يقولون أن رهبنة الكرمل هي أقدم رهبانية في العالم لأن المؤسّس لها هو إيليا النبي في العهد القديم الذي قدم الذبيحة على جبل الكرمل فقبلتها السماء، وعلى هذا الجبل عاش حياة الوحدة والتأمل، وعندما جاء السيد المسيح كان هناك نسَّاكًا على جبل الكرمل يقتفون أثر إيليا النبي وآمنوا بالمسيحية، وقالوا أيضًا أن السيدة العذراء وهي في الناصرة زارت نساك جبل الكرمل عدة مرات، وفي نهاية القرن الأول أنشأ نساك هذا الجبل معبدًا باسم مريم العذراء وسموا أنفسهم " أخويَّة الطوباوية مريم " وأول وثيقة تاريخية عن رهبانية جبل الكرمل ترجع إلى سنة 1117 م. حيث يقول الراهب خوان دي فوكاس " في طرف الجبل الأمامي المواجه للبحر تبدو مغارة إيليا النبي... ولقد كان هنالك مسكن فسيح في الأزمنة القديمة كما تدل عليه الآثار التي لا تزال موجودة للآن، ولكن اندثر المسكن تقريبًا بمرور الوقت، ورغم ذلك فمنذ بضعة سنوات قَدُمَ راهب كامل كبير السن إلى هذا الجبل بإلهام من إيليا النبي، وشيد سورًا حول المسكن القديم وبنى برجًا وكنيسة صغيرة وجمع حوالي عشرة رهبان أقام معهم في هذا المكان المقدس"(160).
وحتى الآن كل يوم 20 من شهر يوليو يصعد كثيرون من مختلف الأديان إلى جبل الكرمل ليُكرّموا إيليا النبي الناري الذي عاش في هذا المكان، وقد اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية أن إيليا النبي هو مُؤسَس رهبانية الكرمل، ولذلك وضع البابا بنديكتوس الثالث عشر سنة 1725م تمثالًا لإيليا النبي في كاتدرائية القديس بطرس بروما.
وفي القرن الثالث عشر انتشرت الرهبنة الكرملية في الغرب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. حتى أنه في عام 1282 م. كان هناك نحو مائة دير منتشرة في أرجاء أوربا، ولكن الرهبنة الكرملية في الشرق تجدها مبنية على العزلة التامة والعبادة والتأمل داخل أسوار الدير، أما في الغرب فقد استأذن الرئيس العام للرهبانية الكرملية "سيمون ستوك" من "البابا اينوشنسيوس الرابع" سنة 1247م لتطويع القوانين الكرملية الأصلية لتساير الظروف السائدة في الغرب، ووافقه البابا على هذا الطلب متبعًا ذلك بإعادة ترتيب الرهبنة ولحق إياها بطائفة "رهبنة المتسولين" وهم الدومينيكان والفرنسيسكان نتيجة لذلك لم يقتصر الرهبان الكرمليون على ممارسة الحياة التأملية المحضة بل جازوا ذلك إلى حد المساهمة في خدمة الكنيسة"(161).
ويقولون أن السيدة العذراء ظهرت لسيمون ستوك وهي تحمل ثوب رهبنة الكرمليين وقالت له "هوذا مزيد فضل لك ولجميع الكرمليّين بمثابة امتياز خاص، فمن مات وهو متدثر به لا تمسه النار الأبدية" (162) فاعتبروا أن من يسلك في الرهبانية الكرملية سينجو من النار المطهرية.
وفي القرن الرابع عشر انتشر مرض الطاعون في أوروبا فأثر ذلك على الحياة الرهبانية الكرملية، فمثلًا في أحد الأديرة التي كان يعيش فيها مائة راهب لم يتبق منهم على قيد الحياة إلاَّ سبعة رهبان، وهذا سهَّل دخول غير المؤهلين لهذه الرهبانية، وأيضًا خلال حرب المائة عام من سنة 1347 م. إلى سنة 1453 م. تأثرت هذه الرهبانية لأن الرهبان الكرمليون كانوا يخرجون للحرب مع الجنود مما أكسبهم عادات لا تتفق مع الحياة الرهبانية.
وفي القرن السادس عشر تأثرت رهبنة الكرمل جدًا بالحركة البروتستانتية التي أغلقت الأديرة وشرَّدت الرهبان وأجبرتهم على الزواج في بلاد كثيرة، وهنا برزت تريزا الأهومدية المعروفة باسم "تريزا دافيلا" التي أسَّست عدة أديرة كرملية جديدة.
Teresa of Ávila وُلِدت سنة 1515 م. في مدينة أبيلا الأسبانية من أسرة مسيحية نبيلة، وماتت أمها وهي في سن الثانية عشر من عمرها، وكانت تريزا بارعة الجمال وتحمل روحًا قويًا وتحلم بأعمال بطولية ضد البروتستانتية، ففي سن الثامنة عشر دخلت أحد أديرة الراهبات الكرمليات في "أبيلا"، وكانت الجرائم التي يرتكبها البروتستانت تشعل نار الغيرة على أمجاد الكاثوليكية في قلب تريزا، حتى كانت تقول "أن العالم تضطرم فيه النيران، وأنى على استعداد تام للتضحية بحياتي ألف مرة من أجل خلاص نفس واحدة " (163) ولذلك لجأت في سنة 1562 م. إلى إنشاء دير في مدينة أبيلا للراهبات المحصّنات حيث يمارسن التقشف والعبادة والتأمل داخل أسوار الدير مثلما كانت الرهبنة على جبل الكرمل، وأسمت الدير باسم "دير الكرمليات الحافيات" وكان شفيعهنَّ القديس يوسف النجار خطيب العذراء مريم، وعندما نجحت فكرة هذا الدير أرادت تريزا دافيلا نشر هذا النمط من الرهبنة بين الرجال فالتقت بكاهن شاب كرملي يدعى "يوحنا للصليب" فوضع نفسه في خدمة هذه الفكرة، وفعلا تم إنشاء دير للرهبان الكرمليّين الحفاة سنة 1568م في دورويلو- ابيلا.
وعندما انتقلت تريزا دافيلا سنة 1582م كانت حركة الإصلاح الرهباني انتشرت في 17 ديرًا للراهبات، و15 ديرًا للرهبان، وانتقل يوحنا للصليب سنة 1591م، وقد ترك كل منهما وراءه كتابات روحية حتى لقَّبوا تريزا بأم الروحانيّين ولقبوا يوحنا للصليب بمعلم التصوف، وبعد انتقالهما بنحو مائة عام كانت رهبانية الكرمليّين الحفاة قد انتشرت في أرجاء أوروبا وفي قلب روما، وامتدت بعد ذلك في أسيا وأفريقيا وأمريكا.
_____
(160) رهبنة الكرمل - مطبوعات رسالة القديسة تريزا ليسوع الطفل ص12.
(161) المرجع السابق ص17.
(162) المرجع السابق ص76.
(163) المرجع السابق ص45.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/teresa-d-avila.html
تقصير الرابط:
tak.la/2t3c5zq