3ـ نبوات العهد القديم تحكي لنا حكاية الصليب:
س7: كم عدد النبوَّات التي وردت بالعهد القديم؟ وما هي أهم الملاحظات العامة عليها؟
ج: ورد بالكتاب المقدَّس نحو 1500 نبوَّة، منها أكثر من ثلثمائة نبوَّة تخصّ السيد المسيح، وقد تحقَّق منها نحو ثلاثين نبوَّة في الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض بالجسد، وهناك ملاحظات على النبوَّات التي وردت في العهد القديم بوجه عام يجب أن نلتفت إليها وهي:
1ـ هذه النبوَّات جاءت بوحي من الروح القدس لرجال اللَّه القديسون: "لأنه لم تأتِ نبوَّةٌ قطُّ بمشيئة إنسانٍ، بل تكلَّم أُناس اللَّه القدِّيسون مَسوقين من الروح القدس" (2بط 1: 21).
2ـ كُتبت هذه النبوّات خلال مدة زمنية طويلة تصل إلى ألف وخمسمائة عام بيد أنبياء مختلفين عاشوا في عصور مختلفة، فموسى النبي لم يرَ داود النبي، وداود النبي لم يرَ إشعياء النبي، وإشعياء النبي لم يرَ ملاخي النبي... عاش هؤلاء الأنبياء في بيئات مختلفة، وكانت لهم ثقافات متباينة، وأعمارهم مختلفة، ورغم كل هذا فأنهم جميعًا أجمعوا على سقوط الإنسان في الخطية، ولا خلاص منها إلاَّ بالمسيا المُخلّص الفادي، فراحوا يسلّطون الأضواء على جوانب حياته، من ميلاده إلى صعوده، ولا سيما العمل الفدائي الذي سيقوم به.
3ـ هذه النبوّات حُفِظَت في أيدي اليهود الذي قال عنهم المؤرخ اليهودي يوسيفوس في القرن الأول الميلادي: "يهون على كل يهودي أن يفدي مكتوباتهم المقدَّسة بروحه"(24)، وقال الفيلسوف باسكال: "إنه لا يوجد إخلاص بين الأمم مثل الإخلاص عند اليهودي في المحافظة على الأسفار الإلهية".
4ـ هذه النبوّات هي في أيدي اليهود، وأيضًا في أيدي المسيحيين منذ نشأة الكنيسة، ولذلك يستحيل أن تعبث بها يد أحد من هؤلاء أو أولئك، لأنه لو عبث بها اليهود فإن المسيحيين لن يصمتوا. بل أنهم سيكشفون هذا الزيف والتحريف، والعكس أيضًا صحيح تمامًا.
5ـ هذه النبوّات رغم أنها تخصّ أمور مستقبلية إلاَّ أنها جاءت في أوقات كثيرة في صيغة الماضي، كعلامة على تأكيد حدوثها.
6ـ بعض هذه النبوّات لا تلتزم بالترتيب الزمني للحوادث، فقد تشمل النبوّة أكثر من حدث، فمثلًا ما ورد في مت 24 من حديث للسيد المسيح فأنه يضم عدّة نبوّات معًا عن نهاية العالم، واضطهاد العالم لأخصائه، وخراب أورشليم.
7ـ بعض هذه النبوّات تُفهم وكأنها تخصّ الزمن الذي كُتِبَت فيه بطريقة مباشرة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فمثلًا النبوّة التي ذكرها إشعياء النبي: "ولكن يُعطِيكُم السيد نفسُهُ آيةً: ها العذراء تحبَلُ وتَلِدُ ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل. زُبدًا وعسلًا يأكُل متى عَرَف أن يرفُض الشر ويختار الخَير. لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفُض الشر ويختار الخير، تُخلى الأرض التي أَنت خاشٍ من ملكيها" (إش 7: 14 ـ 16)، وعندما وُلِدَ لإشعياء ابن يقول: "فقال لي الرب: ادْعُ اسمه مَهير شَلاَل حاش بز. لأنه قَبل أن يعرف الصبي أن يدعُو: يا أبي ويا أمي، تُحمَل ثروةُ دمَشق وغنيمة السامرة قُدّام ملك أشور" (إش 8: 3، 4) وكانت دمشق والسامرة هما اللتان تهددان أورشليم، وأيضًا انطبقت النبوّة جزئيًا على ولادة السيد المسيح من العذراء مريم. أي أننا نستطيع أن نقول أن بعض النبوّات لها تحقيقان، تحقيق في الزمن القريب، والآخَر في الزمن البعيد.
8 ـ لقد ورد اسم "المسيح" صراحة في بعض النبوّات "وبعد اثنين وستّين أسبوعًا يُقطَعُ المسيح" (دا 9: 26) أمّا اسم "يسوع" فإن البعض يرى أنه ورد في العهد القديم مرارًا وتكرارًا في كلمات الخلاص، فقول يعقوب: "لخلاصِكَ انتظرت يارب" (تك 49: 18) يمكن ترجمتها إلى "ليشوعك (أو ليسوعك) انتظرت يارب"، وعندما قال المرنم "أُنقِذُه وأمَجِّدًه. من طول الأيام أُشبِعُه وأُريه خلاصي" (مز 91: 15، 16) يمكن ترجمة العبارة الأخيرة إلى: "وأريه يسوعي"، وقول إشعياء: "هوذا اللَّه خلاصي فأطمئنُّ ولا أرتَعِبُ لأن ياه يهوه قوَّتي وترنيمَتي وقد صار لي خلاصًا" (إش 12: 2) يمكن ترجمتها إلى "هوذا اللَّه يسوعي فأطمئن... وقد صار لي يسوعًا"، وفي إحدى المرات دار حوار بين أحد أساتذة اللغة العبرية اليهود مـع أحد المسيحيين، فاحتج اليهودي بأن اسم "يسوع" لم يرد ولا مرة في العهد القديم، فطلب منه المسيحـي أن يترجم (إش 62: 11) من العبرية إلى الإنجليزية، فجاءت ترجمته كالآتي: "هوذا الـرب قد أخبـر إلى أقصـى الأرض قولـوا لابنة صهيون هوذا يشوعـك (مخلصـك) آتٍ ها أُجرته معه وجزاؤه أمامه" وحينئذٍ اندهش الأستـاذ اليهـودي لأن "يشوعك" هـو "يسوعك" هو "مخلصك"، وبنفس المعنى يمكن فهم كلام سمعان الشيخ: "لأن عيني قد أبصرتا يسوعك" (لو 2: 30).
أما ادعاء البعض أن انطباق النبوّات على شخص السيد المسيح هو صدفة بحتة، كقول جمال الدين الأفغاني بأننا فصَّلنا قميصًا من تلك الكتب وألبسناه للمسيح (عقيدة الصلب والفداء. الشيخ محمد رشيد رضا جـ 3 ص 34، 35)(25) فهو قول مردود عليه، لأن خبراء الرياضيات يخبروننا بأن احتمال انطباق (8) نبوات على شخص واحد تمثل فرصة واحدة من 10 17 (أي واحد وأمامه 17 صفر) ولتصوُّر هذا الرقم ضرب جوش مكدويل مثالًا توضيحيًا، فقال أن 10 17 تساوي كم من الدولارات الفضية التي تكفي لفرش أرضية ولاية تكساس بالكامل وبارتفاع 60 سم، ولك أن تضع علامة على دولار واحد من هذا الكم الهائل، وتخفيه حيثما تشاء، ويأتي آخَر لا يعلم مكان هذا الدولار وعليه من أول مرة يمد يده أن يخرج بهذا الدولار، هذا هو ما يساوي انطباق (8) نبوات على شخص واحد فكم وكم بثلثمائة نبوَّة أو أكثر انطبقت جميعها على شخص السيد المسيح له المجد... أنه الإعجاز بعينه.
كما نقول أن الأشخاص الأمناء من اليهود أنفسهم فسَّروا هذه النبوّات على أنها تخصّ شخص السيد المسيح كما فعل متى البشير وغيره، وقال أحد هؤلاء الأمناء من اليهود: "كنت أذهب إلى المجمع، ولكنني كنت أسأل نفسي: هل يهتم اللَّه بالطعام الذي آكله؟ وما أهمية الصوم وحفظ التقاليد؟ هل كل ما في الحياة مال وماديات وجنس وشهوة..؟ وقرأت في الكتب المقدَّسة أن اللَّه سيرسل ذبيحة كاملة للتكفير عن خطاياي اسمه (المسيا) ولكن كيف أعرف أن هذا هو المسيا؟ وجدت النبوّات تقول أنه سيولَد في بيت لحم في اليهودية، من عذراء، ويموت مصلوبًا ثم يقوم من الموت. وجدت أن شخصًا واحدًا في التاريخ تنطبق عليه كل هذه الصفات اسمه يسوع. وفي غرفتي ركعت وصليـت: "أيها المسيا إن كنت موجودًا، تعال إلى قلبي وحياتي، وطهّرني بدم كفارتك، فإذ بي كشخص كان في حجرة مظلمة، وأضاء أحدهم النور فجأة وكأن اللَّه الذي يبعد عني ملايين الأميال صار أقرب لي من أبي وأختي ويدي، بل أقرب من تنفسي. ووجدت السلام والهدف لحياتي والحق الذي كنت أفتش عنه"(26).
_____
(24) الشماس الإكليريكي ناجي ونيس ـ حقائق الإيمان المسيحي ص 28.
(25) أورده د/ فريز صموئيل في كتابه موت أم إغماء ص 290.
(26) جوش مكدويل ـ برهان يتطلب قرارًا ص 386، 387.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/old-testament-prophesies-number.html
تقصير الرابط:
tak.la/3nmmqpt