س93 : هل الجسد الذي قام به السيد المسيح هو جسد آخر غير الذي وُلِد عاش وصُلب به؟
هكذا قال شهود يهوه، وأيضًا الدكتور القس إكرام لمعي، فقال شهود يهوه:
ـــ " وعندما أقيم يسوع من الأموات لم يسترجع الحياة البشرية التي ضحى بها بموته ولكنه أُقيم شخصًا روحيًا خالدًا ممجدًا"(711).
ــــ "ظهر يسوع نفسه بالجسد بعدما أُقيم من الأموات وذلك بتكوينه لنفسه جسدًا بشريًّا لكل مناسبة"(712).
ـــ "أما الآن فقد صار يسوع بقوة الله رئيس هيئة الله العليا العتيدة أن تسود الكون برمته... أليس هذا دليلًا راهنًا على أن يسوع لم يصعد إلى السماء بجسمــه البشري؟ وأنه ليس إنسانًا بعد؟ لأنه لو صعد كذلك لبقى أوطئ من الملائكة إلى الأبد"(713).
ـــ "فالجسد الذي رآه التلاميذ صاعدًا نحو السماء لم يكن الجسد الذي سُمّر به على الخشبة بل جسدًا كوّنه من عناصر المادة لذلك الحين فقط حتى يظهر لهم، ولما أخفته السحابة عن أعينهم حُلَّ الجسد إلى عناصره كما فعل بالأجساد التي اتخذها في غضون الأربعين يومًا السابقة"(714).
وقال "الدكتور القس إكرام لمعي": " لكي يقوم المسيح الناصري مـن بين الأموات، كان لا بد أولًا أن يموت، وأن يُدفن وعندما قام لم يقم بنفس الجسد الذي مات به. لقد قام بجسد مختلف تمامًا، والجسد الذي قام به المسيح كان جديدًا، بمعنى أنه لم يكن نوعًا جديدًا من الجسد القديم، ولكنه كان مختلفًا، أي أنه لم يأخذ طبيعة القديم أو أجزاء منه وأكمله بالجديد، لكن العكس تمامًا هو الصحيح. لقد قام المسيح بجسد مختلف" (المصالحة - مايو 2002م ص 1 تحت عنوان موت مَنْ؟.. وقيامة ماذا؟!)(715).
كما يقول "الدكتور القسم إكرام لمعي" في نفس المقالة السابقة: "ودفن القديم لا يأتي إلاَّ بنسفه تمامًا. فقد وضَّح المسيح هذا في أكثر من موقع. يقول: "ليس أحد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق. وإلاَّ فالجديد يشقه والعتيق لا توافقه الرقعة التي من الجديد... "(716).
ج: 1ـــ ليس للسيد المسيح جسدين، أحدهما مات به والآخر قام به، وكل منهما يختلف عن الآخر، بل أن الجسد الذي وُلِد به من العذراء مريم هو هو الذي نما قليلًا قليلًا بشبه البشر وبدون خطية وحده، هو هو الذي مات به على الصليب ودُفن في القبر، هو هو الذي قام به من بين الأموات وخرج من القبر والقبر ما زال مغلقًا لأنه تحوَّل إلى جسد ممجد نوراني، يدخل العلية وهيَ مغلقة، هو هو الذي ظهر به طيلة أربعين يومًا لخواصه الأطهار، هو هو الذي صعد به إلى السماء، وهو وهو الذي سيأتي به ليدين الأحياء والأموات، هذا هو الإيمان القويم الذي استمدته الكنيسة من الأسفار المقدَّسة وعاشت به على مدار عشرين قرنًا من الزمان.
2ــ قبل الصلب والقيامة بنحو ألف عام تنبأ داود النبي قائلًا: "جَسَدِي أَيْضًا يَسْكُنُ مُطْمَئِنًّا. لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِيِ في الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا" (مز 16 : 9، 10) وفسَّر هذه النبوة بطرس الرسول بقوله عن داود النبي أنه: " سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَادًا" (أع 2 : 31)، فالجسد الذي صُلب به لم يتعرض لفساد الموت ولم يختفي ولم يضمحل إنما قام به.
3ـــ أكد السيد المسيح أن الجسد الذي سيموت به هو هو الذي سيقوم به وذلك خلال حديثه مع اليهود، عندما قال لهم: " انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ... وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ" (يو 2 : 19، 21)، فهذا تصريح واضح وصريح أن الجسد الذي سيرفعه اليهود على الصليب هو هو جسد القيامة.
4ـــ أكد الملاك لمريم المجدلية ومريم الأخرى أن يسوع الناصري الذي صُلِب ودُفِن جسده في القبر هو هو الذي قام بجسده من الموت، فقال لهما: " فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ يَسُوعَ الْمَصْلُوبَ. لَيْسَ هُوَ ههُنَا لأَنَّهُ قَامَ كَمَا قَالَ" (مت 28 : 5، 6) ومريم المجدلية تعرَّفت عليه من خلال نبرات صوته (يو 20 : 16).
5ـــ عندما تحدثت أسفار العهد الجديد عن القيامة مرارًا وتكرارًا، لا تجد أية إشارة لا من قريب ولا من بعيد أنه قام بجسد آخر، بل نجد العكس، فمثلًا بولس الرسول يؤكد حقيقة قيامـة السيد المسيح بجسده: " وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ" (1كو 15 : 20).
6ـــ لو قام المسيح بجسد آخر، فمن أين أتت لهذا الجسد الجديد آثار المسامير والحربة التي لمسها توما، فشفته من شكوكه وصرخ قائلًا: " رَبِّي وَإِلهِي" (راجع يو 20 : 27 - 29)، وكيف رآه يوحنا الرائي " خَرُوفٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ" (رؤ 5 : 6)؟!
7ـــ قيامة السيد المسيح بذات الجسد كانت دليلًا قويًا على ألوهية المسيح الذي قام بقوة لاهوته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. كقول بولس الرسول عنه: " تَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ" (رو 1 : 4)، ويقول "جوش مكدويل": " لقد أشار يسوع إلى قيامته جسديًا كدليل على قيامته من بين الأموات وعلى أنه الله المتجسد كما قال، ومن ثم فإن زعم النُقَّاد بأن جسده لم يكن ماديًا يهدم الإيمان بألوهية المسيح. والقبر الفارغ في حد ذاته لا يبرهن على قيامة يسوع تمامًا كما أن اختفاء جثة من مشرحة لا يثبت أن صاحبها قد قام. إن الإيمان المسيحي مؤسَّس على القيامة الجسدية للمسيح.
ويقول الدكتور نورمان جايسلر: "لو أن المسيح لم يقم بنفس الجسد المادي الذي وُضع في القبر إذًا لفقدت القيامة قيمتها كدليل دامغ على ألوهيته التي أعلنها" (يو 8 : 58، 10 : 30). ولا يمكن للقيامة أن تبرهن على تصريح يسوع بأنه الله ما لم يقم المسيح بالجسد الذي صُلب به. هذا الجسد المادي الحقيقي، وما لم يقـم يســوع بجسد حقيقي، فلا سبيل إلــى التحقق مـن قيامته، وبالتالي تفقـد القيامة قيمتها ومصداقيتها التاريخية (Geisler B R, 36)"(717).
8ـــ لو قام السيد المسيح بجسد آخر، فأين ذهب الجسد الذي مات به؟ قال شهـود يهوه: " أما الجسد الذي بذله يسوع على الصليب ودُفِن في القبر فقد أخرجه الملاك من القبر بقوة الله الخارقة وأخفاه، ولو أنه بقى في القبر لتعذر على التلاميذ والذين آمنوا بكلامهم أن يعتقدوا بقيامة يسوع من الأموات"(718).
كما قال شهود يهوه أيضًا: "إذًا ماذا حدث بجسد يسوع اللحمي؟ ألم يجد التلاميذ قبره فارغًا؟ بلى، لأن الله أزال جسد يسوع... وهكذا رأى يهوه ملائمًا أن يزيل جسد يسوع كما فعل فعلًا بجسد موسى... وفيما ظهر يسوع لتوما في جسم مماثل لذلك الذي مات به، اتخذ أيضًا أجسامًا مختلفة عندما ظهر لأتباعه"(719).
وقولهم هذا غير مقبول لأن تعدد الأجساد يؤدي لانتفاء الشخصية، فيقول "القس صموئيل مشرقي": "تعدد الأجساد يؤدي إلى انتفاء الشخصية وعدم ثباتها لسبب تغيّرها بوجود كيان جديد"(720).
وإن كان الله قد أخفى جسد موسى، فذلك حتى لا يعبده اليهود، أما جسد المسيح فهو جسد الإله المعبود، الذي قَبِل السجود والعبادة قبل الصلـب والقيامة (يو 9 : 35 - 37).. انظروا إلى مغالطات شهود يهوه عندما يقولون أن الله أزال جسد يسوع كما أزال جسد موسى... فهل الله أزال جسد موسى أم أنه أخفاه..؟! كان لا بد أن يقوم السيد المسيح بجسده الذي تعرَّض للمذلة والعار وألم الموت ليعلن انتصاره على الموت والشر، أما لو صنع السيد المسيح لنفسه جسدًا جديدًا، فهذا يعني اعتراف منه بأن الموت قد هزمه وقضى على جسده.
9ـــ حديث السيد المسيح عن الرقعة الجديدة على الثوب العتيق لا علاقة لها على الإطلاق بقيامة السيد المسيح من الموت، لأن الحديث كان يدور حول الصوم، ولماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرًا، أما تلاميذ يسوع فلا يصومون: " وَقَالَ لَهُمْ أَيْضًا مَثَلًا لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ رُقْعَةً مِنْ ثَوْبٍ جَدِيدٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيق وَإِلاَّ فَالْجَدِيدُ يَشُقُّهُ وَالْعَتِيقُ لاَ تُوافِقُهُ الرُّقْعَةُ الَّتِي مِنَ الْجَدِيدِ" (لو 5 : 36)، فكان قصد السيد المسيح من هذا المثل أن يوضح الفرق بين العهدين، العهد القديم عصر الناموس، والعهد الجديد عصر النعمة، كقول بولس الرسول: " فَإِذْ قَالَ جَدِيدًا عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِــنْ الاضْمِحْلاَلِ" (عب 8 : 13) (راجع أف 4 : 20 - 23، كو 3 : 9، 10)، راجع أيضًا كتابنا: شهود يهوه... هوة الهلاك ص 89 - 91.
10ـــ كيف مات السيد المسيح على الصليب واللاهوت منزَّه عن الموت؟.. لقد انفصلت روح السيد المسيح البشرية عن جسده، بينما لم يفارق لاهوته إحداهما، ولذلك هبط السيد المسيح بروحه البشرية المتحدة بلاهوته للجحيم وسبي سبيًا وأعطى الناس كرامات وأنقذ أسرى الجُب الأبرار الذين ماتوا منذ آدم وحتى لحظة الصليب، ونقلهم إلى الفردوس " فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ. الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَــبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ" (1بط 3 : 18، 19).. " وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ. ارْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ يَا أَسْرَى الرَّجَاءِ" (زك 9 : 11، 12)، وفي القداس الإلهي: " هذا الذي كنا مُمسكين به مبيعين من قِبل خطايانا نزل إلى الجحيم عن طريق الصليب" (القداس الباسيلي)، وأيضًا جسد المسيح المتحد بلاهوته في القبر لم يعاين فسادًا، وماذا حدث لحظة القيامة؟.. وحَّد اللاهوت بين روح السيد المسيح البشرية وبين جسده البشري الذي مات به وقام به منتصرًا على الشيطان والخطية.
_____
(711) ليكن الله صادقًا ص 123.
(712) هذه هيَ الحياة الأبدية ص 127.
(713) ليكن الله صادقًا ص 53.
(714) الحق يحرركم ص 300.
(715) أورده أنور يسى منصور - قضايا خطيرة ص 117.
(716) المرجع السابق ص 120.
(717) برهان يتطلب قرارًا ص 214.
(718) قيثارة الله ص 203.
(719) يمكنكم أن تحيوا إلى الأبد ص 143 - 145.
(720) أورده أنور يسى منصور - قضايا خطيرة ص 119.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/93.html
تقصير الرابط:
tak.la/7bmnqg7