س24: هل السيد المسيح كلمة الله مثله مثل أي كلمة نطق بها الله؟
ج: ليس السيد المسيح كلمة مثل أي كلمة نطق بها الله مثلما قال "ليكن نور " أو مثل الوصايا العشر أو مثل أقوال الله على لسان الآباء والأنبياء والرسل، فكل هذه الكلمات داخلة في إطار الزمن. أما المسيح كلمة الله هنا فهو أقنوم الكلمة، وهو فوق الزمن، وهو شخص حقيقي فعَّال أزلي، هو الخالق " بكلمة الرب صُنِعت السموات" (مز 33: 6) وهو الشافي " أرسل كلمته فشفاهم" (مز 107: 20).
والكلمة هنا في الأصل اليوناني لوغوس Logos من الفعل اليوناني ليجو ، ومن هذا الفعل جاء المنطق Logic، وهو غير النطق Pronunciation، فالمقصود بالكلمة هنا العقل الأعظم، والله وعقله هما واحد، لأن عقل الله كائن في الله منذ الأزل، وفي كل لحظة وإلى لا بُد. وقد استخدمت كلمة اللوغوس في الفلسفة اليونانية للتعبير عن العقل الكوني، فاللوغوس هو العقل الإلهي الكائن في الذات الإلهية منذ الأزل (راجع نيافة المتنيح الأنبا يؤانس - عقيدة المسيحيين في المسيح ص 34، 35) وقال أحد فلاسفة اليونان " إن الكلمة هو العقل الإلهي أو القوة المدبرة للكون" (51) وليس معنى هذا إن المسيحية استمدت عقيدة اللوغوس من الفلسفة اليونانية. قال القديس باسيليوس " الكلمة هنا ليس لفظًا يسري في الهواء يُولد بواسطة أعضاء الحديث (الحنجرة والفم).. ولكن الكلمة هو الذي كان مع الله في البدء وكان الله" (On the spirit ch. 16: 38) (52). وقال البابا ثاودوسيوس البطريرك الـ33 (528 - 559 م) " إني أعترف بالله الكلمة صورة الآب الحيَّة التي لها قوام، وأنه تجسد وصار إنسانًا... ونعلم أن الكلمة الذي هو إله طبيعي وهو الذي صار إنسانًا بالحقيقة ولم يزل إلهًا كما هو" (53).
وقال الإنجيل " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله" (يو 1: 1) وفي هذه الآية نجد إجابات لثلاث أسئلة تساعدنا في التعرف على أقنوم الكلمة وهي:
س أ: متى كان الكلمة؟.. كان الكلمة في البدء... البدء الذي ليس قبله بدء، والبدء هنا يساوي الأزل.
س ب: وأين كان الكلمة؟.. كان الكلمة عند الله الآب، أو نحو الله الآب، أو في حضن الآب " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب" (يو 1: 18) ولذلك لم يكف السيد المسيح عن تأكيد كينونته في الآب دائمًا وأبدًا، وقول الإنجيل هنا " والكلمة كان عند الله " لإظهار التمايز بين أقنوم الكلمة وأقنوم الآب، فهما أقنومان وليس أقنوم واحد.
س ج: من هو الكلمة؟ الكلمة هو الله " وكان الكلمة الله " ورغم إن الكلمة مؤنث لكن الإنجيل لم يقل وكانت الكلمة بل قال وكان الكلمة، لأن المقصود بالكلمة هنا ليس الكلمة المنطوقة إنما أقنوم الكلمة. وإن كان الإنجيل في العبارة السابقة " والكلمة كان عند الله " ميَّز بين أقنومي الابن والآب، فإنه في هذه العبارة " وكان الكلمة الله " يؤكد إن الأقنومين إله واحد وليس إلهين.
ويقول القديس أثناسيوس "فالآب والابن هما اثنان، ولكن ألوهيتهما واحدة، وغير منقسمة، وغير منفصلة، وهكذا يكون بدء واحد للاهوت وليس بدءين. من ثم فإن هناك أصلًا واحدًا، و" الكلمة " هو ابن بالطبيعة لهذا الأصل الواحد (الآب).. الابن من ذلك الأصل الواحد، هو ابن ذاتي، وحكمة ذاتية وكلمة ذاتي. لأنه كما يقول يوحنا في ذلك " في البدء كان الكلمة. والكلمة كان عند الله " لأن الله كان البدء (قبل الدهور) وحيث أن الكلمة هو منه، فلهذا أيضًا " كان الكلمة الله".. هو ليس اثنان حتى لا يكون بدءان. ومن البدء الواحد هناك ابن بالطبيعة، ابن حقيقي هو كلمته وحكمته وقوته، وغير منفصل عنه. وإذ ليس هناك جوهر آخر، لئلا يكون هناك بدءان... لأنه حيث إن البدء هو جوهر واحد، هكذا كلمته وحكمته واحد، وجوهري وكائن، ولأنه هو إله من إله، وحكمة من الحكيم، وكلمة من العاقل، وابن من الآب.
الابن هو وليد الآب ذاته بمعنى صحيح، كما في تشبيه النور، لأنه كما إن هناك نورًا من النار، هكذا الكلمة من الله، والحكمة من الحكيم، والابن من الآب... كما إن هناك أبًا حقًا، فإن هناك حكمة حقًا، ولهذا فإنهما اثنان، وليس الشخص نفسه هو آب وابن كما زعم سابيليوس. بل إن الآب آب والابن ابن وهما واحد... الكلمة غير منفصل عن الآب، كما إن الآب لم يكن ولا يكون بدون كلمة أبدًا. لذا قال الابن " أنا في الآب والآب فيَّ" (يو 14: 10)" (54) وذلك كقولنا النور مولود من النار، ولم تأتي لحظة كانت النار بدون نور ولا النور بدون نار، فهما في الحقيقة واحد.
كما قال القديس أثناسيوس أيضًا "فلنتساءل إذًا هل الله حكيم وليس بدون " كلمة " أم أنه بلا حكمة وبلا " كلمة"؟ فإن كان بلا " كلمة " ولا حكمة... فهذا حماقة وهذيان. وإن كان الله حكيمًا وناطقًا، فعلينا أن نسأل: كيف هو حكيم وناطق؟ هل يمتلك الكلمة والحكمة من خارج، أم من ذاته؟ إن كان من خارج، لا بُد أن يكون هناك شخص آخر قد أعطاها له، وقبل أن يأخذ كان بلا حكمة ولا " كلمة " أما إن كان ذا حكمة و" كلمة " من نفسه، فواضح إن الكلمة ليس من العدم، ولم يكن هناك وقت كان فيه غير موجود، بل كان موجودًا على الدوام" (55).
وكما إن الإنسان وكلمته واحد كذلك الله وكلمته واحد تمامًا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. كما إن النار والنور واحد. فيقول القديس أثناسيوس "إن الابن هو {كلمة} الآب و{حكمة} الآب. ومن هذين اللقبين نحن نستدل على نوع الصلة ومستوى الاشتقاق غير المنقسم وغير المتألم الكائن بين الابن والآب، وهذا ندركه بصورة ما على مستوى كلمة الإنسان فهي ليست جزءًا من الإنسان ولا هي تخرج من الإنسان بالألم فكم بالحري كلمة الله تكون؟
كذلك فإن الله يدعوه ابنه (تمامًا كولادة النور من النار) لئلا حينما يُكتفى بالقول أنه كلمة الله نظن أنه مثل كلمة الإنسان المجردة غير الشخصية. في حين أن لقب الابن يوضح أنه {الكلمة} ذو الكيان والوجود الشخصي وأنه حكمة ذاتية" (Athanas De Synod. 41) .
وقال الإنجيل " والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (يو 1: 14) في ملء الزمان تجسد أقنوم الكلمة وتأنس في شخص رب المجد يسوع المسيح إلهنا، وشهد الآباء الرسل بهذا " الذي كان من البدء. الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أُظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا" (1 يو 1: 1، 2).
وفي سفر الرؤيا رآه الرائي " وعيناه كلهيب نار وعلى رأسه تيجان كثيرة وله اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلاَّ هو. وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويُدعى اسمه كلمة الله" (رؤ 19: 12، 13).
_____
(51) أورده القس باخوم عبد المسيح في كتابه سر المسيح ص 16.
(52) أورده القس عبد المسيح بسيط في كتابه المسيح هو الإله القدير ص 30 .
(53) أورده الأسقف إيسيذورس في كتابه الخريدة النفيسة ج 2 ص 40.
(54) المقالة الرابعة ضد الأريوسيين ص 8 - 11.
(55) المقالة الرابعة ضد الأريوسيين ص 12.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/word-of-god.html
تقصير الرابط:
tak.la/wdx85yk