س92 : كثير من النُقَّاد أنكروا قيامة المسيح من الموت، وتعللوا ببعض الحجج مثل سرقة جسده وادعاء القيامة، أو أن يوسف الرامي قد نقل جسده إلى قبر آخر، أو أن النسوة اللاتي أشعن القيامة كن قد ذهبن إلى قبر آخر، أو أن القيامة جاءت نتيجة شعور التلاميذ بأن المسيح مستمر معهم بطريقة روحية، وقد تكون القيامة مقتبسة من الأساطير الوثنية، أو أن السيد المسيح صُلب وأُنزل من على الصليب وهو لم يمت لكنه تعرَّض للإغماء الذي تعافى منه؟
ج: أولًا: سبق الإجابة على جميع هذه التساؤلات، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 2 (عهد قديم) من س74 - 75 - 76 - 77 - 78 - 79 - س80 ص 57 - 81، وأيضًا كتابنا: أسئلة حول الصليب من س26 إلى س44 ص 200 - 302.
ثانيًا: نسوق هنا بعض الأدلة على حقيقة قيامة السيد المسيح من الموت:
1ـــ البساطة التي صاحبت قصة القيامة في الأناجيل، والاختلافات الظاهرية في بعض التفاصيل تثبت عدم تواطئهم لاختلاق قصة القيامة، فجميعهم تكلموا بصدق مؤكدين حقيقة القيامة، بل أنهم أوضحوا أنهم لم يتوقعوا حدوث القيامة، ولم يصدقوا النسوة اللاتي بشروهم بالقيامة، ولا تلميذيّ عمواس، فاستحقوا التوبيخ من المسيح القائم، وذكَّرهم بأنه أبلغهم عدة مرات بآلامه وموته وقيامته، فالإنجيليون تناولوا حدث القيام ببساطة.
2ـــ ظهورات السيد المسيح العديد في أوقات مختلفة وأماكن مختلفة، ولم تكن ظهورات خاطفة، بل جرى فيها أحاديث وأفعال، ففي العلية أكل قدامهم، وعلى بحيرة طبرية قدم لهم الطعام وطال حديثه مع سمعان بطرس.
3ـــ لم يكن هناك أي دافع للتلاميذ لاختلاق قصة القيامة، بل أن قصة القيامة والتبشير بها كلفتهم حياتهم.
4ـــ كان التلاميذ أصحاء الجسد والعقل، لم يُؤخَذوا بالأوهام، وكذلك الذين شاهدوا المسيح القائم، ولا سيما أنه في دفعة واحدة ظهر لأكثر من خمسمائة شخص... فهل يمكن أن تكون كل هذه الأعداد أُخِذت بالأوهام والخرافات والأساطير.
5ـــ كان التلاميذ على درجة عالية من الدراية يفرقون بين الروئ وبين ظهورات المسيح لهم، فبطرس عندما رأى رؤيا الملآة النازلة من السماء أوضح صراحة أنها رؤية (أع 10 : 17، 11 : 5)، بينما عندما أبصر يسوع على شاطئ طبرية ألقى بنفسه في الماء وذهب إليه (يو 21 : 7-18)، وبولس الرسول عندما أُختطف للسماء الثالثة علـم أنهـا رؤيا (2كو 12 : 2 - 4)، بينما ظهر له المسيح على أبواب دمشق، وترك في جسده علامة استمرت عدة أيام (أع 9 : 3 - 9)، وعندما لبى السيد المسيح طلب توما صرخ توما قائلًا ربي وإلهي (يو 20 : 26 - 29).. فهل هناك تأكيدات أكثر من هذه؟!
6ـــ لم يتأثر التلاميذ بالأساطير الوثنية لأنهم من اليهود الذين يعرفون الله الحقيقي، ويعيشون في بيئة يهودية مغلقة.
7ـــ الأكفان والقبر الفارغ خير شاهدين على القيامة، ويقول "الأب بولس إلياس اليسوعي": " ومما يدعم إثبات القيامة فراغ القبر. لقد وُجِد القبر فارغًا وفراغه يحمل على افتراضين: إما أن يكون الرسل والتلاميذ سرقوا الجسد، وإما أن يكون المسيح قام من بين الأموات بقوته الذاتية. والافتراض الأول باطل لأسباب أهمها: أنه لا سبيل إلى سرقة الجسد وقد بُولغ في حراسة القبر، والرسل قوم ضعفاء شتَّتهم مأساة الجلجثة بعد أن طارت قلوبهم لها هلعًا، وقد رأينا بطرس يخشى جارية... ولا سبيل إلى رشوة الحراس والرسل فقراء لا أموال لديهم ولا أرزاق، والحراس من أخلص المخلصين لأسيادهـم الفريسيين ورؤساء الكهنة، يقبضون أموالهم ويعملون بأوامرهم. وبعد فما نتيجة السرقة؟ أن يخدع الرسل الناس؟ ولكن نراهم يخدعون أنفسهم، ويصرون على المكابرة والخداع حتى الاستشهاد وبذل الروح؟ ثم أن تبعة الخديعة تقع على المسيح عينه. أتراه يختار قومًا كذبة لنشر رسالته، ويروح يؤيد أقوالهم بما زودهم به من قوة على صنع العجائب، وقد وعدهم أنه سيكون معهم إلى منتهى الدهور؟ إن عملًا كهذا تأبى العقول التسليم به لأن فيه من التناقض ما لا يتفق وقداسة المسيح ابن الله. وهكذا نرى أن الافتراض الأول باطل، ولا بد من التسليم بالواقع الثاني وهو قيامة المسيح بقوته الإلهيَّة"(709).
8ـــ ارتباط المسيحية بالقيامة، وهذا ما عبر عنـه بولس الرسول باختصار شديد بقوله: " وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضًا إِيمَانُكُمْ... وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ" (1كو 15 : 14، 17).
9ـــ انبثاق النور المقدَّس من قبر السيد المسيح كل عام في سبت النور، وخصائص هذا النور العجيب يظل ثلاثة وثلاثون دقيقة لا يحرق شيئًا... من رأى شموعًا مضيئة لا تحرق وجه الإنسان ولا شعره..؟! إنها شهادة للأجيال، وشهادة على غير المؤمنين. وعن هذا القبر المقدَّس يحكي يوسابيوس القيصري في القرن الرابع في كتابه "حياة قسطنطين" قائلًا: "وهذه المغارة الخلاصية كان بعض الملحدين الأشرار قد فكروا بإخفائها عن عيون الناس، معتقدين، وعن حماقة، أنهم بهذه الطريقة يُخفون الحقيقة. وهكذا، وبجهد كبير، نقلوا ترابًا من الخارج، وأفرغوه هناك، وغطوا به كل المكان، ثم أعلوا مستـواه، ورصفوه بالحجارة، فأخفوا بذلك المغارة الإلهيَّة تحت هذه الكمية من التراب. بعدئذ، وكأن هذا لم يكن كافيًا أقاموا على الأرض مدفنًا هو كالضربة القاضية بالنسبة إلى النفوس، لأنهم شيدوا مكانًا مخبأ ومظلمًا، مُكرَّسًا لإلهة خلاعية هي أفروديت، وكانوا يريقون خمرًا رجسًا على مذابح نجسة وملعونة. لأنهم فقط بهذه الطريقة وليس بأخرى كانوا يعتقدون أنهم يكونون قد حقَّقوا مخططهم، أي بإخفاء المغارة الخلاصية بوساخات ممقوتة كهذه"(أورده الأب ميكالي بيتشيريلو في مقاله البحث الأركيولوجي والإنجيل)(710). ومن المعروف قصة الملكة هيلانة والكشف عن القبر المقدَّس واكتشاف خشبة الصليب التي صُلِب عليها مخلصنا الصّالح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى.
_____
(709) يسوع المسيح - شخصيته - تعاليمه ص 152.
(710) أورده فكتور حداد - الإنجيل كما في متى ص 333، 334.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/92.html
تقصير الرابط:
tak.la/5rgy8tj