ج: 1- نعم وبكل تأكيد، فإن كان هناك نصًا واحدًا مبهمًا ويحتمل اللبس (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم) -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- فإن هناك عدّة نصوص تؤكد بشكل قاطع وصريح جدًا حقيقة موت المسيح نفسه على الصليب وليس شخصًا آخر، ومن هذه النصوص ما يلي:
أ - في سورة مريم آيتان تتحدث الأولى عن يوحنا المعمدان (يحيى) والثانية تتحدّث عن السيد المسيح... لاحظ ترتيب وتطابق الآيتان وتكرار نفس الألفاظ " وسلام عليه (يحيى) يوم وُلِد ويوم يموت ويوم يبعث حيًّا" (مريم 15). "والسلام عليَّ (المسيح) يوم وُلدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعثُ حيَّا" (مريم 34) يوحنا وُلِد واستشهد على يد هيرودس الملك الطاغية وسوف يبعث حيًّا في اليوم الأخير، وأيضًا السيد المسيح وُلِد، ومات صلبًا على يد بيلاطس البنطي، وقام من بين الأموات في اليوم الثالث.
ب - في سورة آل عمران 55 يتحدّث عن موت السيد المسيح "إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ من الَّذِينَ كَفَرُواْ وجَاعِلُ الذين اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الذين كَفَرُواْ إلى يوم القِيَامَةِ ثُمَّ إليَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فيما كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"، وقد اتفق المسفرون على أن "الوفاة" هنا تعني الموت، فقال الإمام البيضاوي: "يا عيسى إني متوفيك"، قيل أماته اللَّه سبع ساعات، ثم رفعه إلى السماء وإليه ذهبت النصارى، ورافعك إليَّ إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي".
وقال محمد بن إسحق "إن معنى متوفيك مميتك... المسيح تُوفي سبع ساعات، ثم أحياه اللَّه ورفعه"(368).
وعن ابن حميد قال: حدّثنا مسلمة عن ابن إسحق عن وهب بن منبه أنه قال: "توفى اللَّه عيسى بن مريم ثلاث ساعات ثم رفعه"(369).
وعن المثنى قال: حدثنا عبد اللَّه بن صالح عن رواية علي عن ابن عباس قوله: "إني متوفيك" أي مميتك، وقال ابن كثير عن إدريس قال: "مات المسيح ثلاثة أيام ثم بعثه اللَّه ورفعه" (تفسير ابن كثير جـ 4 ص 30)(370).
ج ـ في سورة المائدة 117 يقول على لسان السيد المسيح: "وكنت عليكم شهيدًا ما دمت فيهم فلمَّا توفيتني كنت أنـت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد" توفيتني أي أن الوفاة قد حدثت في الماضي، وقوله: "كنت أنت الرقيب عليهم" أي أن الوفاة حدثت بسبب مؤامرة اليهـود، ولكن مؤامرتهم كانت مكشوفة أمام اللَّه.
2ـ هناك بعض الألفاظ التي أستخدمها القرآن وتشير إلى موت المسيح، فمثلًا استخدم كلمة "بِيَعٌ" (الحج 40) وهو يقصد بها الكنائس ومفردها بيعة لأن السيد المسيح ابتاع (اشترى) كنيسته بالدم الثمين كقول الإنجيل " كنيسة اللَّه التي أقتناها بدمه" (أع 20: 28).
وهناك لفظة أخرى تشير إلى موت المسيح وهي "المعمودية" إذ يقول: "صبغة اللَّه من أحسن من اللَّه صبغة ونحن له عابدون" (البقرة 138) وفي تفسير البيضاوي يقول: "سمّاه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغة على الثوب. أو للمشاكلة فإن النصارى كان يغمسون ولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تتحقق نصرانيتهم" (371) والمعمودية هي دفن وقيامة مع المسيح المصلوب القائم ولهذا يُغطس المعمد في الماء ثلاث مرات، كما كان السيد المسيح في القبر ثلاثة أيام.
3ـ الشيخ أحمد بن أبي يعقوب (اليعقوبي) الذي يُعَدّ من أقدم مؤرخي الإسلام قال: "ولمّا طلب اليهود من بيلاطس أن يصلب المسيح. قال لهم: خذوه أنتم واصلبوه أما أنا فلا أجد عليه علّة. قالوا قد وجب عليه القتل من أجل أنه قال إنه ابن اللَّه. ثم أخرجه وقال لهم خذوه أنتم واصلبوه فأخذوا المسيح وحمَّلوه الخشبة التي صُلِب عليها" (تاريخ اليعقوبي جـ 1: 46)(372)
4ـ قال الإمام "محسن فاني" في كتابه "الدابستاني" في القرن التاسع للهجرة: "إنه عندما قبض اليهود على عيسى بصقوا على وجهه المبارك ولطموه". ثم إن بيلاطس حاكم اليهود جلده حتى أن جسمه من رأسه إلى قدمه صار واحدًا، ولما رأى بيلاطس إصرار اليهود على صلب عيسى وقتله قال {إني بريء من دم هذا الرجل، وأغسل يديَّ من دمه} فأجاب اليهود {دمه علينا وعلى أولادنا} ثم وضعوا الصليب على كتف عيسى وساقوه للصلب"(373).
5ـ أخوان الصفا وهم يمثلون جماعة دينية شيعية ربما تكون الإسماعيلية ظهرت في القرن العاشر الميلادي وكان مقرهم البصرة ولهم نحو خمسين رسالة، وورد في الرسالة (44) خبر صلب المسيح، فقد أوصى تلاميذه أن ينشروا دعوته في أطراف الأرض حتى لو تعرَّضوا للقتل أو الصلب أو النفي، ولكيما يكون نموذجًا لهم ترأى لمعارضيه "وخرج في الغد وظهر للناس، وجعل يدعوهم ويعظهم، حتى أُخذ وحُمل إلى ملك بني إسرائيل، فأمر بصلبه، فصُلِب ناسوته وسُمّرت يداه على خشبتي الصليب، وبقى مصلوبًا من صحوة النهار إلى العصر، وطلب الماء فسُقي الخل، وطُعِن بالحربة في جنبه، ثم دُفِن مكان الخشبة، ووُكّل بالقبر أربعون نفرًا، وهذا كله بحضرة أصحابه وحوارييه. فلمَّا رأوا ذلك منه أيقنوا وعلموا أنه لم يأمرهم بشيء يخالفهم فيه. ثم اجتمعوا بعد ذلك بثلاثة أيام في الموضع الذي وعدهم أن يتراءى لهم فيه، فرأوا تلك العلامة التي كانت بينه وبينهم، وفشا الخبر في بني إسرائيل أن المسيح لم يُقتَل. فنُبش القبر فلم يوجد الناسوت" (رسائل أخوان الصفا وطلاق الوفاء مجلد 4 دار صادر بيروت. لبنان ص 30 ـ 31)(374).
6ـ قال صاحب كتاب دعوة الحق "أن المسيح عليه السلام كان عالمًا بأنه سيُصلب وبهذا أخبر تلاميذه" (دعوة الحق ص 58)(375).
7ـ قال حسين فوزي النجار "وضاق اليهود بالمسيح فوصموه بالكذب، وأنه تابع (بعزبول) الشيطان يدين بأمره ويتلقى المعجزة والوحي منه، ثم ائتمروا به حتى صلبوه" (أرض الميعاد طبعة أولى 1959م مكتبة الأنجلو ص 15)(376).
8 ـ قال الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية ومؤسس مركز ابن خلدون للدراسات في الرسالة قبل الأخيرة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات: "العالم كله يعرف أنهم متعطشون إلى دمائك، ويريدون أن يصلبوك كما صلبوا المسيح، ويبتغون ذلك أن يصلبوا أمة بأسرها" (جريدة الجمهورية الخميس 8 يوليو 1982م)(377).
9ـ قال الدكتور فؤاد حسين علي أستاذ الفلسفة في مقالته: "إلهي إلهي لماذا تركتني" بجريدة الأخبار: إن موت المسيح على الصليب ليس معجزة المسيحية، والعكس هو الصحيح، أعني قيام المسيح من بين الموتى، فقد رفع اللَّه المسيح إليه بأن أقامه من موته" (جريدة أخبار اليوم في 25 أبريل 1970م)(378).
10ـ كتب الأستاذ خالد محمد خالد كلمات من نور فقال:
أ ـ "لقد كان الصليب الكبير الذي أعدّه المجرمون للمسيح يتراءى له دومًا" (معًا على الطريق ص 34، 131)(379).
ب ـ "عندما هاجم غوغاء اليهود بستان الزيتون ليقبضوا على المسيح، تقدَّم من الحرس وسألهم: مَن تطلبون؟
أجابوه: يسوع الناصري.
فقال: أنا هو ولست أسأل إلاَّ شيئًا واحدًا.
ثم أشار بيد أمينة حانية صوب تلاميذه، الذين كانوا معه في البستان، وأستأنف حديثه مع الحراس قائلًا: أن تدعوا هؤلاء يذهبون إلى بيوتهم، حتى أستطيع أن أقول لأبي حين ألقاه أن الذين أعطيتني لم أُهلك منهم أحدًا.
انظروا... في هذه المباغتة الشريرة المذهلة، لم يذكر نفسه ولا حياته، وإنما ذكر مسئوليته الكبرى تجاه الآخَرين. وذلك كي يستطيع أن يقول لربه حين يلقاه: {إن الذين أعطيتني لم أُهلك منهم أحدًا}" (معًا على الطريق ص 207، 208)(380).
ج ـ "عندما قاد اليهود روح اللَّه عيسى إلى بيلاطس الحاكم الروماني، مطالبين بصلبه أطل بيلاطس عليهم، ومضى يحاورهم في شأن المسيح، إذ كان يعلم أنهم يريدون إسلامه للموت حسدًا من عند أنفسهم.
قال لهم: ماذا أفعل بيسوع الذي يُدعى المسيح؟
وأجاب اليهود ورؤساء الكهنة: أنه يفسد الأمة.
وقال بيلاطس: إني لا أجد عِلّة في هذا الإنسان.
ونبحت كلاب أورشليم نافذة بنباحها من الزاوية الحادة التي تحرج بيلاطس، وتكرهه على الإذعان لنباحها.
قالوا: أنه يهيج الشعب، ويَمنع أن تُعطى جزية لقيصر، وإذا لم تصلبه فلن تكون محبًا لقيصر.
وقال بيلاطس: إننا الآن في العيد وسنطلق كما هي العادة واحدًا من المحكوم عليهم، فليكن هو المسيح، وتهارش رؤساء الكهنة، وتراكض يهود أورشليم كالخراف الضالة، وصاحوا جميعًا: لا. لا. اطلق سراح بارباس، أمّا المسيح فاصلبه، ويلح بيلاطس لكي ينزلوا عند رأيه، فيقول لهم: لقد فحصت هذا الإنسان قدامكم ولم أجد فيه شيئًا مما تشتكون به.
ولكنهم يلوون ألسنتهم كأذنـاب الحيات ويصيحون: خذ هذا واطلق لنا باراباس. باراباس. باراباس. وأمَّا المسيح فأصلبه.
إنه نفس الخيار يُقدّم اليوم ويُعلن.
إنه لمن حُسن الحظ أن الذين يختاروا اليوم. ليسوا يهود أورشليم ولكنه العالم كافة، والغرب المسيحي خاصة. لقد رفض أحبار اليهود في ذلك اليوم البعيد أن يختاروا المسيح، لأنه جماع فضائل لا يطيقونها، ومشرق عصر عظيم لا يسمح لنقائصهم بالازدهار، وحتى حين خجل ممثل روما العاتية الباغية أن يشترك في المؤامرة الدنسة، وتوسّل إليهم كي يدعوا للمسيح حريته، رفضوا، وصاحوا به. بل باراباس.
تُرى ماذا يكون جواب البشرية اليوم، حين يُطلب إليها أن تختار؟
تُرى هل يُقتحم الأفق الوديع المشرق، نباح الكلاب من جديد. باباراس. باراباس؟ أما المسيح فيُصلب. أما السلام فيُصلب. أما المحبة فتُصلب.
هل يمكن أن يحدث ذلك مرة أخرى؟ (معًا على الطريق. محمد والمسيح طبعة رابعة سنة 1966م ص 202 ـ 204)(381).
11ـ قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يخاطب اللورد اللنبي:
يا فاتح القدس خلِ السيف ناحية ليس الصليب حديدًا كان بل خشبًا
وقال في تنديدة لحرب البلقان:
عيسى! سبيلك رحمة ومحبـة ما كنت سفّاك الدما ولا امـرئ يا حامل الآلام عن هذا الـورى أنت الذي جعل العباد جميعهـم خلطوا صليبك والخناجر والمـدى |
|
في العالمين عصمة وسلام هان الضعاف عليه والأيتام كَثُرت عليه بِاسمـك الآلام رحمًا بِاسمك تقطع الأرحام كل أداة للأذى وحمـام
|
وقال في الشوقيات جـ 4 ص 55:
حملتم لحكم اللَّه صلب (ابن مريم) وهذا قضاء اللَّه قد (غال) غاليًا.
12ـ كتب الأستاذ على محمود طه في جريدة الأهرام 25 / 12 /1942 يقول:
"نسى القومُ وصاياك وضلَّوا وأساءوا يا قويًا لم يهن يومًا عليه الضعفـاءُ وأنا المسلم لا يُجحَد عندي الأنبيـاءُ عجب فديتك المثلى وفي القول عزاءُ |
|
وكما باعوك يا منقذُ، بيـع الأبريـاءُ وضعيفًا، واسمهُ يُصرعُ منه الأقويـاءُ أنت في القرآن حب وجمال ونقـاءُ ألهذا العالم الشرير؟ قد ضاع الفداءُ"(382) |
13ـ وقال الشاعر أحمد نجيب سرور:
غدًا أكون على الصليب، أنا العريس لا تكذبوا، فسوف يسلّمني الـذي أنا أخونك؟.. أنت قلـت؟ ستنكرني ثلاثًا قبلما الديكُ يصيـح لا تقسموا... فغدًا أكون على الصليب |
|
نفديك بالدم يا معلم النفـوس. منكم يشاركني الغمـوس. وأنـا... إنا لنُقسم يا مسيـحْ. وغدًا لناظره قريـبْ!!"(383). |
14ـ قال الشاعر عمر أبو ريشة الذي ورد شعره هذا في امتحان الثانوية العامة سنة 1968 م.:
أي فلسطين يا ابتسامة عيسى لجراح الأذى على جثمانه(*).
_____
(368) تفسير الرازي جـ 2 ص 457، 458.
(369) جامع البيان جـ 3 ص 289 ـ 292.
(370) أورده اسكندر جديد في كتابه الصليب في الإنجيل والقرآن ص 14.
(371) أورده يسى منصور في كتابه الصليب في جميع الأديان ص 102.
(372) أورده القس عبد المسيح بسيط في كتابه هل صُلِب المسيح حقيقة أم شبه لهم ص 47.
(373) عيسى أم يسوع ص 82.
(374) أورده د. فريز صموئيل في كتابه من هو المصلوب؟ ص 83.
(375) أورده القس عبد المسيح بسيط في كتاب هل صُلِب المسيح حقًا وقام؟ ص 14.
(376) أورده د فريز صموئيل في كتابه مَن هو المصلوب؟ ص 84.
(377) أورده د فريز صموئيل في كتابه مَن هو المصلوب؟ ص 84.
(378) أورده عوض سمعان في كتابه قيامة المسيح والأدلة على صدقها ص 96.
(379) أورده القس عبد المسيح بسيط في كتابه هل صُلِب المسيح حقًا وقام؟ ص 14.
(380) أورده د. فريز صموئيل في كتابه مَن هو المصلوب؟ ص 153.
(381) أورده د. فريز صموئيل في كتابه مَن هو المصلوب ص 40 ـ 42.
(382) أورده جمال محمد أبو زيد في كتابه الأسبوع الأخير في المسيحية والإسلام ص 5.
(383) المرجع السابق ص 43.
(*) كما نورد نحن في موقع الأنبا تكلاهيمانوت كذلك في هذا السياق من أشعار الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في قصيدة المسيح التي تغنَّى بها الفنان عبد الحليم حافظ من ألحان الفنان بليغ حمدي: "مسيح ورا مسيح ورا مسيح علي أرضها. تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب. دلوقت يا قُدس ابنك زي المسيح غريب غريب، تاج الشوك فوق جبينه وفوق كتفه الصليب. خانوه... خانوه نفس اليهود. ابنك يا قدس زي المسيح لازم يعود...علي أرضها".
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/cross/islamic-proofs.html
تقصير الرابط:
tak.la/dwr2982