عُقِد سنة 1274م في عهد البابا غريغوريوس العاشر رقم (183) [1271-1276] بقصد الاتحاد بين كنيستي روما والقسطنطينية والاعتراف برئاسة كنيسة روما على كل الكنائس. أما تفصيل ذلك باختصار شديد فنذكره في الآتي:
عندما استعاد ميخائيل باليولوغس القسطنطينية من قبضة اللاتين قبض على الوريث الشرعي للملكة وهو القاصر يوحنا لاسكارس وقلع عينيه ونفاه مع أخوته، فتصدى له البطريرك أرسانيوس وحكم عليه بالحرم. ثم وجد ميخائيل الأخطار تتهدَّده من جهات عديدة، ولاسيما من بلدوين الثاني قيصر اللاتين الذي طرده الروم من القسطنطينية فلجأ إلى إيطاليا يطلب مساعدة البابا والملك كارولس، وأراد ميخائيل أن يستميل البابا بحجة توقيع الإتحاد بين كنيستي روما والقسطنطينية، فأرسل البابا أريانوس الرابع رقم (181؟ (182)) [1261-1264] سنة 1263م أربعة أخوة من الفرنسيسكان ليتمّموا الإتحاد بين الكنيستين فكتب لهم القيصر كتاب الإتحاد وكان أقرب للصيغة الأرثوذكسية منه للكاثوليكية فرفضه البابا وكتب لهم اعتراف إيمان سنة 1267م بحسب كل هواه وعقائده وطلب من القيصر وكنيسة القسطنطينية التوقيع عليه، وركز اعتراف الإيمان هذا على سلطة البابا التي تفوق سلطة المجامع ورئاسته على الكل فجاء فيه " أن أسقف رومية نظرًا للسلطة اللائقة بالرئاسة المعطاة له من الله له الحق أن يحكم في كل خلاف أو خصام يقوم على العقائد الدينية أو غيرها ويقرّرها، وأن رتبة الكنائس البطريركية صادرة من الكنيسة الرومانية وحدها، وأن المجامع أيضًا لا حاجة إليها بالكلية ووجودها وعقدها إهانة محضة. لأنه من انعقادها يمكن أن تخرج النتيجة أن الكنيسة الرومانية ليست قادرة وحدها أن تجد الحقيقة وتظهرها" (91)
أما القيصر ميخائيل فحاول جاهدًا استرضاء البطريرك أرسانيوس ليحله من حرمه بسبب اغتصابه المملكة من الوريث الشرعي فلم ينجح، فكان كل مرة يخلع تاجه ويحنى رأسه أمامه طالبًا الحل لا يحصل إلاَّ على التوبيخ. لذلك لجأ إلى عقد مجمع حضره نيقولاوس بطريرك الإسكندرية الدخيل وافتيموس بطريرك أنطاكية، ودعوا أرسانيوس للمحاكمة فرفض الحضور لأنه يعرف مسبقًا نية القيصر الشريرة، فعزلوه بسبب عدم استجابته لدعوة المجمع بالحضور فقط وليس لأي سبب آخر، وقام القيصر ميخائيل بنفيه إلى جزيرة بريكونيسيس سنة 1267م، وساموا بعده جرمانوس الثالث الذي لم يحتمل ملامة وتوبيخ الشعب أكثر من ثلاثة أشهر فاستعفى من منصبه هذا الذي اغتصبه من أرسانيوس، فساموا بدلًا منه بطريركًا ثالثًا هو يوسف الأول وكان متزوجًا قبلًا وله أولاد ويمتاز بالحلم والطيبة، وفي أول قداس يقيمه بعد شرطنته تقدم القيصر معترفًا علنًا بخطيئته أنه اغتصب المملكة وقلع عيني ابن الملك ونفاه وطلب الصفح عن خطيئته فمنحه يوسف البطريرك الحل وكذلك الأساقفة المجتمعين كل واحد على حدة ففرح ميخائيل وسرَّ بهذا.
أرسل ميخائيل رسلًا إلى البابا غريغوريوس العاشر رقم (183) [1271-1276] يعلمه برغبته في الاتحاد مع روما أملًا في الحصول على المساعدة الأدبية من البابا، وأن يمنع البابا ملوك الغرب من محاولتهم لاسترجاع القسطنطينية، إلاَّ أن البابا أساء استقبال سفراء القيصر وأهانهم ونعتهم بالخيانة. بل أنه وضعهم تحت القصاص، ثم أرسل البابا رسلًا إلى القيصر يخبره بأنه سيتم عقد مجمع في مدينة ليون السنة القادمة فإن كان يريد الإتحاد فهذه فرصته ليحضر شخصيًا أو يرسل نوابًا عنه ومعهم اعتراف الإيمان الذي كتبه البابا الأسبق أريانوس الرابع موقعًا عليه من كنيسة القسطنطينية وقيصرها.
رغم أن القيصر ميخائيل علم ما لحق بسفرائه في روما من إهانة ومذلة على يد البابا غريغوريوس العاشر إلاَّ إنه غضَّ النظر عنه، وجمع البطريرك يوسف مع نخبة من الإكليروس وحاول إقناعهم بالإتحاد مع روما وقبول الاعتراف برئاسة بابا روما وأن يكون هو المرجع في القضايا، وأكد لهم أن هذا الاعتراف نظري لا يمس الإيمان القويم في العقيدة لأن بابا روما لن يأتي إلى القسطنطينية ليترأس على أحد، ولو فرض أن هناك أحد له قضية فلن يعبر البحر ليستأنف قضيته لدى بابا روما. كما أنه طلب منهم ذكر اسم بابا روما في القداس أسوة بالكثيرين الذين يُذكر أسماؤهم من أحياء وأموات، فلبث البطريرك يوسف صامتًا وهو ينظر إلى يوحنا بيكس حافظ أوراق الكنيسة العظمى ليومئ إليه بالإجابة إلاَّ أن يوحنا تجاهل الأمر تمامًا، وعندئذ توجه البطريرك يوسف بسؤاله ليوحنا بيكس علانية: ما هو رأيك صراحة في اللاتين؟ وهدَّدهُ بالحرم إن لم يعلن رأيه صراحة، فقال بيكس أن العذاب الأبدي مخيف له أكثر من القصاص الزمني. ثم أوضح رأيه قائلًا "أنه يوجد كثيرون يُسمون هراطقة ولكننا إذا فحصنا دواخلهم لا نجد فيهم ولا هرطوقيًا واحدًا، ويوجد آخرون هم في الحقيقة هراطقة في ضميرهم من دون أن يكون اسم الهراطقة مُطلقًا عليهم، ومن هؤلاء اللاتين أي الرومانيون " فلما سمع القيصر هذا غضب عليه وألقاه في السجن، ثم طلب القيصر من اثنين من أتباعه بتأليف صكًا دفاعًا عن كنيسة روما فألفا صكًا دُعي بـ"طومس" فأمر القيصر بإرساله إلى البطريرك يوسف ومجمعه، فرفضوا الصك وردوا عليه بصك آخر دُعى بـ"الاندى طومس" (أنتي طومس) أي نقيض الطومس، فلجأ القيصر إلى استمالة يوحنا بيكس المسجون وأخذ يُرسل إليه شهادات بعض الآباء المبتورة والكتب التي وردت فيها هذه الشهادات فقبل يوحنا فكرة الإتحاد، ولا أحد يعلم هل قبوله هذا كان على سبيل الاقتناع أم بسبب ما عاناه في سجنه، وسهل له القيصر الأمر بقوله بأنه عند الموافقة على الإتحاد سيحذف اللاتين الزيادة في قانون الإيمان التي أضافوها من قبل...
وفي ذات الوقت بدأ القيصر يمارس اضطهادًا عنيفًا ضد شعبه الرومي الأرثوذكسي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فسلب أموال البعض وعذَّب وألقى في السجن ونفى الكثيرين، حتى أنه ادعى ملكية المدينة لأنه هو الذي استردها من اللاتين، وادعى أن جميع القاطنين بالمدينة مديونين له بأجرة بيوتهم ومخازنهم على مدار عشرة أعوام وفعلًا بدأ يُحصّل قيمة الإيجار الوهمي منهم فهرب الكثيرون من المدينة.
أرسل القيصر إلى روما ميخائيل جرمانوس البطريرك الثاني الذي اغتصب الكرسي ثم استعفى عنه تحت تأثير ملامة الشعب، ومعه ثاوفانس مطران نيقية وبعض الإكليروس والعلمانيين ومعهم هدايا ثمينة جدًا للبابا غريغوريوس العاشر والكرادلة لتتميم الإتحاد بين الكنيستين، فأقلعت بهم سفينتان من القسطنطينية، وفي الطريق إلى روما حدث نوء عظيم فغرقت السفينة التي تحمل رجال القيصر ومعهم الهدايا الثمينة، وبالجهد نجت سفينة جرمانوس ومن معه ومعهم اعتراف الإيمان كما دونه البابا أريانوس الرابع مُوقَّع عليه من 35 أسقفًا بدون ذكر أسمائهم مثل: مطران أفسس، أسقف... وهكذا.
فرح البابا برسل القيصر وكتاب الإيمان وجاء معهم إلى مدينة " ليون " في 24 يونيو سنة 1274م حيث صلى قداسًا احتفاليًا وتلي قانون الإيمان بالزيادة "والابن"، وكان مجمع ليون قد بدأ جلساته منذ 7 مايو وعقد ثلاث جلسات، فرأس البابا الجلسة الرابعة في 7 يوليو بحضور سفراء القيصر، والأمر العجيب أنه حضر أثناء المجمع سفراء من بلاد التتر (غير المسيحيين) في مهام خاصة للبابا فاستقبلهم ودعاهم لحضور المجمع بقصد أن يروا أمجاده وعظمته.
وفي الجلسة الرابعة قال البابا " أن اليونانيين حضروا بإرادتهم لكنيسة روما، أننا كتبنا إلى قيصرهم نسأله ما إذ كان يريد الخضوع لنا، وهو أرسل إلينا سفراء ليوافقونا على ذلك. فبرحمة الله قد رفض هذا الملك كل جدال وقبل طوع إرادته رئاستنا واعترف بإيماننا. أما سفراؤه فحضروا أمامنا ليوضحوا موافقة رُسلهم وقبوله " (92) عندئذ أقسم جاورجيوس القسطنطيني بأن القيصر يرفض الانشقاق، وهو يعد بأنه لن ينفصل عن روما قط. عندئذ كشف البابا غريغوريوس رأسه وبكى ورتل ترتيلة "نسبحك يا الله".
وفي الجلسة الخامسة وقف جرمانيوس البطريرك الغير شرعي مع ثاوفاتس مطران نيقية في منتصف الكنيسة وتلى جرمانوس قانون الإيمان ولما وصل إلى فقرة " نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحي المنبثق من الآب " زاد عليها "والابن" وكرَّرها مرتين رغم أن وعد القيصر لأهل القسطنطينية أن اللاتين أنفسهم سيحذفون هذه الزيادة عند قبول الإتحاد معهم، وفي نهاية الجلسة أمر البابا بقراءة مكاتبات خان التتر فكان المجمع مسيحيًا وغير مسيحي في آن واحد.
ثم حدَّد المجمع كيفية اجتماع الكرادلة لاختيار بابا جديد بأن يجتمعوا في مكان معلوم مُغلَق من كل الجهات لا يدخله أحد غير الخادم الخصوصي، ويغلق عليهم المكان لمدة عشرة أيام لا يخرجون فيها، وإن لم يتم انتخاب البابا بعد الثلاثة أيام الأولى يمنع عنهم الأكل في الأيام الباقية باستثناء الخبز والماء والخمر.
ولما عاد سفراء القيصر وعلم شعب القسطنطينية بما جرى هاجوا على القيصر قائلين " الآن آن الجهاد والشهادة... الآن آن الأكاليل المجيدة للاستشهاد " (93) أما القيصر فلم يكف عن اضطهاد أقربائه وشعبه حتى أنه نفى أخته افلوجيا صاحبة الإيمان القويم التي قالت " أنه من الأفضل أن تهلك إمبراطورية أخي من أن نفقد نقاوة الإيمان الأرثوذكسي " وقلع أعين أخويه مانوئيل واسحق وملأ السجون من ضحاياه. أما مدينة القسطنطينية فلم تكف عن الجدال في قضية انبثاق الروح القدس بما فيها من إكليروس ورهبان وفلاحين وتجار وصناع وأولاد ونساء، وعندما وصل سفراء بابا روما للقسطنطينية للتأكد من صحة الإتحاد أراهم القيصر السجون وما تكتظ به من المعارضين للإتحاد.
وعندما ارتقى البابا مرتينوس الرابع رقم (188) [1281-1285] كرسي الباباوية أرسل القيصر ميخائيل سفراءه ليقدموا التهاني للبابا، ولكن البابا مرتينوس قابلهم بكل احتقار وازدراء، وحرم قيصرهم ميخائيل ورفض قبول تهانيهم وادعى أن القيصر إنسان هرطوقي، وفي سنة 1282م مات الإمبراطور ميخائيل ورفضت كنيسة القسطنطينية الصلاة عليه لأنها اعتبرته خارجًا عن الإيمان الأرثوذكسي.
_____
(91) بابا ريغو بولس ج (5) ص131.
(92) تاريخ الانشقاق ج3 ص22.
(93) المرجع السابق ص24.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/catholic/council-lyon-ii-1274.html
تقصير الرابط:
tak.la/cmfcz29