1- لاهوت الأديان من وجهة نظر كاثوليكية:
يعتقد الأخوة الكاثوليك بأن الله محور جميع الديانات حتى الوثنية وبذلك يمكن لأي إنسان سواء مؤمنًا أو غير مؤمن أن يخلُص لأن الله يشاء خلاص الجميع، فيقول الأب عزيز الحلاق اليسوعي في مقاله عن التعدَّدية الدينية وعلم لاهوت الأديان: "أن لاهوت الأديان في الفكر المسيحي (يقصد الكاثوليكي فقط) يستند إلى مقولتين اثنتين يجب التوفيق بينهما. المقولة الأولى هي تأكيد إرادة الله الخلاصية التي تشمل كل البشر والتي تجلت بتجسد الكلمة في يسوع المسيح بكونه وسيطًا أوحد بين الله والإنسان... والمقولة الثانية نقول بأن الله بداعي إرادته الخلاصية الشاملة يستعمل طرقًا أخرى نجهلها كي يحقق الخلاص للبشر في أوضاعهم الخاصة. صحيح أن يسوع هو المخلص الأوحد ولكن كل إنسان يستطيع نيل الخلاص هذا مهما كان وضعه وانتماؤه الديني أو الثقافي. غرس الله في الأديان والشعوب حقيقته وإرادته اللتين أودعهما الكنيسة. لقد عبَّر المجمع الفاتيكاني الثاني عن هذا الموقف عندما قال "فالكنيسة الكاثوليكية لا تنبذ شيئًا مما هو حق ومقدس في هذه الديانات، بل تنظر بعين الاحترام الصادق إلى تلك الطرق طرق المسلك والحياة... " (579)
ومن الأشخاص الذين يعتبرهم الكاثوليك أنهم من لاهوتي الأديان أرنست ترولتش، كارل بارت، وكارل راهنر، وهانس كونغ، وجاك دوبري، وكلود جفرة الذين نعرض لأفكارهم في لمحات سريعة:
وهو لاهوتي بروتستانتي ألقى سنة 1902م محاضرة بعنوان "المسيحية في صفاتها الكونية وتاريخ الأديان" فأعلن رفضه في "أن تنسب المسيحية إلى نفسها صفة الأبدية والإطلاق التي تعود إلى الله، كما ترفض (نظرة ترولتش) ادّعاء هيفل أن المسيحية تمثّل قمة التطور الديني لدى البشرية، فالأديان الأخرى، وفق التطور التاريخي، لا تقل في نظره شأنًا عن المسيحية كمكان لتجلّى المطلق... يجب أن تتخلى المسيحية عن قولها بأنها تمثل الحقيقة الأبدية الشاملة كليَّة التاريخ... وعندما يقارن ترولتش بين الأديان يعتبر المسيحية من أرقى أنواع الحياة الدينية المعروفة ويقر للمسيحية بشيء من المطلقية، ولكن هذه المطلقية لا تعنى شيئًا آخر سوى المفاضلة على مستوى الاختيار الشخصي والتجربة الذاتية.
ولكن بعد اثنين وعشرين عامًا يعيد ترولتش صياغة موقفه بصورة أوضح مركزًا هذه المرة على الإطار الثقافي في كل ديانة، مقرًّا بشمولية المسيحية في القضاء الأوربي، إذ يصعب تصور أوروبا من دون المسيحية فهي جزء لا ينفصل عن الثقافة الأوربية، لذلك هي الديانة المطلقة للإنسان الأوربي... أن المطلقية مسألة شخصية، مما يجعل المقارنة بين الأديان أمرًا مستحيلًا، وإن كان لا بُد من المقارنة فهي بين الثقافات، وفي نهاية المطاف فإن الله وحده قادر أن يقارن بين الأديان لأنه هو الذي سمح بتعدديتها " (580)
وهو لاهوتي ألماني تأثر بالأجواء السياسية التي كانت تسود ألمانيا في خلال الفترة بين الحرب العالمية الأولى والثانية، فقد كان كثير من البروتستانت الألمان يعتبرون المسيحية مجرد نتاج بشرى والوحي عبارة عن محصلة للمعرفة التاريخية التي جمعها الإنسان عن ذاته وعن الله، فهاجم كارل بارت هذه الأفكار واعتبرها هرطقة وكارثة لاهوتية، وميّز كارل بين الدين والوحي فقال أن الدين يمثل الجهد الإنساني لمعرفة الله، أما الوحي فهو المعرفة التي يكشفها الله عن ذاته "أن كلمة الدين مشحونة في نظريات بعناصر سلبية تدعو إلى الالتباس باعتبار الدين جهدًا ونشاطًا إنسانيين للوصول إلى الله وإدراكه، ويتمثل هذا الخطر بأن يستفيض الإنسان عن صورة الله الحقيقية بصورة من صنعه وبنات أفكاره ويرى بارت في كل ديانة أصنامًا تبعد عن الله الحقيقي. لا يستثنى بارت المسيحية من نقده الدين... أن المسيحية كسائر الأديان ليست في مأمن من هذا التشويه، لذلك ينفى بارت وجود ديانة حقيقية " (581)
وهو لاهوتي ألماني ساهم في صياغة قرارات المجمع الفاتيكاني الخاصة بخلاص غير المؤمنين، وقد قال عنه الأب عزيز الحلاق " من أبرز الذين ساهموا في تحقيق الانعطاف الحاسم في موقف الكنيسة الكاثوليكية من الأديان الأخرى، إذ اضطلع بدور مهم في بلورة وصياغة قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني حول هذا الموضوع... ينطلق لاهوت راهنز من حيث ينتهي بارت، فهو يقر استنادًا إلى تعاليم المجمع الفاتيكاني الثاني بالقيم الأخلاقية والروحية والثقافية لدى الأديان الأخرى، بل يؤكد أن الأديان غير المسيحية يمكن أن تكون طريق لخلاص إتباعها، وهذا معناه أن نعمة الله تعمل أيضًا خارج الكنيسة وأن غير المسيحيين يمكن أن يخلُصوا بطرقهم الخاصة حتى إذا لم يعرفوا المسيحية... يقر راهنز أنه من المستحيل حتى من الناحية اللاهوتية الحكم على الملايين بالهلاك لمجرد انتمائهم إلى ديانة غير المسيحية... فهناك وسائل مختلفة للخلاص " (582)
وهو لاهوتي ألماني أراد وضع مشروع أخلاقي شمولي تقبله وتخضع له كل الأديان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقد قال عنه الأب عزيز الحلاق " فبعد أن نشر كونغ سنة 1985م كتابا يجمع عرضًا لعقائد البوذيَّة والهندوسيَّة والإسلام كما يفهمها أصحابها، أصدر سنة 1990 كتابًا يحمل عنوان " مشروع لأخلاق شمولية " كمحاولة لإيجاد قاسم مشترك بين الأديان التي أصبحت موجودة جنبًا إلى جنب في المدن الكبرى الأوربية والأمريكية. يطرح كونغ مشروعه هذا بديلًا من المحاولات السابقة التي طرحت قضية العلاقة بين الأديان... أن التعايش بين الأديان المختلفة يجب أن يقوم على أساس قانون مشترك يخضع له الجميع، ولكن مثل هذا القانون يتطلب وجود قيم وقواعد ومعايير أخلاقية يقر بها الجميع. من هنا الضرورة لمشروع أخلاقي شمولي يقوم على أسس أخلاقية يقبل بها الجميع على الرغم من الاختلافات العقائدية بين الأديان، بدون أن يلغى ذلك النواحي الأخلاقية بكل دين... ولكن ردود الفعل إزاء هذا المشروع كانت متباينة، فقد لاقى استحسانًا وتأييدًا من بعضهم وقوبل بالاستهجان والتنديد من بعضهم الآخر خاصة من قبل الباحثين غير المسيحيين إذ رأوا فيه مشروعًا إمبرياليًا جديدًا يتستر تحت قناع اللاهوت" (583)
وهو بلجيكي الأصل، ودرس في الجامعة الغريغورية في روما سنة 1996م بعد أن عاش في الهند نحو ثلاثين عامًا أطلَّع فيها على العبادة الهندوسية وتحاور مع أتباعها، وأصدر كتابه الشهير " يسوع المسيح في لقائه مع الأديان " حيث يعتبر سرّ المسيح مركز ومنطلق العلاقة بالآخر فيقول".. توجد أنواع متعددة من لاهوت الأديان لكل واحد بحسب إيمانه، فهنالك اللاهوت الهندوسي والبوذي، وهكذا دواليك، وأي لاهوت مسيحي للأديان يجب أن يكون منطلقه كريستولوجي، أي أن فهم الأديان الأخرى مفتاحه سر المسيح لكونه محور الإيمان المسيحي... (يعلق الأب عزيز قائلًا: هذا المنطق يفتح الباب لوجود لاهوت متعدد للأديان يقر بالفوارق الموجودة بينها ويعكس تعددّية التقاليد الدينية لدى البشرية بعكس اللاهوت الموحد الذي يسعى إلى لاهوت شامل يجمع جميع الأديان تحت مظلة واحدة... لأن لاهوت الأديان غايته البحث عن أسس للشمولية... عندما يطبق دوبوي هذا المبدأ على لاهوت الأديان المسيحي يعتبر سرّ المسيح هو مبدأ الشمولية، وليس الكنيسة كما هو شائع في اللاهوت التقليدي..) فيقول دوبوي: الشمولية تكمن في المسيح، فهو يخص كل الأديان، بل بالحري كل الأديان خاصته وفاعل بها بقدر ما هو حاضر وفاعل في كل البشر...كما يمكن التعرف أيضًا في كتب الأديان الأخرى، كلامًا إلهيًا لا يخاطب فقط أتباع هذه الديانات بل المسيحيين أنفسهم " (584)
كما جاء في كتاب جاك دوبوي "يسوع المسيح في لقائه مع الأديان" وتحت عنوان:
"المسيحانيَّة وتعدد الديانات" أن محاورات الحوار بين الديانات تنطلق من وحدانية المسيح، والتي تجتهد في أن تفترض بعض الألقاب المسيحانية الثابتة غير القابلة التغيير، لن تجد مصيرًا سوى الإخفاق...فعلى سبيل المثال، يعتقد المسلمون أن المسيح هو نبي خاص حقًا، في حين يعتقدون أن محمدًا هو " النبي"، ويقول البوذيون أن يسوع هو مجرد " بوذيتافا" (مؤهل للوحي) في حين "كوتاما" هو البوذا. حتى أن نظرية اللاهوتي كارل راهنز التي تتكلم عن " المسيحيين المجهولين " كان لها توطئة في الهندوسية بهدف جمع باقي الديانات تحت سقفها المخلّص. وفي هذه الحالة يصبح يسوع ودغوتاما مثالين هندوسين... أمام هذا الواقع نعود إلى اقتراح "دي جونج" الذي يدعو إلى خلق صور وسرد أمثال وتأليف قصائد جديدة عن شخص المسيح. يتطلب ذلك في إطار الديانات غير المسيحية الانغماس في الثقافات والتقاليد الدينية المتعددة والمشاركة فيها " (585)
وقد أستمد دُوبوى أفكاره " من أعمال اللاهوتي الفرنسي كلود جِفْرِه Claude Geffre المعروف بطول باله في مجال لاهوت الأديان. ونجد في كتابه " المسيحية عرضه للتأويل " الخطوط العريضة لأفكاره حول لاهوت الأديان والتي لخصها في مقالة نشرت عام سنة 1985م في مجلة إسلاموكرستيانا Jslama - Christana (المختصة بالحوار الإسلامي المسيحي) تحت عنوان " لاهوت الأديان غير المسيحية بعد مرور عشرين عامًا على المجمع الفاتيكاني الثاني".. ينتقد جِفْرِه بعض توجيهات لاهوت الأديان لدى الكاثوليك، تنمو نحو التأكيد على الصفات التي تنفرد بها المسيحية عن بقية الأديان، ويرى في ذلك نوعًا من الاحتواء للآخر... " (586)
ويخلُص الأب عزيز الحلاق إلى أن الإنسان يمكنه أن يخلُص خارج نطاق الكنيسة فيقول "أن المسيح هو الطريق الوحيد الذي يعطى من خلاله الله ذاته للبشر، والمؤمنون من الديانات الأخرى يمكنهم تحقيق هذا اللقاء بصورة ضمنية... أن الله حاضر لمؤمني الأديان الأخرى في ممارسة ديانتهم وإيمانهم... وهكذا يبقى سر الخلاص واحد، وهو سر المسيح، ولكن هذا السر هو بمتناول جميع البشر حتى خارج حدود المسيحية... أن الله يلتقي بالبشر خارج المسيحية في المسيح ولكن وجهه الإنساني يبقى مجهولًا، أما في المسيحية فإن لقاء الله والبشر يتم في وجه يسوع الإنساني، الذي يعكس صورة الآب. فإن كان الله في كل ديانة يقترب من الإنسان، فإن هذا الاقتراب يتحقق في المسيحية في إنسانية يسوع المسيح... أن حضور سر المسيح في الأديان الأخرى يتطلب من المسيحي انفتاحًا واستقبالًا للآخر بروح التمييز... وإذا أصبح سر المسيح منطلق لاهوت الأديان، فيجب أن لا نغفل دور الروح القدس الذي يتجاوز تأثيره حدود الكنيسة إن الروح يعمل في المؤمنين من الأديان الأخرى. ويقر المجمع الفاتيكاني بهذا التأثير وإن كانت دعوة الإنسان الأخيرة هي حقًا واحدة للجميع، أي أنها دعوة إلهية، علينا أن نتمسك بأن الروح القدس يقدم للجميع الإمكانية للاشتراك في سر الفصح بطريقة يعرفها الله وحده" (الكنيسة في عالم اليوم 22/5) " (587)
تعليق سريع:
عجبًا ثم عجبًا ثم عجبًا... ما هذا الذي نقرأه ولا نصدق أن الكنيسة الكاثوليكية تقرَّه؟! وما هذا الذي نسمعه ولا نصدق أن الكنيسة الكاثوليكية تنطق به..؟! تمعَّن أيها المسيحي في هذه العبارات المسمَّمة:
* كل إنسان يستطيع نيل الخلاص هذا مهما كان وضعه وانتماؤه الديني والثقافي (خارج الكنيسة).
* في كل ديانة أصنامًا تبعد عن الله الحقيقي، ولا توجد ديانة حقيقية ولا حتى المسيحية.
* الأديان غير المسيحية يمكن أن تكون طريق لخلاص اتباعها، وأن غير المسيحيين يمكن أن يخلصوا بطرقهم الخاصة حتى إذا لم يعرفوا المسيحية.
* المسيح يخص كل الأديان، بل بالحري كل الأديان خاصته.
* المؤمنون من الديانات الأخرى يمكنهم تحقيق اللقاء بصورة ضمنية، وأن الله حاضر لمؤمني الأديان الأخرى في ممارسة ديانتهم وإيمانهم ... إن الله في كل ديانة يقترب من الإنسان.
حقًا لو أن الشيطان قال ما قيل لكان هذا أمرًا مقبولًا لأنه كذاب وأبو الكذاب يُدعَى، ولا يهمه أمرًا مثل اهتمامه بتمييع قضية الخلاص، وصراع الناس وتضليلهم وإيهامهم أن الله الرحوم الرؤوف لا يمكن أن يُهِلك أحدًا فكيف يهلك ملايين البشر لأنهم فقط لا ينتموا للمسيحية؟! وأيضًا لو صدرت هذه الأفكار الشيطانية من مفكرين غير مسيحيين لصار الأمر مقبولًا لأنهم أبناء إبليس وهو ينطق على لسانهم، أما كون هذه الأفكار تصدر ممن يدَّعوا أنهم مسيحيون وتؤيد الكنيسة الكاثوليكية أفكارهم هذه فهذا مكمن الخطورة، وكأن بالكنيسة الكاثوليكية تصرخ لائمة الله الذي بذل ابنه بدون أي داع لهذا وتقول له:
يا حسرة على آلام الفادي!! يا حسرة على موت الذلة والازدراء!! يا حسرة على صليب الهوان والعار!! يا حسرة على الله الآب الذي بذل ابنه الحبيب الوحيد بدون مبرّر لهذا!! يا حسرة على الله الذي أعوزته المعرفة والحكمة فضحى بابنه لينقذ البشرية وهو يدرى أو لا يدرى بأن هناك طرق كثيرة للخلاص، وأن كل الأديان تؤدى للملكوت مثلما تؤدى كل الطرق إلى روما... نكتفي بهذا ولك أن تطالع بعض أقوال الكتاب المقدس التي تظهر فساد عبادة الأمم ورفض الله الشديد لها (خر32-لا26: 1، 30- عد33: 52 - تث12: 2، 3).
_____
(579) هل من خلاص لغير المؤمنين - مؤتمر حول " لاهوت الأديان " ص344.
(580) المرجع السابق ص345، 346.
(581) المرجع السابق ص346، 347.
(582) المرجع السابق ص349.
(583) المرجع السابق ص350، 351.
(584) المرجع السابق ص351، 352.
(585) المرجع السابق ص367.
(586) المرجع السابق ص354.
(587) المرجع السابق ص357-359.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/non-believers-salvation-religions.html
تقصير الرابط:
tak.la/jf49tsp