س40: هل يمكن أن تكون القيامة صدى للأساطير والخرافات الوثنية التي انتشرت في العالم حينذاك؟
ج: قال "هيرمان صموئيل ريماروس": (1694 ـ 1768م) وهو أحد رواد حركة النقد في ألمانيا أن قصة القيامة من اختراع التلاميذ الذين كانوا لا يريدون العودة إلى عملهم، وقال آخرون أن التلاميذ نقلوا قصة القيامة من الأساطير الوثنية كما نادى بهذا كل من: محمد طاهر في كتابه العقائد الوثنية في الديانة النصرانية ص 157 ـ 163، والشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الديانات القديمة ص 37 ـ 60، والشيخ محمد رشيد رضا في كتابه عقيدة الصلب والفداء ص 117 ـ 128 ودكتور محمد وصفي في كتابه المسيح بين الحقائق والأوهام ص 136 ـ 144، ودكتور أحمد شلبي في كتابه المسيحية ص 176 ـ 184، ودكتور سيد القمني في كتابه الأسطورة والتراث ص 82 ـ 83 (راجع د. فريز صموئيل ـ قيامة المسيح حقيقة أم خدعة ص 173).
والافتراض السابق بأن القيامة من اختراع التلاميذ أو نقلًا من الأساطير الوثنية افتراض مرفوض للأسباب الآتية:
أ ـ موضوع القيامة كان بعيدًا عن ذهن التلاميذ، فعندما أخبرهم السيد المسيح عن آلامه وصلبه وقيامته: "وأمَّا هُم فلم يفهَمُوا من ذلك شيئًا، وكان هذا الأمر مخفي عنهم ولم يعلموا ما قيل" (لو 18: 34) وتفرَّق التلاميذ بعد الصلب فمنهم مَن عاد إلى خاصته، ومنهم من انكفأ في مخبئه خوفًا أن يلقى نفس مصير مُعلّمـه، وحالة التلاميذ هذه لا يمكن أن تسمح لهم باختراع قصص أو نقل أساطير، وخلال عدّة أيام عاد بعضهم إلى عمله جزئيًا، فبطرس قال: "أنا أذهب لأتصيَّد" (يو 21: 3) فذهب معه ستة من التلاميذ وظهر لهم المسيح على بحيرة طبرية (يو 21: 4 ـ 8).
ب ـ أيهما أيسر أن يعود التلاميذ إلى عملهم ويعيشون في سلام وأمان، أم أنهم ينادون بقيامة المسيح ويتحملون في سبيل هذا كل مشقة وعناء وتعب واضطهاد يصل إلى سفك الدماء.
ج ـ كان التلاميذ جميعهم من اليهود البسطاء صيادي السمك الذين لم يرحلوا من دولتهم إلى دول أخرى، فلم يذهب أحدهم إلى بلاد الهند، أو بلاد اليونان، ولم يأتِ أحدهم إلى مصر حتى نستطيع أن نقول أنهم جابوا البحار مثل التجار وتعرفوا على حضارات وأساطير الآخرين وتشبعوا بها ونقلوا عنها. أنهم جماعة بسيطة من اليهود نشأوا في بيئة بعيدة كل البعد عن الأساطير.
د ـ لم يكن التلاميذ من أصحاب الجاه أو المال أو السلطة الذين يسعون إلى أهداف معينة، ويحاولون تحقيقها عن طريق الحكايات والأساطير. إنما كانوا من الناس البسطاء الفقراء، ولم يرموا إلى أي كسب مادي أو معنوي من شهادتهم للمسيح المصلوب القائم. بل بالعكس قد تعرّضوا إلى استهزاء الأمم ومقت الرياسات الدينية عليهم، ومع ذلك أصروا على الشهادة بما عاينوه، فيوحنا الإنجيلي يقول: "الذي كان من البدء، الذي سَمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمَسَته أيدينا... الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به" (1يو 1: 1، 3)، ويقول بطرس الرسول: "أنا المسيح رفِيقَهُم، والشاهد لآلام المسيح" (1بط 5: 1)، ويقول بطرس ويوحنا: "لأننـا نحن لا يمكننـا أن لا نتكلّـم بمـا رأينـا وسَمِعنا" (أع 4: 20).
هـ ـ الخرافة أو الأسطـورة لا تخـرج إلى حيـز الوجـود وتثبت في أذهان الناس في عدّة أيام، فمن المستحيل أن السيد المسيح يموت يوم الجمعة ويخترع التلاميذ أو غيرهم قصة قيامة المسيح يوم الأحد التالي، فالخرافة تحتاج إلى عدة أجيال لكيما تثبت، ولكن قصة القيامة انتشرت في ثلاثة أيام، وبدأ التلاميذ يكرزون بها في اليوم الخمسين.
و- لا يمكن أن أخلاق التلاميذ الذين تتلمذوا على يد معلم الفضيلة الأول الإله المتأنس تسمح لهم على الإطلاق بالكذب والخداع واختراع أساطير أو نقلها والتبشير بها على أنها حقائق، وهل يُعقَل أن التلاميذ الذين غيَّروا القيّم الأخلاقية في العالم كله يكونون ذو أخلاق فاسدة؟!.. إن حياتهم المقدَّسة تُكذّب كل من يقول بخداعهم.
ز ـ جاءت قصة القيامة في الإنجيل بأسلوب بسيط في سياق الأحداث دون تعليق أو تفخيم أو تمجيد دلالة على صحتها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فلو كانت قصة القيامة من تأليف أحد من الرسل لذكر الطريقة التي قام بها السيد المسيح، والطريقة التي خرج بها من الأكفان ومن القبر، ولذكر معجزات عظيمة صاحبت القيامة مثل ظهوره للحراس بنور أقوى من نور الشمس، وكذلك ظهوره لبيلاطس ولمن صلبوه، ولم يكن يذكر ضعف إيمان التلاميذ، وإن النسوة قد سبقوهم في رؤية المسيح القائم والإيمان به، ولو كانت القصة من وحي الخيال ما كان يخطر على بال الكاتب أن يسمح للنسوة بالسجود للمسيح، ثم بعد ذلك يمنع السيد المسيح مريم المجدلية من لمسه، وما كان يذكر تحرُّك يوحنا وبطرس إلى القبر، ثم أن يوحنا يترك بطرس ويركض تجاه القبر ولم يدخل حتى جاء بطرس ودخل القبر أولًا... إلخ (راجع عوض سمعان ـ قيامة المسيح والأدلة على صدقها ص 12 ـ 24).
ح ـ قصة موت المسيح الفدائي وقيامته كما وردت في الإنجيل ليس لها شبيه في الديانات والمعتقدات الأخرى.
ط ـ انتشرت تعاليم الرسل وامتدت حتى وصلت إلى روما في القرن الأول الميلادي، ويومًا فيومًا قوضت أركان الإمبراطورية الرومانية والفلسفة اليونانية، فلو كانت هذه البشارة كاذبة فكيف نجحت بهذه الصورة؟! وكيف أيدها اللَّه بالمعجزات الباهرات؟ ما أجمل شهادة بطرس الرسول بعد شفاء الأعرج من بطن أمه عندما قال لليهود: "ما بالكم تتعجَّبون من هذا؟ ولماذا تشخَصُون إلينا، كأننا بقوَّتنا أو تقوَانا قد جَعَلنا هذا يمشي؟ إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا، مجَّد فتاه يسوع، الذي أسلمتُمُوه أنتم وأنكرْتُمُوه أمام وجه بيلاطُس، وهو حاكِمٌ بإطلاقِهِ. ولكن أنتم أنكرتُم القدُّوس البار... ورئيس الحياة قتلتُمُوه، الذي أقامَهُ اللَّه من الأموات، ونحن شهودٌ لذلك" (أع 3: 12 ـ 15).
ي ـ لو خَدَع التلاميذ العالم كله فلن يخدعوا أنفسهم، وعندما توضع حياتهم في كفّة وشهادتهم في الكفة الأخرى، فإنهم لو كانوا خادعين لرجحوا كفّة حياتهم وفازوا بالحياة مقابل تخليهم عن الكرازة بالمسيح المصلوب القائم، ولكن هذا لم يحدث قط.
ك ـ شهد القرآن لصدق التلاميذ الحواريين، وأن اللَّه أوحى إليهم ما يكتبون فقال: "وإذا أوحيتُ إلى الحواريّن" (المائدة 111)، وعيسى "قال من أنصاري إلى اللَّه قال الحواريون نحن أنصار اللَّه آمنّا باللَّه... ربنا آمنَّا بما أنزلتَ واتبعنا الرسول فأكتبنا مع الشاهدين" (آل عمران 52، 53).. "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار اللَّه كما قال عيسى ابن مريم للحوارين: مَن أنصاري إلى اللَّه قال الحواريون نحن أنصار اللَّه" (الصف 14).
وشَهِدَ المفكّر الكبيـر الأستاذ محمـود عباس العقـاد لصدق التلاميذ فقال: "ومن بدع (أهـل) القرن العشرين سهولة الاتهام، كلما نظروا في تواريخ الأقدمين، فوجدوا في كلامهم أنباء لا يسيغونها وصفات لا يشاهدونها ويعقلونها. ومن ذلك إتهام الرسـل بالكذب فيما كان يثبتونه من أعاجيب العيان وأعاجيب النقل. ولكننا نعتقد أن التاريخ الصحيح يأبى هذا الاتهام، لأنه أصعب تصديقًا من القول أن أولئك الدعاة أبرياء من تعمُّد الكذب والاختلاق. فشتان ما بين عمل المؤمن الذي لا يبالي الموت تصديقًا لعقيدته، وعمل المحتال الذي يكذب، ويعلم أنه يكذب، وأنه يدعو الناس إلى الأكاذيب. مثل هذا لا يَقدُم على الموت في سبيل عقيدة مدخولة، وهو أول من يعلم زيفها وخداعها، وهيهات أن يوجد بين الكذبة العامدين من يستبسل في نشر دينه كما استبسل الرُّسل المسيحيون. فإذا كان المؤلّف الصادق من يأخذ بأقرب القولين إلى التصديق، فأقرب القولين إلى التصديق أن الرسل لم يكذبوا فيما رَووه، وبينما قالوا أنهم رأوه، أو سمعوه ممن رآه. وليس بالمخالف للمعهود في كل زمان أن يصدّق الإنسان عيانًا ما يصدِّقه في قرارة نفسه، وبخاصة حين يجمع الألوف على تصديقه ولا يوجد بين قائليه وسامعيه مَن يحسبه من المستحيل. وليذكر أدعياء التمحيص في عصرنا هذا أننا نطلب من الرجل في القرن الأول الميلادي أن يُكذّب إنسانًا لغير سبب وهو يطمئن إليه ولا يتهمه بالتلفيق والاختلاف... ولكن لم يحدث قط إقبال كذلك الإقبال الجارف الذي تلقي به الناس رسل المسيحية، لأنهم تلقوهـم بنفوس مقفرة متعطشة، ونظروا أمامهم فرأوا قومًا مثلهم يؤمنون غير مكترثين لما يصيبهم وغير متهمين في مقاصدهم. فأصغوا إليهم وآمنوا كإيمانهم"(222).
وقال الأستاذ "محمود عباس العقاد" أيضًا ردًا على القائلين بأن المسيحية نُقِلت من أساطير الأولين: "قد تعب أصحاب المقارنات والمقابلات كثيرًا في اصطياد المشابهات هنا وهناك، ولم يكلّفوا أنفسهم جهدًا قط فيما هو أولى بالجهد والاجتهاد وهو استخدام المقارنات والمقابلات لإثبات سابقة واحدة مطابقة لما يفرضونه من نشأة المسيحية، فمتى حدث في تاريخ الأديان أن أشتاتًا مبعثرة من الشعائر والمراسم تُلفق نفسها وتخرج في صورة مذهب مستقل دون أن يعرف أحد كيف تلفقت وكيف انفصلت كل منها من عبادتها الأولى؟ ومن هو صاحب الرغبة وصاحب المصلحة في هذه الدعوة؟ وأي شاهد على وجوده في تاريخ الدعاة المعاصرين لسنة الميلاد؟ وكيف برز هذا العامل التاريخي الديني الخطير على حين فجأة قبل أن ينقضي جيل واحد؟ ولماذا كان يخفي مصادر الشعائر والمراسم الأولى ولا يعلنها إلاَّ منسوبة للسيد المسيح" (حياة المسيح ص 93)(223).
_____
(222) عبقرية المسيح ص 188 ـ 190.
(223) أورده د/ فريز صموئيل في كتابه "القيامة حقيقة أم خدعة" ص 178، 179.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/resurrection-myths.html
تقصير الرابط:
tak.la/4zaxgv9