س65: ما دام السيد المسيح رفع حكم الموت عنا، فلماذا نموت للأبد؟
ج: قال اللَّه لآدم "وأمَّا شجرة مَعرفة الخير والشَّر فلا تأكُل منها، لأنك يوم تأكُل منها موتًا تموت" (تك 2: 17) وعندما حطّم آدم الوصية وأكل من الشجرة سرى عليه حكم الموت... الموت الروحي الأبدي بانفصاله عن اللَّه، فانفصلت الصورة عن الأصل، وفقد الإنسان رجاءه في الحياة الأبدية، والموت الأدبي إذ فقد آدم سلطانه وهيبته وكرامته وأحس بالعري والخزي وأصبح ذليلًا يأكله الندم ولا تفيده الدموع، وأيضًا سقط آدم في الموت الجسدي فمن اللحظة التي مدَّ فيها يده ليمسك بالثمرة المحرَّمة ليأكلها بدأت عوامل الانحلال تدب في جسده، وتسلّط الشيطان على الإنسان فكل نفس تنطلق من الجسد يقبض عليها الشيطان ويودعها في سجن الجحيم، ولذلك يقول أبونا يعقوب لأولاده: "تُنزلون شَيْبَتي بحُزن إلى الهاوية" (تك 42: 38) وقـال داود النبي: "لن تترُك نفسي في الهاوية" (مز 16: 10).
وبموت المسيح رُفع عنا حكم الموت...
فخلّصنا من الموت الروحي إذ عاد السلام بين الإنسان واللَّه، إذ اتّحدت طبيعتنا البشرية بطبيعته الإلهية و"صُولِحْنا مع اللَّه بموت ابنه" (رو 5: 10).. "ونحن أموات بالخطايا أحيَانا مع المسيح" (أف 2: 5) وصارت لنا الحياة الأبدية "لأنه هكذا أحبَّ اللَّه العالم حتى بَذَل ابنه الوحيد، لكي لا يَهلِكَ كل من يؤمن بِهِ، بل تكون له الحياة الأبديَّة" (يو 3: 16).
كما خلّصنا مـن الموت الأدبي لأنه أي شرف لنا أن يلبس اللَّه جسد طبيعتنا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لقد رد لنا الكرامة التي فقدناها وأكثر منها مرات لا نهائية، وأعطانا أن نكون أبناءً له، ومسكنًا لروحه القدوس.
أمّا الموت الجسدي الذي نجوز فيه الآن فقد تغيَّر معناه ومفهومه، فقبل الفداء كان يُعتبر عقوبة حيث ينتقل الإنسان إلى سجن الجحيم سواء كان الإنسان شريرًا أو صالحًا. أما الموت الآن فهو يُعتبر غنيمة، فهو القنطرة الذهبية التي تنقلنا من الأرض إلى الفردوس... قبل الفداء كان القبر مقرًا لنا، أما الآن فهو محطًا للانطلاق إلى الأبدية... قبل الفداء كان الموت مكروهًا: "أقول يا إلهي، لا تَقْبضني في نِصف أيّامي" (مز 102: 24) أمَّا الآن فنقول مع بولس الرسول: "لي اشتهاءٌ أن أنطَلِقَ وأكون مع المسيح، ذاك أفضَلُ جدًا" (في 1: 23).. قبل الفداء كان الموت شوكة. أما الآن فنصرخ مع الرسول "أين شوكَتُكَ يا موت؟ أين غلبَتُكِ يا هاوية" (1كو 15: 55).
بالموت نخلع الجسد الفاسد لكيما نقوم بالجسد الممجَّد "يُزرع في فَسَادٍ ويُقَام في عَدم فسادٍ. يُزرَع في هوان ويُقام في مَجْدٍ. يُزرع في ضَعْفٍ ويُقام في قوَّة. يُزرع جسمًا حيوانيًّا ويُقام جسمًا روحَانيًّا" (1كو 15: 42 ـ 44).
تصوَّر عالمنا هذا بدون موت... كيف يتسع لكل الناس؟ وعندما يتقدَّم الإنسان في العمر ويتعرَّض للضعفات والأمراض مَن سيخدمه؟... حقًا إن الموت هو رحمة لنا، ويقول قداسة البابا شنوده الثالث: "إذًا لا يعتبر هذا الموت الجسدي عقوبة. إنه مجرّد جسر ذهبي نصل به إلى الأبدية السعيدة. بل إن هذا الذي يُسمّى موتًا، له فضل كبير علينا، إذ بدونه سنبقى في هذه الطبيعة الجسدية الفاسدة. ولكننا به سنؤهّل إلى طبيعة أسمى".
فهو الطريق إلى خَلع الفساد ولبس عدم الفساد. إن اللَّه المحب لا يريد لنا أن نبقى في هذه الطبيعة التي فسدت بالخطية، ولا يريد لنا أن نبقى في هذه الطبيعة القابلة للموت، والقابلة للانحلال، الطبيعة التي تجوع وتعطش وتتعب وتمرض والتي يمكن أن تخطئ لذلك يشاء بمحبته أن ينقلنا منها إلى حالة أفضل...
إذًا الموت طريق طبيعي، يوصلنا إلى أمجاد القيامة. بحيث لو بقينا في هذه الطبيعة الحالية ـ بدون موت ـ لصارت خسارة كبيرة لنا. فليس صحيحًا إذًا أن ننظر إلى الموت كعقوبة، وإنما كتغيير إلى طبيعة أفضل. لنفرض إذًا أن الرب ألغى هذا الموت الجسدي كنتيجة للخلاص، فما هي النتيجة المنتظرة لذلك؟
هل تظنون أن البقاء في هذا الجسد المادي الترابي هو الوضع المثالي للإنسان؟ طبعًا بكل ما يحمله هذا البقاء، من شيخوخة كلها ضعف ومرض يشكو منها صاحبها، كما يشكو كل الذين حوله... لا شك أن الوضع المثالي للإنسان، هو الجسد النوراني الروحاني، الذي يقوم في قوة وفي مجد، وفي عدم فساد، وهذا ما أراده لنا اللَّه بالموت"(407) ورغم أن السيد المسيح مات ورفع عنا عقاب الخطية لكنه بحكمة ترك لنا أتعاب الجسد وآلام الولادة لتذكّرنا دائمًا بقيمة الفداء الذي صنعه مُخلّصنا الصالح.
_____
(407) أسئلة لاهوتية وعقائدية ص 73، 74.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/our-death.html
تقصير الرابط:
tak.la/v5qf29c