الفصل الثالث والثلاثين: ادعاء العنصر الأنثوي في اللاهوت
أسَّست ماري بيكر إدي (1821 – 1910م) Mary Baker Eddy المذهب المنحرف باسم كنيسة العلم المسيحي كما رأينا من قبل، وقامت ماري بإضافة العنصر الأنثوي لللاهوت، وذلك عندما حرَّفت الصلاة الربانية إلى الصورة الآتية " أبونا أمنا الله، الكلي التناسق والانسجام، الواحد الجدير بالعبادة والتوقير والحب، سيأتي ملكوتك، أنت تكون حاضرًا أبدًا، لكننا نعرف كما في السماء كذلك في الأرض، الله الكلي السمو، أعطنا النعمة هذا اليوم، أطعم الجوعانين عاطفيًا، والحب يُعكَس في الحب والله، لا تُدخلنا في إغراء، ولكن احفظنا من الشر والمرض والموت، لأن الله غير محدود، كل القوة، كل الحياة، والحب فوق الكل والكل " (258) وفي صلاتها هذه هي وأتباعها أضافوا العنصر الأنثوي لللاهوت دون أي سند كتابي لهذا، لأن مثل هذا السند لا وجود له، وأخذ هذا الفكر ينتشر في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وهكذا فعلت النساء اللائي نادين بالمساواة بين الأنثى والرجل، ولذلك نسبوا العنصر الأنثوي للاهوت، مع أنه لا يوجد في اللاهوت " جنس "، فلا يصح أن نقول عن الله أنه ذكر أو أنثى، وإن كنا نتحدث عنه بصيغة التذكير كما علمنا الإنجيل هكذا، ولكننا نعلم تمامًا أن الله فوق مستوى الجنس، فالله أوجد الجنس في الإنسان من أجل التزاوج والإنجاب، أما اللاهوت فلا تزاوج فيه ولا تناسل، بل إن الإنسان في حياة الدهر الآتي لن يحتاج للتزاوج والتناسل ولذلك سيكونون كملائكة الله لا يُزوّجون ولا يتزوَّجون.
أما بعض من نادوا بالمساواة بين الجنسين (الرجل والمرأة) مثل " روز ماري هوتون "، و" باتريشيا ويلسون كاستنر "، و" مولتمان " فقد أرادوا تغيير المفهوم السائد بين الآب والابن في الثالوث القدوس، فدعوا الآب " بالآب الأمومي " وقال " مولتمان " إن الثالوث القدوس عبارة عن شبكة اجتماعية " وجاء في بعض الكتب لأحد الآباء الكاثوليك معبرًا عن مفهوم مولتمان هذا فقال " إن الثالوث (في نظر مولتمان) هو " ثالوث جماعي " كل أقنوم فيه منفتح على الباقين ومعتمد عليهما، وهم يعيشون – بفضل محبتهم الأبدية – في بعضهم البعض، ويسكنون في بعضهم البعض لدرجة أنهم (واحد).. وهذا المفهوم للثالوث مؤسَّس على الحب وليس على السيادة، على التبادل وليس على السيطرة، على الحياة العامة وليس على المفهوم الملكي... وهذا في الحقيقة قريب جدًا من المفهوم الأنثوي، فهو يرن برنين الاختبارات النسائية باهتمامها بالمساواة والتعذية والاعتماد المتبادل " (259).
وقد تم مناقشة هذا الموضوع في عدة اجتماعات في الربع الأخير من القرن العشرين كما حدث في كينشاسا، وجينيف، وليما، وبرلين، وبوتسدام، فمن أجل تثبيت هذه الفكرة، فكرة ادعاء العنصر الأنثوي في اللاهوت، اجتمعت النسوة في كينشاسا، وأخذن يناقشنَّ الأسئلة المثارة حول الفكر اللاهوتي الأنثوي، ولماذا الإصرار على دعوة الله بالآب وعدم دعوته بالأم، وركزن تفكيرهن على أن معنى الآب هو الأب، وأغفلن المعنى الحقيقي للآب وهو " الأصل "، وقالت أولئك النسوة إن كنا لا نتخلى عن النظرة الأبوية في الله لأن السيد المسيح أمرنا أن نخاطب الله " أبانا الذي في السموات " وأن المعمودية تمنحنا البنوة لله، ولكن على الأقل يجب نسف نسبة الذكورة لله والتي يتمسك بها الكثيرون، لأن اللاهوت ليس له جنس، كما جاء في تقرير " كتايام " الذي جاء فيه: من المهم ملاحظة أنه عند التحدث عن (الآب والابن) فلا علاقتهما ببعضهما في الثالوث فنحن لا نعني تضمين أن الله (ذكر). إن المسيح كإنسان (ذكر) لكن ضمن أقانيم الثالوث لا يوجد جنس " (260) وعندما كانت كنيسة سكوتلاندا تناقش فكرة أمومة الله، وصلت رسائل عديدة إلى الصحافة البريطانية تؤكد فكرة أن الله ذكر وليس أنثى، فجاء " نص كينشاسا " يؤكد على الأسئلة الآتية:
" هل يمكن فهم (أبوية) الله فهمًا صحيحًا (غير أبوية) وغير مستبدة؟
وهل هناك مكان ضروري لصورة (الأنوثة) و(الذكورة) في اللغة اللاهوتية الشاملة؟ وإذا كان الأمر كذلك هل نستطيع أن نمضى لنخاطب الله باعتباره (أمنا) تمامًا كما نقول (أبانا)؟.. إلخ " (261) ودعت مجموعة كينشاسا إلى محاولة استعادة الوجه الأنثوي لله.
ثم حدثت مناقشات في جينيف أكدت أن الكتاب المقدس والتقليد أكدا على مفهوم " الله الآب الكلي القدرة "، وتبقى الحاجة إلى استرداد الوجه الأنثوي له، وقالوا أن وظيفة الأب الاعتناء بالأطفال وهذا يتضمن عناصر من العناية الأمومية، وفي سنة 1982م في ختام اجتماعات لجنة الإيمان والنظام في " ليما " أخذت تستفسر عما إذا كان تعبيرات الآب والابن والروح القدس التي كانت لازمة لإظهار التمايز في الأقانيم الثلاثة فيما مضى، هل هي مناسبة لهذه الأيام المعاصرة، أم أنه يجب مناقشة تعبيرات جديدة لإقرار الإيمان بالثالوث القدوس (المرجع السابق ص 146، 147)، وجاء نص " برلين " بالتوصية على استعادة الوجه الأنثوي لله (المرجع السابق ص 147).
وأردن مثل أولئك النسوة إيجاد جذور كتابية لفكرتهن بادعاء العنصر الأنثوي في اللاهوت فأتين ببعض التشبيهات التي أطلقها الله على نفسه ممثلًا نفسه بالأم، مثل قوله على لسان أشعياء النبي " كإنسان تعزيه أمَّه هكذا أعزيكم أنا " (أش 66: 13) وقال داود النبي " يا رب لم يرتفع قلبي... كفطيم نحو أمه نفسي نحوي كفطيم " (مز 131: 1، 2) وقال البعض أن أكليمنضس السكندري في القرن الثالث الميلادي قال:
" الله محبة، ولحبه لنا صار امرأة.
لقد صار الكائن الفائق الوصف. من فرط حناه علينا أمًا.
لقد صار الآب – بالحب – امرأة " (262).
وقالت إحدى الراهبات الكاثوليكيات " إن عبادتي السريَّة (لله الأم) كانت الأساس المتين لروحانيتي " (263). وكتبت في تأملاتها الروحية تقول:
" نحن نعتبر الله (أمنا) في عزلة، باحثين عن الأماكن السرية لكي نبقى فيها معها.
وكل في الجنة يُعظّم حضورها... وكل شيء يتدفق من نبعها.
وكل شيء يتشارك في وجودها... وكل شيء مقدس.
وأثناء بحثنا عن أمنا تحترق الأشجار.
رافعين الأحجار راكعين عند كل بركة وحفرة.
ناظرين في كل شق وتحت أجنحة الطيور " (264).
وتساءل البعض: هل يمكن أن تقول مع "أنسلم" " أيها المسيح – أمي، أنت تجمع فراخك تحت جناحيك " (265).
وقالت الأم " جوليان من نرويتشن ":
" كما إن الله حقًا أبونا، فإنه حقًا أيضًا أمنا.
ففي أبينا الله – كلي القدرة – لنا وجودنا، وفي أمنا الرحيمة قد خلقنا وحفظنا.
فأنا – قوة وصلاح الأبوة، وأنا حكمة الأمومة.
وأنا النور نعمة الحب المقدس، وأنا هو أنا – مكافأة كل الراغبين الحقيقيين " (266).
_____
(258) رأفت زكي – المذاهب المنحرفة جـ 1 ص 26، 27.
(259) ص 135 من كتاب قمت بتصوير أجزاء منه، وأُغفل عليَّ تسجيل اسم الكتاب...
(260) ص 130 من كتاب قمت بتصوير أجزاء منه، وأُغفل عليَّ تسجيل اسم الكتاب...
(261) المرجع السابق ص 139.
(262) المرجع السابق ص 131، 132.
(263) المرجع السابق ص 135.
(264) المرجع السابق ص 136.
(265) المرجع السابق ص 167.
إضافة من الموقع: اسم المقال: Anselm's Prayer to St Paul: Our Greatest Mother.
وهو مذكور في المرجع التالي:
Francis Martin, The Feminist Question: Feminist Theology in the Light of Christian Tradition, 2011, ISBN:9781610977623, 1610977629, P. 245.
(266) المرجع السابق ص 137، 138.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/crooked-denominations/feminist-theology.html
تقصير الرابط:
tak.la/j9b2322