وهنا توقف الركب إذ أن السيارة اللاندروفر لم تستطع مواصلة السير إذ صار الطريق غير ممهد ومملوء بالحفر، فترجل الآباء وساروا في أرض الجمرك بالأسكندرية إلى القاهرة عبر الصحراء وصار أبونا المطران يقودهم ويريهم بقايا المنشوبيات ذات اليمين وذات اليسار ويشرح لهم ملامح المنطقة وكأنهم عادوا أدراجهم إثنى عشر قرنًا من الزمان وفيما هم منهمكون وإذ بقطار البضاعة قادم عليهم، فأخلوا له الطريق ولكنهم لاحظوا أن القطار أخفض سرعته كثيرًا حتى توقف أمامهم ونزل سائق القطار: "سلام يا آباء... ماذا تفعلون هنا؟"
أبونا المطران: أهلًا بك يا إبنى... أنت سائق القطار؟
السائق: أنا طانيوس سائق القطار وهذا طريقى ذهابًا وإيابًا كل يوم تقريبًا.
أبونا المطران: إنت عارف إنت ماشى فين ياعم طانيوس؟.. دى أراضى مقدسة... أماكن أديرة عاش فيها الآباء القديسون.
عم طانيوس: دائمًا أسير في هذه المنطقة، ولم أكن أعلم ذلك... فعلًا لم أكن أعرف إننى أسير وسط أديرة وأماكن مقدسة إرتفعت فيها الصلوات وعاش فيها الآباء القديسون...تعالوا إركبوا معى وسنسير بهدوء لكيما تروا بالكامل.
وركب نيافة الحبر الجليل الأنبا باخوميوس ومعه الآباء السريان قطار البضاعة، وسار القطار بهدوء نحو عشرة كيلو مترات، وأبونا المطران يشرح لهم ويشير على آثار المنشوبيات التي إنتشرت ذات اليمين وذات اليسار، منها الصغير، ومنها الكبير، فكثير من بقايا الجدران باقية توضح معالم المنشوبية ‘ وعاد بهم عم طانيوس حيث سيارتهم اللاند روفر، فإجتمعوا إلى أرض الكنيسه ‘ ودخلوا الإستراحة يشربون الشاي، وكلهم عجب لما رأوا... إذ كيف كان التاريخ امينًا حتي حفظ لنا هذه الآثار التي تعرضت للتخريب ولم يهتم بها احد علي مدار 1200 سنة، فقد أشتم الاباء رائحة التاريخ الامين تخبرهم عن امجاد الاسلاف الانبا انطونيوس الكبير والانبا آمون الكبير والانبا بامو، والقديسه ميلانيا، والقديسة باولا، وأبو مقار الكبير، وأبو مقار السكندري، وكاسيان، ويوحنا القصير، وأسماء تلمع في سماء الفضيلة بلا عدد...
لقد إستمرت الرهبنة في هذه المنطقة اكثر من أربعمائة عام عاش فيها آلاف النساك، الذين باعوا كل شيئ وإقتنوا اللؤلؤة الكثيرة الثمن... أولئك الذين حولوا القفر سماء، وعاشوا كملائكة أرضيين أو كبشر سمائيين ‘ ففي هذه المنطقه كانت السماء قريبة جدًا جدًا من الارض، وأرواح الملائكة والقديسين قريبة جدًا جدًا من سكان القلالي...
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أبونا سمعان: في هذه المنطقة في بداية القرن الخامس الميلادي للأسف انتشرت افكار غريبه مثل أفكار اوريجانوس بسبب إيفاجريوس (أوغريس)، وأيضا بسبب سكني الاخوة الطوال هنا، وقد تصدي لهم البابا ثاؤفيلس (رقم 23) حتي ان 300 راهب كانت لهم أفكار اوريجانوس تركوا المنطقة ثم عادوا إليها... كما إنتشر الفكر النسطوري... وبعد مجمع خلقدونية المشئوم سنة 451 م شيدوا لهم كنيسة، وانقسم الرهبان فريقان منهم من يؤيد البابا ديوسقورس (25).. ومنهم من يؤيد مجمع خلقدونية. فرفض فكر آباء الاسكندرية بأن السيد المسيح له المجد له طبيعة واحدة من طبيعتين فبعد الاتحاد بين اللاهوت والناسوت صارت طبيعة واحدة لله الكلمه المتجسد، ام الفكر الخلقدوني فينادي بطبيعتين منفصلتين.
وعاش في هذه المنطقه راهبًا بسيطًا وهو "الاب جاك" وقد إحتار بين هؤلاء وأولئك، وكل فريق يحذره من الفريق الاخر قائلا له: " يا ابانا جاك خذ حذرك لئلا يخدعك المنشقون ويسحبونك إلى طائفتهم... إعلم يا ابا جاك انك لو تناولت معهم تفقد حياتك الابدية... فصار الراهب في حيرة شديدة. فما كان منه الًا انه ارتدي رداء الموتي، وكان كل راهب يحتفظ في قلايته برداء خاص ككفن يُدفن به، وذهب إلى قلاية بعيدة ‘ وظل صائمًا وهو يتضرع لله حتي سقط علي الارض وتألم كثيرًا من محاربات الشياطين الفكرية، وأمضي علي هذا الحال أربعين يومًا، ثم رأي طفلًا قادمًا نحوه ‘ وهو في غاية السعادة والفرح، وسأله:" يا ابا جاك ماذا تفعل هنا؟".. قال:"يا سيدي انت تعلم ماذا بي‘ البعض يقول لي لا تترك هذة الكنيسة ‘ والاخرون يقولون اعلم انهم يضللونك ‘ وأنا في حيرة لا ادري ماذا أفعل" ‘ فقال له الطفل:" يا ابا جاك حيثما انت ‘ فأنت علي حق" ‘ ولم يكد يسمع هذه الكلمات حتي وجد نفسه أمام ابواب الكنيسه الارثوذكسية.
أبونا المطران: أنظروا إلى خطورة البدع والهرطقات فإن الكنيسة التي لا يقوي سيف الاضطهاد علي النيل منها... تنال منها البدع وتشققها نصفين... ربنا يظلل علينا ويحمينا.
أبونا فلتاؤس: لكن يا سيدنا كيف اكتشفت هذه المنطقة؟ وكيف تأكدت انها جبل القلالي الذي عاش فيه أبو مقار السكندري؟
أبونا المطران: لم أكن اعرف... تماما كما قال عم طانيوس لم اكن اعرف... أنا اترسمت اسقفا للبحيرة سنة 1971 م مع نيافة المتنيح الانبا يوأنس أسقف الغربية ‘ وكنا باكورة الرسومات بيد قداسة البابا شنودة الثالث، وبعد رسامتي بنحو إثنتي عشر سنة ‘ نحو سنة 82 او 1983م كنت ابحث عن قطيع المسيح في ارجاء الايبارشية... ذهبت ابحث عن القطيع فوجدت كنزًا عظيما... ذهبت إلى هذه المنطقة وهي تابعة لمديرية التحرير ‘ وهي منطقة صحراوية بدأت تزحف عليها الزراعة منذ سنة 1965م... كنت انزل وامشي مسافات طويلة ابحث عن اولادي.
وبينما كنت اتجول هنا وجدت رجلًا فلاحًا ينحني امامي مقدمًا ميطانية ‘ فعلمت انه مسيحي ورحب بي كثيرًا... سألته:"من أي مكان يا ابني؟".. "أنا يا سيدنا من المنيا"..فقلت له:" وماذا تفعل هنا؟".. فقال:" أنا بشتغل عند البيه".. قلت له:"ومن هو البيه؟".."هو مهندس "وصفي مجلي" ".. وبدأت اتصل به واتعرف عليه شخص طيب جدًا من المنيا اشتري هنا 500 فدان وبدأ في استصلاحها واحضر فلاحين من المنيا لهذا الغرض ‘ وعلمت انه يوجد عدد من العمال المسيحيين في هذه المنطقة ‘ فأستئذنت منه لكي نصلي قداس للعمال في الاستراحه الخاصة به في هذه الارض ‘ فرحب جدًا بالفكرة... رجل صعيدي طيب وشهم.
وصليت اول قداس في هذه الارض مع العمال وكان عددهم نحو 20 أو 30 وكانت فرحتهم كبيرة جدًا ان الاسقف بنفسه يأتي ليبحث عنهم ويطمئن علي احوالهم ويخدمهم ‘ ولم أكن أعرف انني في جبل القلالي... سمعت ان في المنطقة اثار فتجولت في المنطقة الاثريه وايضا لم أكن اعرف الطبيعة التاريخية للمنطقه.
وأحضرت رحلة من طلبة الاكليريكية ‘ وركبنا جرار وتجولنا في المنطقة ووجدت علامة مكتوب عليها:" منطقة اثار جبل القلالي" فتصورنا بجوارها.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/macarius/ruins.html
تقصير الرابط:
tak.la/z94xgva