س 50: هل أخطأ الأنبياء جميعًا؟
ج: نعم. جميع الأنبياء أخطأوا بلا استثناء، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
1- ذكر خطية آدم أنه عصى ربه "وعصى آدم ربه فغوى" (طه 121) وشعر آدم وحواء بخطيئتهما "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين" (الأعراف 23) فالمعصية عقوبتها نار جهنم "ومن يعصى الله ورسوله فأعَّد له نار جهنم خالدين فيها أبدا" (سورة الجن 23).
2- ذكر استغفار نوح عن خطيته وخطية شعبه " ربّ أغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلاَّ تبارا" (نوح 28).
3- ذكر طمع إبراهيم في أن يغفر الله له خطيئته " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين" (الشعراء 82) فعندما حطم إبراهيم الأصنام، وسألوه عمن فعل هذا قال لهم كذبًا إنما فعل كبيرهم وقال المفسرون أنه لما كسر إبراهيم الأصنام دعاه نمرود الجبار وأشراف قومه، " وقالوا أأنت فعلت هذه بآلهتنا يا إبراهيم. قال بل فعله كبيرهم هذا فأسألوهم إن كانوا ينطقون" (الأنبياء 62، 63). كما ذكر القرآن أيضًا كذب إبراهيم في سورة الصافات "فنظر نظرة في النجوم. فقال إني سقيم" (الصافات 88، 89).. " وعن أبي هريرة إن رسول الله (ص) قال لم يكذب إبراهيم إلاَّ ثلاث كذبات اثنتين منهم في ذات الله قوله إني سقيم، وقوله فعله كبيرهم، وقوله لسارة هذه أختي حين أراد الجبار القرب منها" (رواه البخاري ومسلم).
4- ذكر أن يوسف أخطأ أو كاد يخطئ مع امرأة العزيز رئيس جيش فرعون "ولقد همَّت به وهمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء أنه من عبادنا المخلصين" (يوسف 24) وقال الجلالين " همَّ بها " قصد منها الجماع، وقال فخر الدين الرازي " قال الواحدي في كتاب البسيط إن المفسرين الموثوق بعلمهم المرجوع إلى رؤايتهم قالوا إن يوسف همَّ بهذه المرأة همًّا صحيحًا وجلس منها مجلس الرجل مع المرأة فلما رأى البرهان رجع. وما يثبت قوله {لنصرف عنه السوء والفحشاء}" (74) وذلك مع إننا من خلال سفر التكوين لم نشم أي رائحة خيانة من طرف يوسف الصديق.
5- ذكر خطية موسى عندما قتل الرجل المصري الذي كان في نزاع مع أحد اليهود، فقال فرعون لموسى "وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ. قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ" (سورة الشعراء 19، 20).
6- أشار إلى خطية داود مع زوجة أوريا الحثي وتوبته، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. فقال "وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخرَّ راكعًا وأناب. فغفرنا له ذلك" (سورة ص 24، 25).
وروى البغوي باسناد الثعلبي عن أنس بن مالك قال "سمعت رسول الله (ص) يقول إن داود النبي حين نظر إلى المرأة فهم، ففظع على بني إسرائيل. أوصى صاحب البعث فقال إذا حضر العدو فقرّب فلانا (زوج المرأة) بين يدي التابوت، وقد كان التابوت في ذلك الزمان يُتنصر به، ومن قَدِم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يُقتل أو يُهزم عنه الجيش، فقُتل زوج المرأة.
وقال النسفي في تفسيره المسمى (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) وقال غيره أيضًا أتفق إن داود وقعت عينه على امرأة فأحبها، فسأله النزول عنها، فاستحى أن يرده، ففعل فتزوجها، وهي أم سليمان، فقيل له أنه من عظم منزلتك وكثرة نسائك لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلًا ليس له إلاَّ امرأة واحدة للنزول عنها لك بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما ًامتحنت به...
وقال ابن عباس وغيره فمكث داود أربعين ليلة ساجدًا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، وأكلت الأرض من جبهته، وهو يقول في سجود ربّ زلَّ داود زلةً أبعد ما بين الشرق والغرب. ربّ إن لم ترحم ضعف داود ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثًا في الخلق من بعده فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة، فقال يا داود إن الله تعالى قد غفر لك الهم الذي همت به فقال عرفت إن الله عدل لا يميل.
وروى الأوزاعي عن محمد قال: إن مثل عيني داود كالقربتين ينقطان ماء، ولقد خدت الدموع في وجهه كخديد الماء في الأرض. وقال وهب بن منبه أيضًا: لما تاب الله على داود قال يا رب غفرت لي فكيف لي لا أنسى خطيتي فاستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة، فرسم الله تعالى خطيئته في يده اليمنى فما رفع فيها طعامًا ولا شرابا إلاَّ بكى إذ رآها... إلخ...
وروى الحسن قال: كان داود بعد الخطية لا يجالس إلاَّ الخاطئين يقول: تعالَ إلى داود الخاطئ، ولا يشرب شرابًا إلاَّ مزجه بدموع عينيه، وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قطعه فلا يزال يبكي عليه حتى يبتل بدموع عينيه وكان يذر عليه الملح والرماد فيأكل ويقول هذا أكل الخاطئين" (75).
7- ذكر خطية سليمان الحكيم فيقول " إذ عُرِض عليه بالعشى الصافنات الجياد. فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب... قال ربي أغفر لي" (صورة ص 31 - 35) وقال المفسرون إن الخيل ألهته وشغلته عن ذكر الله والصلاة حتى ذبحها (راجع الكشاف والرازي).
8- ذكر خطية يونس (يونان) فقال "فالتقمه الحوت وهو مُليم فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون" (الصافات 142 - 144).
|
|
9- ذكر القرآن إن الله طلب من محمد أن يستغفر عن ذنبه فقال "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم" (محمد 19) وذكر أيضًا إن الله رفع عنه وزره " أَلم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك" (الشرح 1 - 3) وذكر أنه كان ضالًا، والمقصود بالضلال عبادة الأصنام " أَلم يجدك يتيمًا فآوى. ووجدك ضالًا فهوى" (الضحى 6، 7) ووعده الله بالمغفرة لخطاياه المتقدمة والمتأخرة " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر ويتمُّ نعمته عليك ويهديك صراطًا مستقيما" (الفتح 3) وحذره من طاعة الكافرين " يا أيها النبي إتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليمًا حكيمًا (الأحزاب 1).
وأشار القرآن إلى خطية محمد عندما مدح أصنام قريش، فجاء في سورة الحج قوله " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاَّ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم" (الحج 52) و" قال ابن عباس وتبعه المفسرين سواء كانوا متقدمين أو متأخرين لما رأى محمد (ص) تولى قومه عنه، وشق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاء به من الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب بينه وبين قومه لحرصه على إيمانهم. فكان يومًا في مجلس لقريش فأنزل الله سورة النجم فقرأها محمد (ص) حتى بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى (ألقى الشيطان على لسانه ما كان يُحدّث به نفسه ومعناه) وهو (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى محمد (ص) في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلاَّ سجد، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، ويقولوه قد ذكر محمد (ص) آلهتنا بأحسن الذكر، وقالوا قد عرفنا إن الله يحيي ويميت ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإن جعل محمد (ص) لها نصيبًا فنحن معه، فلما أمسى الرسول آتاه جبريل فقال يا محمد (ص) ماذا صنعت؟ قد تلوت على الناس ما لم آتيك به عن الله، فحزن محمد (ص) حزناَ شديدًا، وخاف من الله تعالى خوفًا كبيرًا، فأنزل الله هذه الآية " وما أرسلنا من قبلك رسولًا ولا نبي إلاَّ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان... إلخ...
وورد في الحديث إن محمد (ص) قال أنه ليغان على قلبي (أي الشيطان يغشى قلبه) فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة.
ولما كان محمدًا (ص) شاعرًا بأنه كغيره من البشر قال إن ملاكين شقا بطنه وأخرجا الغل والحسد منه. قال "جاءني رجلان، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه، فأضجعني لحلاوة القفا. ثم شقا بطني، فكان يختلف بالماء في طست من ذهب، والآخر يغسل جوفي ثم شق قلبي فقال: أخرج الغل والحسد منه، فأخرج منه العلقة السوداء، وهي خط الشيطان، وهي مغمزة لأنها محل الغل والحسد، وقالوا أنها تكررت هذه العملية نحو خمس مرات، فإن العلقة كانت مجزأة إلى أجزاء" (76).
وقال أبو هريرة " كان رسول الله يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاته قال أحسبه قال هنية، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله بإسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول. قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم أغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد" (77).
وقالت عائشة " كان النبي يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم أغفر لي" (78).
وهكذا نجد خطايا الأنبياء واضحة في القرآن، حتى إن الفقهاء وجدوا صعوبة في التوفيق بين خطايا الأنبياء وعصمتهم، فقال بعضهم إن عصمة الأنبياء تبدأ من تاريخ وصول الوحي لهم أما الفترة السابقة على نزول الوحي فإنها لا تخلو من الأخطاء، وقال البعض إن الأنبياء عمومًا معرضين للخطأ إلاَّ في حالة واحدة، وهي استقبالهم وإبلاغهم الرسالة الإلهية لشعوبهم.
_____
(74) أورده ثروت سعيد في كتابه حقيقة التجسد ص 39.
(75) أورد القمص مرقس عزيز خليل في كتابه استحالة تحريف الكتاب المقدس طبعة ثالثة ص 143، 144.
(76) أورده القمص مرقس عزيز خليل في كتابه استحالة تحريف الكتاب المقدس طبعة ثالثة ص 144، 145 .
(77) صحيح البخاري ج 1 ص 136.
(78) المرجع السابق ج 1 ص 144.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/divinity-of-christ/prohets-sin.html
تقصير الرابط:
tak.la/qyyf7hy
