أولًا: البطريركية اللاتينية الأورشليمية:
في سنة 1099م عندما فتح الصليبيون القدس أقاموا بطريركًا وأساقفة وكهنة لاتين لقَّبوهم بقانوني القبر المقدس ودعوا البطريركية التي أقاموها " البطريركية اللاتينية الأورشليمية"، وفي سنة 1187م عندما استعاد صلاح الدين القدس تركها البطريرك اللاتيني وذهب إلى عكا، وفي سنة 1291م عندما دخل المماليك عكا تركها البطاركة اللاتين وعادوا إلى الغرب فلم يعد يوجد بطاركة لاتين في القدس حتى سنة 1848م، ولكن التواجد الرهباني اللاتيني لم ينقطع في القدس خلال الفترة من 1291م حتى 1848م، وأما منصب بطريرك القدس اللاتيني فقد أصبح منصبًا فخريًا يمنحه بابا روما لمن يشاء من أساقفة الغرب.
وعندما زار فرنسيس الأسيزي القدس استلم مغارة بيت لحم والجلجثة وجبل صهيون وكنيسة الناصرة فأصبح للرهبان الفرنسيسكان تواجد في القدس، وفي القرن الرابع عشر اشترى الرهبان الفرنسيسكان عدة أماكن مقدسة حيث أمدهم " روجيه " ملك نابولي وزوجته بالمال اللازم، وخلال حكم الدولة العثمانية (1516-1917) كان هناك نزاع على الأماكن المقدسة بين اليهود والمسيحيّين، وبين الكاثوليك والأرثوذكس، وبين الروم واللاتين فكان السلاطين العثمانيون يحكمون بينهم بينما يلجأ اللاتين إلى الدول الكبرى، وقد شبَّت حرب القرم (1854-1856) بين فرنسا وروسيا وكان من أهم أسبابها النزاع على الأراضي المقدسة، وأيضًا كان هناك رهبنة الكرمل اللاتينية، ومازالت هذه الرهبنة مستمرة في حيفا، وخرج منهم عدد من الأساقفة إلى لبنان والعراق والكويت. أما الرهبان الفرنسيسكان في القدس فإنهم انقسموا إلى قسمين:
أ-الذين يهتمون بإقامة الشعائر الدينية والسهر في الأماكن المقدسة.
ب- الذين يهتمون بالرعاية والخدمات الدينية والاجتماعية ورئيسهم يدعى " الحارس " ويشترط أن يكون إيطاليًا، ومحل إقامته دير المُخلِص في القدس، ويختار له نائبًا فرنسيًا ووكيل مالية ونائب له أسبانيان. كما أن هناك مجلس الحراسة الذي يتكون من أربع أعضاء مختلفي الجنسية من إيطاليا وأسبانيا وفرنسا وألمانيا. أما الآن فقد تغيَّر النظام حتى شمل جميع القوميات.
وانتشرت أديرة الفرنسيسكان في الأراضي المقدسة مثل دير جبل صهيون، ودير المُخلِص في القدس، ودير القبر المقدس في حرم كنيسة القيامة، ودير القديسة كاترين في بيت لحم، ودير البشارة في الناصرة بالإضافة إلى اثني عشر ديرًا في القدس وعين كارم وعمواس والرملة ويافا وطبريا وكفرناحوم وحيفا وعكا، وانتشرت حول الأديرة الفرنسيسكانية المدارس والملاجئ والمستوصفات والمراكز الحرفية مما أدى إلى نشر الكلثكة بين أهالي تلك المناطق.
عودة البطريركية اللاتينية الأورشليمية:
في عصر البابا بيوس التاسع (1846-1878) ثار جدال حول إعادة البطريركية اللاتينية بالقدس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فعارض حارس الأراضي المقدسة رئيس الهيئة الفرنسيسكانية، وأيضًا عارضت فرنسا حامية الكثلكة في الشرق، وفي 23/7/1847م صدرت الرسالة البابوية من بيوس التاسع بإعادة البطريرك اللاتيني إلى القدس، وتم اختيار " يوسف فالرغا " لهذا المنصب، وعندما وصل إلى القدس استقبله الرهبان الفرنسيسكان، وممثلو الطوائف المسيحية، وحاكم القدس ظريف مصطفى باشا الذي قدم له حصانه ليركبه وجعل فرقة من الجند ترافقه، وعندما اجتاز أسوار القدس أطلقت المدفعية طلقاتها تحية له (انظر إلى هذا الدخول وإلى دخول سيدنا الصالح أورشليم متواضعًا راكبًا على جحش).
وجمع حاكم القدس في ديوانه البطاركة الثلاثة اللاتيني والأرثوذكسي والأرمني ورحب بهم وقد وصلته رسالة من الباب العالي العثماني توصيه بأن البطريرك الجديد مثله مثل البطاركة السابقين، ثم دعاهم إلى اجتماع في كنيسة القيامة أمام جمع غفير حيث ناشدهم بالحفاظ على روح الوحدة والتعاون، وقدم الرهبان الفرنسيسكان للبطريرك اللاتيني يوسف فالرغا مسكنًا في ديرهم، فعيَّن البطريرك حارس الأراضي المقدسة نائبًا له، وجعل مجمع الحراسة مجمعًا استشاريًا ليضمن تعاونهم معه.
ولكن خلال سنتين احتدم الصراع بين البطريرك اللاتيني والرهبان الفرنسيسكان فقدم استقالته سنة 1849م وذهب للقاء بابا روما ورئيس جمهورية فرنسا. ثم عاد إلى القدس معتمدًا على تعليمات مجمع نشر الإيمان في روما التي تنظم العلاقة بينه وبين الرهبان الفرنسيسكان، واستعان بكهنة من خارج القدس كما سام 16 كاهنًا وبنى له مقرًا كبيرًا لإقامته ومعه الكهنة الإداريين، وأقام الكاهن " منصور براكو " أسقفًا مساعدًا له، وقام ببناء كاتدرائية، واستعان برهبانيات القديس يوسف، وراهبات الناصرة وصهيون في خدمة التعليم، واشترى أرضًا في بيت جالا لبناء كنيسة كاثوليكية رغم قلة عدد الكاثوليك بالمنطقة جدًا فحدثت اشتباكات مع الأرثوذكس بالأيدي والسيوف والرصاص وتدخل الباب العالي وسمح للكاثوليك ببناء كنيسة ودير في هذه المنطقة. كما أسَّس يوسف فالرغا جمعية فرسان القبر المقدس لمرافقة الحجاج ومساعدتهم فبلغ أعدادهم نحو 1147 عضوًا.
وشارك يوسف فالرغا في المجمع الفاتيكاني الأول (1869-1870) وألقى خطابًا عن العصمة الباباوية، وآخر عن شئون الكنائس الشرقية الكاثوليكية وخضوعها لكرسي روما مع الحفاظ على حريتها في اختيار صلواتها، وفي سنة 1872م مات يوسف فالرغا ويحتسبونه (اللاتين) من أعلام الطائفة اللاتينية في الشرق الأوسط.
وعندما خلَّفه على الكرسي نائبه البطريرك منصور براكو (1872-1889) انضم للرهبانيات القائمة في القدس رهبنة " الفرير " أي إخوة المدارس المسيحية، فقمنَّ الراهبات برعاية المدارس في بيت لحم وحيفا والناصرة، وأيضًا تجدَّدت رهبنة " الدومنيكان"، وتأسَّست رهبانية " الورديَّة " سنة 1880م التي أسَّستها الراهبة " الفونسين " التي انتقلت من راهبات ماريوسف سنة 1883م إلى رهبانية الورديَّة، فساعدت هذه الرهبانيات الكنيسة اللاتينية في رعاية المرأة.
تعريب البطريركية اللاتينية الأورشليمية:
تناوب البطاركة اللاتين، وفي سنة 1927م ظهرت حركة " لجنة الإصلاح " في شرق الأردن التي تطالب بإلغاء " الليتنة " أي ممارسة الطقس باللغة اللاتينية، وطالبت بتعريب أجهزة البطريركية وإدارتها فاستجاب لها البطريرك " بارلسينا " وعيَّن نائبًا عربيًا له هو "أنطون زينون" سنة 1927م ثم منصور جلاد سنة 1935م ثم نعمة سريان الذي صار أول نائب عربي يسام أسقفًا لشرق الأردن، وفي المجمع الفاتيكاني الثاني (1962- 1965) ثارت تساؤلات وهي ما الداعي لوجود كنيسة لاتينية أرثوذكسية في الشرق..؟ واستقر الرأي أن هذه الكنيسة أصبحت كنيسة محلية عربية بأبنائها وإكليروسها، وهذا ما ترجمه البابا يوحنا بولس الثاني في 6 يناير سنة 1988م عندما قام بسيامة ميشيل صباح بطريركًا على بطريركية اللاتين الأورشليمية، وجاءت سيامته مفاجأة للعالم لأنه فلسطيني الجنسية ولُدِ في الناصرة سنة 1933م لذلك التقت به كثير من وسائل الإعلام العالمية وتحدث كثيرًا عن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي سنة 1995م كان يتبع البطريركية اللاتينية الأورشليمية سبعين ألف عضو في الأردن وفلسطين وقبرص وخمسة وثمانين كاهنًا بالإضافة إلى الرهبان والراهبات.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/latin-patriarchate.html
تقصير الرابط:
tak.la/sfcym5b