في عصر الأنبا بامو وصل عدد الرهبان في جبل نتريا إلى نحو 3000 راهب في سنة 390 م إرتفع العدد إلى 5000 راهب وعلى يد آباء نتريا تتلمذ البابا كيرلس الأول عمود الدين، وزار منطقة نتريا المؤرخ الشهير روفينوس (345 – 410 م) وبصحبته القديسة ميلانيا الأسبانية، وأيضًا زار المنطقة القديس جيروم (إيرونيموس)، ويوحنا كاسيان، ويوحنا القصير والقديسة باولا الإيطالية، وبالليديوس صاحب التاريخ المشهور، ومن أخطر الشخصيات التي دخلت إلى منطقة نتريا إيفاجريوس البنطي (أوغريس) الذي عشق أوريجانوس وتأثر بأفكاره فصبغ النسك الروحاني بالأوريجانية العقلية، وأمضى في نتريا نحو عامين ثم إستقر في منطقة القلالي 14 عامًا حتى نياحته سنة 339 م.
وكان رهبان نتريا يعيشون في مشقة بسبب صعوبة الحصول على المياه العذبة لدرجة انهم كانوا يخلطون الماء العذب بالماء المالح (بنسبة 1: 1) ويشربون منه، وكانوا يستخرجون النطرون من البحيرة ويبيعونه إلى القرى المجاورة ‘ وكان الرهبان ينزلون لهذه القرى يعملون كعمال يومية في موسم الحصاد لكيما يوفروا قوتهم ويصنعون صدقات للآخرين، كما كانوا يحضرون الكتان وينسجونه في قلاليهم ‘ وظلت الرهبنة في نتريا حتى القرن السادس وعندما قل عدد الرهبان في هذه المنطقة فضّلوا الهجرة تجاه منطقة القلالي ومنطقة شيهيت.
* أبونا فلتاؤس: -أيوه يا أبونا سمعان فكرتني بالقديسة ميلانيا عندما زارت أنبا بامو قدمت له 300 جنيه... دا كان مبلغ ضخم جدًا جدًا وكان القديس جالسًا في صمته يخيط ضفيرة الخوص، فقالت له: " باركني يا أبي " فقال لها: ربنا يعوضك ‘ وقال الأنبا بامو لتلميذه: وزع هذا المال على رهبان ليبيا والجزائر لأنهم أكثر إحتياجًا منا ‘ولا تعطي منه شيئًا لرهبان مصر، وظلت ميلانيا واقفة تنتظر منه كلمة شكر أو كلمة مديح ‘ فهذا مبلغ ضخم أما هو فلم يأبه بها، فقالت له: " ليكن في علمك يا أبي أن قيمة هذا المال 300 جنيه!! " ‘ فقال لها: " ان الذي أحضرتِ اليه المال لا يحتاج أن يعرف عددًا أو ميزانًا الذي يزن الجبال يعرف بالأكثر كمية هذا المال الذي أحضرتيه. فلو كنتِ أحضرتِ المال لي كان يحسب كلامك هذا حسنًا ‘ ولكن حيث أنكِ أعطيتيه لله الذي لم يحتقر فلسيّ الأرملة فالأفضل أن تسكتي " وبعد وقت قليل شعر القديس باموا بدنو أجله وهو جالس يخيط زنبيله فإستدعى القديسة ميلانيا وقال لها: "خذي هذه السلة من صُنْع يدي حتى تذكريني لأني لا أملك شيئًا آخر أعطيه " فشاركت في تكفينه ودفنه ومعها السلة التي لازمتها حتى موتها.
← انظر كتب أخرى للمؤلف هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت.
أحد الرهبان: - يا ليت أبونا فلتاؤس الذي يعشق سير القديسين يحكي لنا شيئًا عن سيرة القديس العظيم بامو.
أبونا فلتاؤس:- أيوه ياخويا الأنبا بامو ده كان قديسًا... بسيطًا عظيمًا، بداية حياته كان إنسانًا أميًا فتعلم القراءة والكتابة وفي مرة طلب من أحد الأخوة أن يعلمه كيف يحفظ المزامير غيابيًا ‘ فعلمه الآية الأولى من مزمور 39: " قلت أتحفظ لسبيلي من الخطأ بلساني. احفظ لفمى كمامة فيما الشر مقابلى " ‘ وغاب الأنبا بامو عن الأخ ستة أشهر وعندما إلتقيا سأله الأخ لماذا لم يأتي ليستكملا حفظ المزمور فقال له لم أتعلم بعد ما سمعته في الأية الأولى وكان يحفظ صمته حتى أن البابا ثاؤفيلس (رقم 23) عندما زار نتريا ألح الآباء على الأنبا بامو ليرحب به ويتحدث معه ‘ فقال قولته الشهيرة: " إذا لم ينتفع بصمتي فلن ينتفع بكلامي " وعلّم الأنبا بامو الرهبان أن الراهب لا ينبغي أن يهتم بملابسه، حتى انه إذا تركها خارج قلايته ثلاثة أيام فلن يطمع فيها أي لص يعبر عليها، وقال عنه الأنبا بيمن أنه تميز بالصوم حتى الغروب والصمت والعمل المتواصل، وأخذ يصلي ثلاث سنوات بدموع حتى لا يمجده الرب على هذه الأرض، وكانت هيبته ووقاره يجعلان الكل يحترمونه وقال عنه أنبا أنطونيوس الكبير: " ان المخافة التي فيه جعلت الروح القدس يرتاح في الوجود معه"(2) وقال الأنبا بامو عن نفسه: " منذ ان أتيت إلى هذا الموضع وبنيت هذه القلاية لا أذكر أبدًا انى أكلت خبزًا من غير عرق جبيني ‘ ولم أندم قط على كلمة قلتها ‘ وبالرغم من ذلك فإني ذاهب إلى الرب بإحساس إنسان لم يبدأ بعد جهاد الفضيلة "(3).
وكان البابا أثناسيوس يحبه كثيرًا حتى أنه إستدعاه للأسكندرية ليقف بجواره في محاربة الأريوسية فقام بدور الأنبا أنطونيوس، وعندما زار الأسكندرية رأى فيها إمرأة شريرة متزينة، فنظر إليها وبكى بحرقة، وعندما سألوه عن سر بكائه قال: " أنا أبكي عليها وعلى حالي... أبكي عليها لأنها ماتت ‘ وأبكي على نفسي لأنني لا أملك غيرتها لإرضاء الرب كما تُرضي هذه المرأة الأشرار ".. واصطحب الأنبا بامو سبعة شيوخ من نتريا وإنضم اليهم الأنبا موسى الأسود من منطقة دير البراموس وذهبوا إلى منطقة دير أنبا مقار لأخذ بركة القديس العظيم أبو مقار الكبير، المصباح المنير، اللابس الروح، أب آباء جبل شيهات، وأب البطاركة، وفي سنة 373 م بعد أن أرضى الرب بأعماله الصالحة انتقل للأخدار السمائية وله من العمر سبعون عامًا.
أحد الرهبان: أريد أن أعرف كيف ومتى نشأت الرهبنة في منطقة جبل القلالي؟
_____
(2) الأب متى المسكين – الرهبنة القبطية صـ 199.
(3) المرجع السابق – صـ 199.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/macarius/st-bamo.html
تقصير الرابط:
tak.la/59gkvhd