7- سر الكهنوت:
منعت الكنيسة الكاثوليك كهنتها من الزواج بينما سارت كنيستنا الأرثوذكسية على منوال الكنيسة الأولى بدون تغيّير ولا تبديل فتسمح للكهنة بالزواج مرة واحدة قبل سيامتهم ولا تقبل في الكهنوت مَنْ تزوج مرتين، وبعد السيامة إذا انتقلت زوجة الكاهن لا يتزوج ثانية لأن جميع النسوة هنَّ بناته، ومن يتزوج من الكهنة بعد انتقال زوجته يسقط من رتبته.
وقد أجازت الكنيسة زواج الآباء الكهنة (قبل سيامتهم) لحكمة عالية... فما هي الأسباب التي دعت الكنيسة للموافقة على أن يكون القسوس متزوجون؟ ذلك لأنهم يفتقدون الرعيَّة ويدخلون البيوت بل يدخلون في المشاكل الأسرية والشخصية والعاطفية، ويقبلون الاعترافات من الكبار والصغار، ومن المتبتلين والمتزوجين، فلكيما لا يعثروا ولا يصيروا سبب عثرة لذلك رأت الكنيسة أن يكون الكهنة متزوجين والرهبان والأساقفة متبتلين، وهذا ما أشار به القديس بفنوتيوس أحد أساقفة الصعيد المشهود به بالبر والتقوى، فبالرغم من أنه كان متبتلًا إلى أنه دعى إلى زواج الكهنة أمام مجمع نيقية سنة 325م، وأخذ المجمع بمشورته إذ ثبَّت ما كان قائمًا بالفعل من زواج الكهنة وبتولية الأساقفة، وهذا يتفق مع أحكام الإنجيل إذ نرى معلمنا بولس الرسول يوصي تلميذه تيطس قائلًا "من أجل هذا تركتك في كريت لكي تكمل ترتيب الأمور الناقصة وتقيم في كل مدينة قسوسًا كما أوصيتك. إن كان أحد بلا لوم بعل امرأة واحدة له أولاد مؤمنون.." (تي1: 5، 6) بل أن السيد المسيح أختار بعض تلاميذه من المتزوجين مثل بطرس الذي دخل بيته وشفى حماته (لو4: 38، 39).
ولكن من هم الباباوات الذين منعوا وما هي المجامع التي منعت زواج القسوس؟ من هؤلاء البابا اينوشنسيوس الأول [401-417] في قانونه الثاني سنة 404م، والبابا لاون الأول [440-461] في قانونه الثالث سنة 443م (راجع الإيضاحات الجلية عن حقيقة الأرثوذكسية للشماس ميخائيل شحاته ص125) والبابا اغريغوريوس السابع [1073-1085] منع زواج الكهنة بحرمٍ قاطعٍ، ومجمع لاتيران الأول سنة 1123 في القانون رقم (40)، ومجمع لاتيران الثاني في القانون رقم (16) مجلد 10 ص1003 قال "أن زواج الإكليروس عمل قبيح وأنه يجعلهم عبيدًا للشهوات والنجاسة" (علم اللاهوت من القسم الخاص للقمص ميخائيل مينا ص124، 125) ويقول برسيفال " وفي القرن الرابع منعت عدة مجامع الأساقفة والقسوس والشمامسة من مساكنة نسائهم الشرعيات... على أنه لم يظهر هناك أي استعداد أو ميل لأن يعلن شرعًا أن زيجات الإكليريكيين في الدرجات الكهنوتية تعتبر ملغاة... وفي القرنين الخامس والسادس كانت شريعة العزوبة مرعيَّة في كل كنائس الغرب بأمر المجامع والباباوات... وفي القرن السابع حتى القرن العاشر كانت شريعة العزوبة في الواقع غير مرعيَّة كثيرًا في قسم واسع من الكنيسة الغربية " (493)
ويستشهد الأخوة الكاثوليك بشهادة القديس ايرونيموس الذي قال "أن المسيح البتول ومريم العذراء قد دشَّنا البتولية للجنسين. أما الرسل فقد أُنتقوا من المتبتلين أو من الأرامل أو على الأقل من المتعففين بعد الكهنوت" (494)
وشهادة ابيفانيوس "أن الذي يمارس وظيفة الزوج ويلد أولادًا حتى ولو كان بعل امرأة واحدة لا يجوز على الإطلاق قبوله في إحدى الدرجات شماسًا أو قسًا أو أسقفًا أو ايبوذياكونيا. على أنه يجوز لمن صان نفسه عن مضاجعة زوجته أو لمن قد ترمل بعد زيجة واحدة أن يقبل ويسام لإحدى هذه الدرجات" (495)
ويقول الأرشمندريت جراسيموس مسرة "أول من منع زيجة الإكليروس كله البابا سيريكيوس [385-398] ولكن حكمهُ قاومه كثيرون إلى أيام غريغوريوس السابع [1073-1085] الذي منعها بحرمٍ قاطعٍ خلافًا لقانون الرسل وغيره، وكان ذلك داعيًا لفساد عظيم في الغرب حتى أن الأسقف الغربي البيوس بيلاجيوس أسقف سيلبي في البرتغال قال في أواسط القرن (14): يا ليت الإكليروس لم ينذر مثل هذه العفة وخصوصًا في أسبانيا لأن أولاد الإكليروس (غير الشرعيين) فيها أكثر من أولاد الشعب وهذا القول قول رجل إكليُروسي من الشرق ضد إكليروس الغرب " (496)
وقام البابا لاون التاسع [1049-1054] بإصدار قرارًا بإلغاء زواج الإكليروس أصلًا ولكنه تغاضى عن تنفيذه (تاريخ الانشقاق ح2 ص76)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. أما عن طريقة التنفيذ البشعة للقانون الذي سنَّه البابا اغريغوريوس السابع فيتطرق إليها الأرشمندريت جراسيموس مسرة قائلًا "ما اكتفي (البابا اغريغوريوس) بمنع إعطاء درجة الإكليروس للمتزوجين بل حكم بأن يُفصل جميع الكهنة والشمامسة المتزوجين عن زوجاتهم. فأرسل رسلًا من طرفة إلى جميع الأبرشيات سنة 1074م، وأمر رؤساء كهنته أن يفسخوا ذوى الزوجات من الإكليروس عن زوجاتهم، وجعلهم تحت مسؤوليةٍ إن لم يقوموا بتنفيذ الأمر. ثم أنه قرَّر مجمعيًا بأنه لا يجوز لأحد أن يسمع قداسًا من كاهن ذي زوجة... فحصل اضطراب عظيم وهيجان جسيم في كل أبروشية وضربت الانشقاقات إطنابها بين الشعوب الغربية بسبب هذا الحكم الظالم على مئاتٍ وألوفٍ من الكهنة وعلى زوجاتهم الشرعيات حتى شهد المؤرخون أنه لم تحصل قلاقل في مدة أعظم الهرطقات مثل القلاقل التي حصلت في تنفيذ القانون... ولكن كثيرين من الكهنة المتزوجين وخصوصًا كهنة ولاية ميلان الإيطالية فضَّلوا ترك وظائفهم الكهنوتية على ترك زوجاتهم الشرعيات، فافرزوا أنفسهم من كنيسة رومية وطعنوا في البابا وأصحابه المحرّمين زيجة الإكليروس بأنهم من ذوى هرطقة ماني...
الأول: فسخ (البابا) الزيجة الطاهرة فأخزى وأحزن الأزواج والزوجات والأولاد الشرعيين ورماهم من ارتفاع عظيم، والثاني: أنه لم يعامل الإكليروس المتزوج معاملة لطيفة بل وضعهم تحت القصاصات الكنسية، وكان يُسلِمهم للحكام ويضبط (يصادر) أملاكهم ويهينهم ويعذبهم على أوجه متنوعة " (497)
والآن نطرح السؤال التالي: هل هناك قوانين مجمعية صريحة تبيح زواج الكهنة؟
الإجابة: نعم، فالقانون الخامس من قوانين الآباء الرسل ينص على "لا يجوز لأسقف أو قس أو شماس أن يصرف عنه امرأته ويطلقها بحجة الورع، فإن أبعدها فليقطع من الشركة، وإن أصرَّ على غيّه فليسقط" (498)
والقانون 26 من قوانين الآباء الرسل صرح بأنه "لا يجوز لأحد من الإكليروس عدا القراء (الاغنسطسيّين) والمرتلين (الابسالتسيّين) أن يتزوج بعد سيامته" (499)، وقانون 15 من قوانين المجامع المسكونية "أي قس أو شماس أو من كان من زمرة الكهنوت بالجملة امتنع عن الزيجة واللحوم لا بقصد نسك بل لكونه يشمئز منها على أنها دنسة مرذولة ناسيًا ما قيل أن كافة الأشياء هي حسنة جدًا (1تي4:4) وأن الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى (مت19: 4) ولكنه يفترى مجدفًا على الخليقة إما أن يتندَّم أو يُقطَع ويُطرَح من الكنيسة. وهكذا يجرى مع العامي أيضًا" (500)
والقانون الرابع من مجمع غنفرا "كل من يميز مرتابًا في أمر قس متزوج على أنه إذا قدس لا يجب أن يتناول القربان منه فليكن محرومًا" (501)، وصرح القانون الرابع من مجمع قرطاجنة بأنً يمتنع القسوس عن زوجاتهم يوم خدمتهم وكذلك الشمامسة وكل من يخدم المذبح " (502)
والقانون السادس من مجمع ترولو (المجمع الخامس السادس) "فليسقط أي شخص مشرطن يعقد زواجًا. أما من شاء أن يتزوج فليفعل قبل سيامته " (503)، والقانون الثالث عشر لنفس المجمع أحتج على الكنيسة الغربية فقال "إذ قد علمنا أنه قد جرت العادة في كنيسة الرومانيين أن كل من حسب مستحقا لأن يسأم شماسًا أو قسًا يجب أن يتعهد بعدم مساكنة زوجته بعد سيامته، فنحن فيما أننا نحافظ على القاعدة القديمة وعلى الكمال والترتيب الرسوليين، نأمر بان تبقى زيجات المتقدمين إلى هاتين الدرجتين الكهنوتيتين المقدستين من الآن فصاعدًا ثابتة، فلا يُحَل الاتحاد الزوجي بوجه من الوجوه، ولا يُفرَض المنع من المساكنة الزوجية في الأوقات الملائمة... ولا يطلب منه (الملتزم المتقدم للسيامة) وقت السيامة أن يعِد بالامتناع عن مُساكنة زوجته لئلا نُظهر ازدراءنا للزواج الذي سنَّه الله وباركه بحضوره كما يقول الإنجيل، "وما جمعه الله فلا يفرقه إنسان" (مت19: 6) وكما قال الرسل "ليكن الزواج مكرَّمًا والمضجع طاهرًا" (عب13: 4).. " (504)
وفي تعليق البيذاليون على هذا القانون".. أن هذا المجمع لم يخطئ فيما سنَّه في قضية الكهنة المتزوجين. بل أن الرومانيين ارتكبوا شططًا في إرغامهم هؤلاء الكهنة على فصل نسائهم عنهم " (505)
ومما يجدر الإشارة إليه أنه ورد في كتاب مختصر اللاهوت الأدبي أن "بعض الطوائف الشرقية كالموازنة والمكيين تسمح بقبول المتزوجين في درجة الكهنوت. والكرسي الرسولي لم يشاء إلغاء هذه العادة (قانون 71 من شريعة الطقوس والأشخاص المعهود بها منذ 25 آذار سنة 1958) " (506)
والمجمع الفاتيكاني الثاني اعترف بزواج الكهنة في الكنيسة الأولى فقال "وفي الحقيقة الكهنوت لا يستلزمه البتولية بطبيعته، كما يظهر في حياة الكنيسة الأولى، وفي تقليد الكنائس الشرقية، حيث يوجد أيضًا كهنة متزوجون دون استحقاق عظيم. إلى جانب الذين اختاروا من جميع الأساقفة بموهبة النعمة أن يحافظوا على البتولية.
وهذا المجمع المقدس إذ يوصي بالبتولية الكنسية. لا ينوى البتة تعديل ذلك النظام المختلف القائم شرعًا في الكنائس الشرقية. وهو يحث بكل محبة جميع الذين قبلوا الكهنوت وهم متزوجون على مواصلة تكريس حياتهم تكريسًا كاملًا وسخيًّا من أجل القطيع الذي اؤتمنوا عليه ثابتين في دعوتهم المقدسة... ولهذه الأسباب القائمة على سر المسيح ورسالته أصبحت العزوبة التي كان مُوصى بها الكهنة من قبل، مفروضة قانونًا على الكنيسة اللاتينية على جميع الذين يتقدمون إلى الدرجة المقدسة " (507) ولا يخفى أن طائفة الأقباط الكاثوليك في مصر قد قامت بسيامة عدد من الكهنة المتزوجين.
والآن بعد مناقشة قضية زواج الكهنة لم يبق إلاَّ نقطة جانبية وهي:
حلق اللحية: ذكر الأرشمندريت جراسيموس مسرة "قال القديس ابيفانيوس أن من قبائح الماساليين حلق لحاهم (هرطقة 88) ومن أجلهم انعقد مجمع سيْذا سنة 383 م. الذي أصدر ضمن قوانينه قانونًا يمنع حلق اللحى، وكتب البطريرك ذوسيتاوس عن هذا الأمر بالتفصيل وقال فيما قال: قص اللحية بدأ في كنيسة رومية قبل البابا لاون التاسع بوقت قليل، وبعده البابا غريغوريوس السابع كان يجيز الأساقفة والإكليروس ليحلقوا لحاهم. وهكذا غيَّر شكل خليفة بطرس إلى شكل عريس جديد بديع المنظر، والفرق بين الاثنين أن البابا يلبس بطرشيلًا واومونوريا ويتقدم في مجمع مماثليه ويُسمى بابا، ولكن بعد البابا غريغوريوس المذكور قام باباوات غيره انفوا الإقتداء به فحافظوا على لحاهم مثل جيلاسيوس الثاني وغيره. غير أن الإصلاح الجديد غلب العادة القديمة وما زال حلق اللحى والشنب مصطلحًا عليه في كنيسة الغرب" (508)
_____
(493) مجموعة الشرع الكنسي ص545، 546.
(494) المرجع السابق ص545.
(495) المرجع السابق ص545.
(496) تاريخ الانشقاق ح1 ص458، 459.
(497) تاريخ الانشقاق ح2 ص126، 127.
(498) مجموعة الشرع الكنسي ص851، 852.
(499) المرجع السابق ص543.
(500) تنوير الأذهان بالبرهان إلى ما في عقائد الكنيسة الغربية من الزيغان ص28.
(501) المرجع السابق ص98.
(502) المرجع السابق ص99.
(503) مجموعة الشرع الكنسي ص542.
(504) المرجع السابق ص552.
(505) المرجع السابق ص553.
(506) مختصر اللاهوت الأدبي الكاثوليكي ص611.
(507) وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني - مرسوم في حياة الكهنة ورسالتها رقم (16) ص164.
(508) تاريخ الانشقاق ح1 ص431، 432.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/sacraments-priesthood.html
تقصير الرابط:
tak.la/73yp7kt