St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   catholic
 
St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   catholic

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب يا أخوتنا الكاثوليك، متى يكون اللقاء؟ - أ. حلمي القمص يعقوب

250- تأسيس رهبانية الآباء اليسوعيين "الجزويت" الكاثوليك | أغناطيوس دي ليولا

 

أسَّس هذه الرهبانية " أغناطيوس دي ليولا " الذي وُلِد سنة 1491م من أسرة غنية إذ كان أبوه أحد النبلاء في أسبانيا، ومُنح أول درجة إكليريكية (إكليل الرأس) ويقول الأب لويس نصري " ولا يبدو أنه تقَّبل هذه الدرجة بتقوى أو حرارة، فإنه بمجرد ما ترك موطنه ليعمل في مدينة "أريغالو" الصغيرة استسلم للحياة السهلة الممتعة التي كان يسعى إليها كل شاب في أسبانيا " (152)

لقد عاش أغناطيوس في ملذات العالم فقال عنه الأب Lainez " عند عودته إلى موطنه في مهرجان سنة 1515م كان له 24 سنة من العمر استسلم إلى أمور خطيرة أوشكت أن تسوقه إلى السجن " (153) ويعلق على هذا الأب لويس نصري قائلًا "ما هي يا ترى هذه الجرائم التي ارتكبها..؟ هل كان هناك اختطاف امرأة؟ هل سَجَنَ أحد خصوم لويولا وأشبعه ضربًا؟ كلا من الأمرين جائز ولكن لم تزل سرًا لم يكشفه أحد، ومن المضحك أن المجرم الصغير يستخدم الدرجة الكنسية التي قبلها في صغره وكاد ينساها وهي " إكليل الرأس " ليتهرب من المحاكمة المدنية ويسلم نفسه للمحاكم الكنسية " (154)

وعندما هاجم جيش نافار الفرنسي قلعة المدينة Pampelune الأسبانية هرب رجال حامية المدينة، ولكن أغناطيوس أخذ يشجع ما تبقى من الرجال للدفاع عن المدينة، وقدم هو اعترافاته لأحد أصدقائه لعدم وجود كهنة قريبين كما كانت العادة جارية في القرون الوسطى وكانت الكنيسة تقرُّ بصحة هذا الأسلوب، وظلت قوات نافار الفرنسية تمطر القلعة بوابل من قذائف المدفعية فأصيب أغناطيوس وكُسِر ساقه اليمنى، وجُرِح ساقه اليسرى، وبعد استسلام القلعة عامله الفرنسيون معاملة حسنة جدًا حتى أنهم أوصلوه برفقة حرس خاص إلى موطنه، ورغم أنه أُجرِيت له عملية جراحية ذاق فيها العذاب لأن التخدير لم يكن قد عُرِف بعد، فإنه بعد انتهاء العملية ظهرت عظمة من الساق بارزة، وكان هذا يمثل عيبًا خطيرًا للفارس الأسباني فلجأ إلى عمل عملية جراحية أخرى ذاق فيها عذاب أكثر، والعجيب أن العمليتين الجراحيتين أسفرتا عن قصر رجل عن الأخرى فاضطر إلى لبس فردة حذاء بكعب مرتفع عن الأخرى، وفي كل هذا كان كل " ما يحلم به هو الفوز بالنساء، وكان في هذا المجال طموحًا فإنه كان يتوق إلى أميرة من الدم الملكي " (155)

St-Takla.org Image: Ignatius of Loyola صورة في موقع الأنبا تكلا: إغناطيوس ليولا

وبينما كان اغناطيوس يبحث عن كتب الفروسية خلال فترة تقاعده ليشبع نهمه وجد كتاب "الأسطورة الذهبية" الذي يتحدث عن السيد المسيح والقديسين الذين اقتدوا به، وكان الكتاب مكوَّن من أربعة أجزاء تسبقها مقدمة عن أهمية زيارة الأراضي المقدسة، فقرأ اغناطيوس هذا الكتاب بشغف زائد وقرَّر أن يذهب إلى القدس وأن يقتدي بالقديسين أمثال فرنسيس الأسيزي ودمينيك كما انقطع عن كل الانحرافات الجنسية.

وقطع اغناطيوس رحلة طويلة من شمال غرب أسبانيا قاصدًا أرض فلسطين، ولكنه في الطريق مال إلى دير للآباء البندكيتيين واعترف بخطاياه كتابة، ومارس النسك والتقشف إلى حد أكل الخبز اليابس وارتداء رداء من الشعر الخشن على اللحم متمنطقًا بسلسلة من حديد حول وسطه، وترك شعر رأسه ولحيته وأظافره، ولم يهتم بمظهره، وكان ينام في العراء، ودرَّب نفسه على القيام بالأعمال الوضيعة ولا سيما خدمة المرضى الذين يعانون من جروح قد تعفنت، ورغم خدمته هذه فقد أُصيب بتجربة نفسية قاسية إذ صاحبه ميل للانتحار " التجارب القاسية التي مرَّ بها اغناطيوس الوسواس أولًا ثم اعترافه المتكرر ثم الآلام التي كانت تحدثها ذكريات خطاياه، فإنه كان يعتقد أنه لم يُحَل من آثامه، وأخيرًا " اليبوسة " الروحية المقرونة بالملل، وفوق هذا كله تجربة الميل للانتحار" (156)

ثم بدأ اغناطيوس رحلته إلى القدس وهو لا يملك شيئا، فكان يترجى أصحاب السفن ليسمحوا له بالركوب مجانًا، وكان يقتات من التسول، وزار الأراضي المقدسة وتبارك بها، وعندما عاد إلى برشلونه التحق بمدرسة ليتعلم مع الصغار لمدة عشر سنوات من 1524 إلى 1533م، ثم التحق بالجامعة، وكان يرتدى ثوب غريب من نسيج الأكياس ويقف في الطرقات مع تلاميذه المتشبهين به ليعظ الناس، ويتقبَّل الصدقات لكي يجود بها على الفقراء، فكان وقته مقسمًا بين الجامعة والمستشفى والسجن للدراسة وزيارة المرضى والمساجين.

وفي سنة 1528م ترك اغناطيوس أسبانيا إلى باريس لدراسة اللاهوت ولم يكن معه غير 25 درهمًا حصل عليهم من إحدى السيدات صانعات الخير، وكان أغناطيوس لا يجب الاحتفاظ بالمال بل ويشمئز منه " ويلزم التسليم بصحة الواقع الأليم (للكنيسة الكاثوليكية) الذي جعل اغناطيوس فيما بعد يشمئز من المواضيع المالية عامة ومن موارد وأملاك الكنيسة خاصة " (157)، ولذلك أودع ماله إلى طالب أسباني يدرس في باريس، ولكن هذا الطالب الأسباني بدَّد الدراهم الخاصة باغناطيوس، فاضطر أغناطيوس للجوء إلى التسول للحصول على احتياجاته الضرورية من المأكل والدراسة، وكان ينام في مأوى مجانًا. ثم كان يذهب في كل عام إلى بلاد ال Flandres يستجدى المعونة من التجار الأسبان الأثرياء التي تكفيه بقية العام.

وفي سنة 1534م حصل على أستاذية الفنون وقدم مع رفاقه نذور الفقر والعفة في إحدى كنائس باريس، وأقاموا أنفسهم وعاظًا في إيطاليا، وفي سنة 1535م عاد إلى وطنه بسبب إصابته بمرض، وعندما عاد رفض السكنى في قصور أجداده بل عاش في مستشفى " المجدالانا " الفقير بالقرب من لويولا، واستطاع أن يتدخل وينهى الصراع بين أسياد لويولا وراهبات الحبل بلا دنس.

وفي سنة 1539م سافر من أسبانيا إلى روما مع رفاقه وانضم إليهم الكثيرون بسبب قوتهم في الوعظ، وأرسل اغناطيوس رفاقه التسعة إلى البابا بولس الثالث رقم (220) [1550-1555] ليطلعوه على نواياهم فأحسن البابا استقبالهم، وصرَّح لمن لم يحصل منهم على الدرجة الكهنوتية أن يحصل عليها عن طريق الأسقف الذي يختاره، ورأى اغناطيوس في رؤيا الأب السماوي يضعه في إتحاد مع ابنه يسوع المسيح لذلك دعي الرهبانية التي أنشأها " الرهبانية اليسوعية " وأصل الاسم " سرّية يسوع"، وقاموا بفتح ملجأ للفقراء في روما ليتسع لثلاثة آلاف شخص. كما أقاموا بيتًا للفتيات التائبات باسم " بيت القديسة مرثا " فقد كان عدد الساقطات في روما يفوق عدد الفتيات الشريفات فيها.

وفي سنة 1540م قام البابا بولس الثالث بمنح الرهبانية اليسوعية براءة الاعتماد، وفي 21 ابريل سنة 1541م أبرز رفاق اغناطيوس نذورهم الاحتفالية أمام القربان قبل التناول، وعلى مدار عدَّة سنوات قاد اغناطيوس رهبانه لطريق خدمة المرضى والفقراء فوصل عددهم سنة 1552م إلى ألف عضو وكان مركزهم في روما، وعندما كان يقيم القداسات كان لا يكف عن البكاء... قسم اغناطيوس العالم إلى اثنتي عشر منطقة جعل لكل منطقة رئيسًا وصار هو الرئيس لهؤلاء الرؤساء، وفي تنظيمه لرهبانية الجزويت وضع أربع درجات، الأولى تمثل الشباب الذي التحق بالمعاهد الخاصة استعدادًا لدخول الرهبنة، والدرجة الثانية لمن نجح في الامتحان وقدم النذور الثلاثة الفقر والعفة والطاعة، والدرجة الثالثة للمعلمين والأساتذة والوعاظ وآباء الاعتراف، والدرجة الرابعة للذين قدموا النذر الرابع وهو الطاعة المطلقة للبابا وهم يمثلون أعضاء الطغمة المطلعون على أسرارها.

St-Takla.org Image: St. Ignatius Loyola (Jesuit Saint) - Etching by Jacques Callot, 17th century, National Gallery of Art, Washington DC, USA. صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس إغناطيوس ليولا (قديس يسوعي) - نقش من عمل الفنان جاك كالوت (القرن السابع عشر) - المعرض الوطني للفنون، واشنطن العاصمة، أمريكا.

St-Takla.org Image: St. Ignatius Loyola (Jesuit Saint) - Etching by Jacques Callot, 17th century, National Gallery of Art, Washington DC, USA.

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس إغناطيوس ليولا (قديس يسوعي) - نقش من عمل الفنان جاك كالوت (القرن السابع عشر) - المعرض الوطني للفنون، واشنطن العاصمة، أمريكا.

وفي أي مكان كان يذهب إليه الرهبان الجزويت كانوا يقيمون المستشفيات والمدارس ويهتمون بالوعظ ويقبلون الاعترافات، فعن طريق المستشفيات كانوا يكتسبون عطف الشعب، وبواسطة المدارس غرسوا في النشء الصغير الروح الكاثوليكية، وبالوعظ قاوموا الفكر البروتستانتي وثبَّتوا الفكر الكاثوليكي.

لقد مثَّلوا مملكة داخل مملكة أو كنيسة خاصة داخل الكنيسة العامة، وكانوا يفرضون رقابة على أنفسهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فكل مجموعة تراقب المجموعات الأقل، وتُراقَب من المجموعة الأعلى، وحتى الرئيس العام كان يًراقَب بواسطة أربعة أشخاص أحدهم أب روحي، وهؤلاء الأربعة لا يتدخلون في الأوامر التي يصدرها الرئيس العام ولا يحدُّون من سلطاته ولكنهم يراقبون تصرفاته لئلا يهمل في حق الطغمة.

وألَّف أغناطيوس كتاب " الرياضيًّات الروحيَّة " بقصد ضبط حركات الروح أثناء الصلاة، فحركات الجسد يمكن أن تقع تحت سيطرة الإنسان ولكن حركات الروح تحتاج لمعونة إلهية حتى لا تصير الروح مثل الذباب الذي يطير بلا ترتيب أو مثل القرود التي لا تكف عن القفز، ويرى البعض أن كتاب الرياضيَّات الروحيَّة يمثل أفضل ما وصل إليه الغرب في اليوجا، فالمتأمل يجلس على مقعد غير مرتفع ويحنى رأسه على صدره وينظم حركة التنفس فتتمشى مع نغمة الدعاء " يا سيدي يسوع المسيح ارحمني"، ويمثل هذا الكتاب الرياضيَّات والاختبارات الروحيَّة التي مرَّ بها أغناطيوس أثناء حياته، وقال البابا بيوس الحادي عشر سنة 1922م عن هذا الكتاب أنه "الأكثر تعقلًا وحكمة وشيوعًا لقيادة النفوس في طريق الخلاص والكمال، وهو نبع لا ينضب للنفوس السامية والراسخة "(158)

وقد رحل اغناطيوس من هذا العالم في فجر 31 يوليو سنة 1556م وهو وحيدًا في حجرته بعد أن عاش حياة التقشف الشديد وأسَّس هذه الرهبانية.

ولقد أوقفت الرهبانية الجيزوتية الانتشار البروتستانتي سواء بالوعظ والتعليم، وأحيانا بالنار والسيف في حالة استحالة الإصلاح بالوعظ، فالحروب الدينيَّة التي ثارت في فرنسا ضد الكالفنيّين ساهمت فيها طغمة الجزويت وحرب الثلاثين عامًا في ألمانيا قد هيأتها رهبنة الجزويت، ولهذا قال البعض عنهم " عندهم الدسائس مصحوبة بأعمال غير حسنة، وحيث أنهم يحتقرون كل القوانين الأدبيَّة لأجل الحصول على غايتهم فهم لا يتورعون عن ارتكاب الجريمة " (159)

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(152) القديس اغناطيوس والرهبانية اليسوعية ص4.

(153) المرجع السابق ص50.

(154) المرجع السابق ص50.

(155) المرجع السابق ص7.

(156) المرجع السابق ص14.

(157) المرجع السابق ص4.

(158) القديس اغناطيوس والرهبانية اليسوعية ص44.

(159) تاريخ الكنيسة المسيحية - المطران الكسندروس جحا مطران حمص ص647.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/jesuits.html

تقصير الرابط:
tak.la/pcngna3