اصابه الاعياء الشديد فوجد قطيع بقي وحشي وجاءت بقره مرضعه ووقفت بجواره فتعجب متسائلًا:"ماذا تريد هذه البقره مني؟!".. ثم رقدت واظهرت ضرعها وسمع صوتًا... " يا مقار اشرب من لبنها لتتقوي وترجع إلى قلايتك "، فرضع من لبنها ونام قليلا وقام مواصلًا السير والرب ارشده الي قلايته واخذ درسًا قويًا أن يجعل اعتماد قلبه علي الله وعلي فهمه لا يعتمد.
وإذ اخذ موهبة اخراج الشياطين وشفاء المرضي لذلك اقبل اليه كثيرون من مصر وخارجها، واذ بشيطان المجد الباطل يحاربه ويقنعه ان يذهب الي روما مدينه الملوك حتي يقف علي ابوابها ويشفي المرضي حتي لا يتحملوا مشقه السفر ويأتوا اليه، فمن الرحمه ان يذهب هو اليهم، واشتد عليه هذا الفكر ولم يفارقه فجلس علي عتبه قلايته ومد رجليه وقال للشيطان:" ان كان عندكم القدره لتجروني بعيدا عن قلايتي ولو لشبر واحد فإنني سأذهب الي روما" ومع هذا فإن حرب الافكار لم تهدأ فصرخ في الشياطين قائلًا:" لقد قلت لكم ليس لي رجلان امشي عليها إن كنتم تقدرون ان تحملوني الي روما فاحملوني، فإن لم تقدورا ان تحركوني فلم اسمع لكم "، فلم يجرأ شيطان ان يلمسه لانه لا يكف عن الصلاه القلبيه.
وحل الليل والحرب تشتد عليه اكثر فأكثر، فما كان منه الا انه نهض وحمل حملًا ثقيلا من الرمال واخذ يطوف بها في البريه وقابله الاخ "ثيئوسيبيوس" الانطاكي فقال له:" ماذا تحمل يا ابي، دعني احمله انا ولا تتعب نفسك" فأجاب الانبا مقار:" انا اشقي الذي يشقيني لاني اذا ارحته لا استطيع ان اضبطه، فهو يجلب عليا افكارًا ليلقيني خارج قلايتي".
وكان انبا مقار السكندري يخاطب الشيطان:" اعندك شيئ ضدي، لن تجد فيا شيئًا لك، اذهب بعيدًا عني ".. وفي ذات يوم اضناه الجوع والعطش والتعب فظهر له الشيطان وقال له بنغمة عزبة بكلام منغم:" لماذا لا يستخدم ما بقي فيك من قوي لتحفظ علي الطعام بثمن زهيد لكيما تواصل طريقك بكل ارتياح"، فصور له الشيطان جملا ً ضالًا يحمل اطعمه وكان ينوء بحمولته، ولكن القديس الذي يعرف معاكسات الشيطان وخداعاته انتصب بالصلاة فأنشقت الارض وابتلعت الجمل وما عليه.
وفي احدي الليالي قرع الشيطان بابه قائلا:"قم يا مكاري واذهب الي اجتماع التسبيح مع الاخوه"، فقال له القديس:"يا كذاب يا عدو الحق ماذا تعرف عن الاجتماع الذي نوجد فيه مع القديسين؟ "، فقال الشيطان:" الا تعلم يا مكاري انه لا يوجد اجتماع للرهبان بدوننا!" فذهب القديس الي الكنيسة وطلب من الله ان يكشف له الحقيقه فوجد في الكنيسه صبيه لونهم اسود يمرحون هنا وهناك، وبعضهم يملأ افكار بعض الرهبان بالضيق والضجر، والبعض الآخر يضع اصابعه في افواه الرهبان فيتثاءبون، والبعض يشتت أذهان رهبان بمناظر النساء والأطعمة والمشروبات، وبعض الرهبان ينسكبون في صلوات حارة تجعل هؤلاء الصبية يهربون منهم، وبعد الصلاة تقابل مع الرهبان الذين رأى الشياطين يعبثون بهم، وسأل كل واحد منهم على إنفراد: كيف كانت صلاتهم؟، فجاءت أقواله نطابق ما رآه.
وذات مرة سطا اللصوص على قلايته وحملوا كل ما فيها ووضعوها على ناقة إلا أن الناقة أبت النهوض رغم كل المحاولات لإنهاضها، بل ظلت تصرخ حتى ضوء الصباح وإذ رأوا القديس مقبلًاعليهم فشعروا بالندم الشديد وسجدوا له معترفين بما اقترفوه، أما هو فقال لهم إنتظروا، فدخل قلايته يفتشها فوجد فيها آنية بها زينونة باقية لم ينتبه لها اللصوص، فحملها لهم وقال لهم إنصرفوا بسلام، ونهضت الناقة وساروا في طريقهم وفي الغد أقبل عليه بعض الإخوة من سفر لسماع كلمة منفعة منه، ولما حان وقت الطعام وهو لا يملك شيئًا قال لهم إن كان عندكم أرغفة إحضروها لنآكل، لأن حاجاتى اعطاها الله لبعض الفقراء المعوزين في هذه المجاعة وفي مرة ركب مع الأنبا مقار الكبير مركبًا كبيرًا، وكانا يرتديان اسمالًا بالية بينما كان هناك محاميان مرموقان تصحبهما الحراسة ويرتدون ملابس فاخرة جدًا، فقال أحد المحامين لهما: " مطوبان أنتما، يا من سخرتما من العالم"، فقال أبو مقار السكندرى له: " نحن سخرنا من العالم، ولكن العالم يسخر منكما، وأنت تكلمت بإلهام لأن إسم كل واحد فينا مكاريوس أى "مطوب" أو "مغبوط" وأنت قلت "مطوبان"..
وإذا بضمير المحامى يستيقظ حتى إنه خلع ثياب المجد، ووزع أمواله وممتلكاته وقصد البرية طالبًا الحياة الرهبانية، حياة التجرد والفقر الإختيارى والطاعة.
وكان أبو مقار قس القلالي والأب الروحى للرهبان المتوحدين على درجة عالية من الشفافية حتى أنه كان يرى ملاك المذبح وهو يصلي، وكثيرا ً ما كان يبصر أرواح ملائكة وقديسين تملأ الهيكل، فكان ينتابه خوف ورهبة.
وذات مرة قصده كاهن تآكل لحم وجهه، فكان منظره صعب للغاية، وقد صرف أمواله على الأطباء دون جدوى، فسقط عند قدميه ملتمسًا صلواته عنه، ولكن الواقفون فوجئوا أن أبو مقار الرجل الحلو المملوء بالمحبة يشيح بوجهه عنه، فتوسل إليه الحاضرون أن يصلى له، فقال لهم: "إتركوه فهو لا يستحق الشفاء لأنه يذهب إلى مكان الذبيحة وهو دنس، فظل الكاهن يترجاه كثيرًا وهو يصرفه عنه، وفي اليوم الثالث نادى القديس الكاهن بإسمه وسأله: "هل تعرف لماذا جلب الله عليك هذا العقاب؟".. فأجاب: "نعم يا أبى"، فقال له: "مادمت تعرف خطاياك إذًا تب عنها فتخلص"، وطلب منه القديس أن يتخلى عن عمله الكهنوتى فوافقه الكاهن، فدهن القديس وجه الكاهن ورأسه بالزيت وأنعم الله عليه بالشفاء.
وإذ كانت قصص أبو مقار السكندرى تخرج من فم أبونا فلتاؤس حلوة وحية ورائعة، سار قائد السيارة بهدوء وخفض سرعته كثيرًا لكيما يصغ لهذا الحديث الشيق،.. فإذ بأبونا فلتاؤس يقول له: " أنا فاهمك يا خويا " أنت أبطأت السرعة لأنك مبسوط مع أبومقار، وأنا كمان مبسوط، وسيدنا يسمح لى أكمل الكلام...
أبونا المطران: إتفضل يا أبونا فلتاؤس، دى سير القديسين حلوة بالذات لما تسمعها من ناس عاشروا القديسين وأحبوهم مثل قدسك يا أبونا.
ابونا فاتاؤس: أنا رجل خاطى يا سيدنا، وما أستحقش التراب اللى مشيوا عليه... دا أبو مقار السكندرى لما سمع أحد رهبان الأنبا باخوميوس في طياشبم (بالقرب من الأقصر) يعيشون حياة التقشف الشديد ولاسيما في الأربعين المقدسة، فإرتدى ثياب فلاح وقصد الدير مشيًا على الأقدام، فبلغه بعد 15 يومًا وإلتقى بالأنبا باخوميوس دون أن يعلمه بأمره، وطلب منه أن يقبله في ديره فربما يصير راهبًا فقال له الأنبا باخوميوس: "أنت رجل متقدم في الأيام لا تقوى على الممارسات الرهبانية القاسية، وإقترح عليه أن يذهب إلى مساكن الضيافة ليمضى الوقت الذي يريده.
وأمضى أبو مقار الأسبوع الأول طيًا دون طعام وعاد للأنيا باخوميوس ثانية يطلب منه أن يتيح له الفرصة، ولم يقدر على ممارسة الصوم والتقشف وعمل الأيدى فليطرده، فأرسله الأنبا باخوميوس إلى الأخوة الرهبان، وكان عددهم 1400 راهب، فبل سعف بالماء ووضعه على مصطبة عالية حتى تصل إليه يده، ووقف يضفر الخوص ليل نهار، لم يثن ركبتيه ولم يضطجع وكان كل يوم أحد يأكل بعضًا من ورق الكرنب، حتى يبدو آكلًا أمام الآخرين، وإذا خرج لقضاء حاجته أو ليغير مياه الخوص كان يرجع سريعًا دون أن يفتح فاه بل كان صامتًا يصلى بقلبه.
فضج الرهبان منه وقالوا للأنبا باخوميوس: "من أين أحضرت هذا الرجل الذي كأنه بلا جسد ليديننا؟.. إن لم تخرجه من هنا نخرج نحن جميعًا من هنا " فطلب الأنيا باخوميوس منهم أن يتأنوا حتى يكشف الله سر هذا الرجل، فأعلن الله للقديس باخوميوس عن شخصية هذا الرجل انه مكاريوس السكندرى، وعقب صلاة القداس الإلهى ناداه الأنبا باخوميوس أمام جميع الرهبان بإسمه وقال له: "هيا إلى هنا أيها الشيخ الجليل، كيف يكون هذا؟.. أنت هوالأنبا مكاريوس السكندرى وقد أخفيت نفسك عنا!.... كم لى من الزمان أسمع عنك وأريد أن أراك!، ولكنى أشكرك لأنك وعظتنا كلنا وعلمت الأخوة الشبان أن لا يفتخروا بأعمالهم التقوية ولو بذلوا غاية جهودهم، فلن يقتربوا قط من مقياس الأربعين يومًا التي لسيدنا ومخلصنا يسوع المسيح ابن الله الحي... فعد إلى مكانك بسلام، فقد وعظتنا وأرشدتنا كلنا بما فيه الكفاية، وصلى من أجلنا"، ففرح به الرهبان وتباركوا منه.
وعندما إشتد الجفاف في الأرض أرسل البابا تيموثاوس (22) لأبو مقار السكندرى يستدعيه، وعندما ألحوا عليه رسل البابا ذهب معهم، وفي ذهابه كان يصلى من أجل المدينة العظمى الإسكندرية، ودخل أبو مقار من باب الشمس وإذ بجمع غفير يخرج لاستقباله بالألحان وسعف النخل، ولما وصل الكنيسة هطلت أمطار غزيرة كالسيول، لم تنقطع لمدة يومين وعندما سأل القديس البابا البطريرك عن سبب استدعائه، قال له: لقد طلبنا إليك أن تأتى لتصلي لأجل نزول الأمطار لئلا تهلكنا، فصلى القديس فتوقف المطر، وإذ كان بالمدينة ممن يعبدون الكواكب قالوا عنه أنه ساحر عظيم دخل من باب الشمس وأهطل الامطار، أما هو فأمضى ثلاثة أيام شفي خلالها مرضى كثيرين فمجدوا اسم الله العامل في قديسيه.
وعندما عاد إلى البرية مازحه الأباء الرهبان قائلين له: "لقد ذهبت إلى الإسكندرية وتنزهت هناك"، فقال لهم: "صدقونى... لم أنظر إلى عمود أو سوق أو ميدان ولا وجه انسان سوى وجه البطريرك وحده، لقد كانت الجموع تزحمنى من كل ناحية ولكننى وضعت في قلبي ألا أرفع بصرى لأنظر في أحد حتى لا أفتح لنفسي بابًا للتجارب بواسطة عينى".
وكان القديس مكاريوس رحومًا حتى على الوحوش، فقال عنه أنبا بفنوتيوس تلميذ أبو مقار الكبير أن " ضبعة" جاءت تقرع باب القديس برأسها، فلما فتح الباب وجد ضبعة كبيرة تنحنى أمامه ومعها وليدها وهى تبكى فذهل وأخذ الوليد وتفحصه وإذ به أعمى العينين فتنهد وبصق على عينيه ورشمهما بالصليب، فإنفتحت عيناه فأخذته أمه وإنصرفت وبعد هذا أحضرت له الضبعة فرو خروف إفترسته فظل يفترشه وإحتفظ به حتى نهاية حياته، ولهذا نجد في أيقونته ضبعة ووليدها.
أبونا المطران: الأمر العجيب أننا عندما أنشأنا كنيسة في منطقة الضبعة غرب الأسكندرية، ودون أن نتذكر هذه القصة، دعينا هذه الكنيسة بإسم القديس مكاريوس السكندرى.
أحد الرهبان: وهل هناك علاقة يا سيدنا بين منطقة الضبعة وبين الأنبا مكاريوس؟
أبونا المطران: من الناحية الجغرافية لا توجد علاقة، فالمسافة بين منطقة الضبعة ومنطقة القلالي تزيد عن 150 كم، ولكن من ناحية الأسماء فهناك إرتباط بين الضبعة وبين القديس مكاريوس السكندرى.
وقد إتصل بى بعض الآباء في وادى الريان وقالوا نحن إكتشفنا مغارة الأنبا مكاريوس السكندرى والمكان الذي عاش فيه، ولكننى أخبرتهم أن البحث الدقيق تاريخيًا وأثريًا لم يدع مجالًا للشك أن منطقة القلالي كانت قريبة من نتريا بنحو 20كم، بينما المسافة بين وادى الريان وجبل القلالي كبيرة، فهى على بعد من 150 – 180 كم من القاهرة وعلى بعد 75 كم جنوب غرب الفيوم، ومنطقة وادى الريان يقع مقابل بنى سويف بينما جبل القلالي شرق الطريق الصحراوى مصر إسكندرية بعد الريست هاوس.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أبونا سمعان: نجد في بستان الرهبان أن القديس مكاريوس السكندرى كان له أربعة قلالي:
الأولى: في الإسقيط في البرية الداخلية.
الثانية: في صحراء ليبيا (وادى الريان غالبًا)، وفي هذه المنطقة عاش الأب متى المسكين مع عشرة من أولاده من (1961 – 1969)، وتم إكتشاف إسم القديس مكاريوس السكندرى باللغة القبطية وكانت المغارتان الأولى والثانية بلا نوافذ ولا طاقات، فكانتا مظلمتين.
الثالثة: في منطقة القلالي وهى التي أمضى فيها الوقت الأطول من عمره وكانت ضيقة لدرجة أنه لا يستطيع أن يفرد فيها ساقه.
الرابعة: في نتريا وكانت متسعة وهى التي كان يستقبل فيها زواره.
أبونا المطران: قصة عنقود العنب الشهيرة التي تقول عنها الترنيمة:
كان فيه عنقود عنب... طلع من غير أوانه
أخده راهب م الرهبان... اداه لرئيس الدير
اخده رئيس الدير... مكاريوس الكبير
والحقيقة أن قصة عنقود العنب حدثت مع القديس مكاريوس السكندرى، وهذا ما ذكره شينو في كتابه "لسان دى جبت"، والسنكسار القديم (وأيضًا فردوس الآباء ج1 إعداد راهب من برية شيهيت).. وسواء هذا أو ذاك فإن القصة نظهر عمل الله مع الآباء الرهبان ومحبتهم الشديدة لبعضهم البعض، ولكننا نحن ذلك من قبل الحقائق التاريخية.
أبونا سمعان: أبو مقار الكبير قلبه كبير قوى لن يغضب عندما نذكر أن قصة عنقود العنب حدثت مع سمِيه أبو مقار الصغير، فقد كان صديقه وقد تعرض الإثنان للنفى معًا، فعندما إشتد الصراع بين الأريوسية والأرثوذكسية قام أسقف إسكندرية الدخيل الأريوسى " لوس Luse " أى "لوقا" في أيام الإمبراطور فالنس الأريوسى وإنطلق إلى البرية ومعه ثلاثة آلاف جندى حيث النساك والعباد ولباس الصليب نظرًا لتمسكهم بإيمان مجمع نيقية وتشجيعهم للشعب لرفض الأريوسية، فقتل عدد كبير من الرهبان وحضر هذا الموقف المؤرخ "روفينوس" الذي تصادف وجوده في برية شيهيت فكتب يقول: "ولما وصلوا تلك البرارى وجدوا فيها رهبانًا منشغلين في عبادتهم وأحوالهم وخدمتهم، عُزلًا بلا سلاح بل وغير مستعدين حتى للدفاع عن أنفسهم، بل ومصممين على سفك دمائهم صونًا للإيمان المستقيم الذي سُلم لهم مرة من القديسين. كما وجدوا في تلك البرارى نُساكًا عراة لا يرفعون حتى أيديهم لصد الضربات الموجهة نحوهم، بل يقدمون الرقاب لقبول الموت دون أن يقولوا شيئًا سوى: "مبارك الله في كل شىء"(4).
وأرسل هؤلاء القساة ليلًا رسلهم للقبض على القديسين مكاريوس الكبير ومكاريوس السكندرى، ونفوهما إلى جزيرة وثنية بها مستنقعات في الدلتا وكان في هذه الجزيرة معبد فرعونى يتعبدون فيه ويهابونه، وعندما إقترب المقارين هاج الشيطان وإضطرب وإنزعج ودخل في إبنة الكاهن فصارت تركض من مكان إلى مكان وهى تصرخ وتصيح مثل عرافة فيلبى قائلة: "يا عبيد يسوع المسيح ما أرهب قدرتكم... هل يجب يا عبيد الله العظيم أن تأتوا لتطردونا من المكان الذي نقيم فيه منذ زمن طويل".
فصلى عليها القديسان وأمرا الشيطان أن يخرج منها فصرعها وخرج منها فصليا للفتاة فعادت صحيحة معافاة فآمن أبيها الكاهن وبقية الشعب بالرب يسوع، فقام القديسان بتعميدهم ليلة عيد الغطاس وحولا المعبد إلى كنيسة وعوض الشياطين حلت الملائكة، وعرفت الجزيرة طعم السلام ولما عُرف الخبر في الأسكندرية وجهوا اللوم الشديد للأسقف الأريوسى القاتل، بل ان حتي اتباعه لاموه، وطالبوه بإعادة القديسين عن منفاهما، فأرجعهما سرًا، وعندما لم يعرفا طريق العودة، ظهر لهما ملاك الرب وأرشدهما إلى الاسكندرية، ومنها وصلا الي البرية سنه 375 م واذ علم الرهبان خرجوا بالالاف لإستقبالهم، وبلغ عددهم نحو خمسة الاف راهب، معهم الانبا بيشوي والقديس يوحنا القصير،، ففرح بهما المقاران، وباركهم القديس ابو مقار الكبير اب اباء برية شيهيت.
وسجلت الكنيسة هذا الحدث في السنكسار ونعيد به يوم 13 برمهات.
كما يذكر لنا التاريخ أن بالليديوس عندما ذهب للقديس مكاريوس السكندري وكان عمره نحو مائه عام وتتلمذ علي يديه كان يسمعه يقول لنفسه:"ماذا تريد ايضا؟!"، بينما كان يعيش في تقشف شديد جدًا، حتي انه كسر الخبز الجاف ووضعه في جرة فوهتها ضيقة، وكان يخرج ويقول:" اذ جاء وقت طعامي اضع يدي في الجرة واملأها بقوة، ولكن فم الجرة يمنع يدي من الخروج لانه ضيق، فكنت اغتاظ، وظللت علي ذلك ثلاث سنوات أكل كل يوم عند غروب الشمس الخبز بمقدار والماء بمقدار، وكنت أستعمل في السنة كلها قسطًا واحدًا من الزيت.
وكان يقول: "منذ اليوم الذي صرت فيه راهبًا لم آكل خبزًا ولم أنم حتى الشبع... كل الآباء الشجعان لم يمرضوا لأنهم كانوا يضبطون أجسادهم بحسب القدر المحدد"..
وتنيح القديس العظيم مكاريوس السكندرى نحو 393 م، بعد أن ناهز المائة عام أمضى منها نحو أربعين عامًا في الإسكندرية وأكثر من ستين عامًا في منطقتى نتريا والقلالي، وبلغ عدد المتوحدين في منطقة القلالي 600 راهب، وكانوا يعتمدون على رهبان نتريا في معيشتهم فيحضرون لهم الخبز، وكان هؤلاء الآباء في جبل القلالي يقومون بغزل ونسج الكتان، وعمل مقاطف الخوص كما كانوا ينزلون وقت الحصاد للريف فيعملون كأجراء ومن تمتع منهم بالخط الحسن كان يقوم بنساخة الكتب وهذه المهمة كانت تدر ربحًا وافرًا.
وللقديس مكاريوس السكندرى عدة قوانين طُبعت في باريس سنة 1637 م، وله أيضًا رسائل عن نفوس الأبرار بعد الموت طُبعت في سويسرا سنة 1696 م.
_____
(4) الأب متى المسكين – الرهبنة القبطية صـ 107.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/macarius/st-maqar.html
تقصير الرابط:
tak.la/84h9krv