س89 : هل أقوال السيد المسيح التي جاءت في الأناجيل قد قالها فعلًا، أم أنها نُسبت إليه وهو لم يتفوَّه بها؟ وما هيَ المعايير التي وضعها بعض النُقَّاد للكشف عن أصالة ما جاء في الأناجيل من أقوال يسوع؟ وكيف نشأت "جماعة سيمنار يسوع" Jesus Seminar؟ وهل تعتبر جماعة مسيحية؟
يقول "د. رويكد بن صالح التميمي النجدي": " ندوة عيسى Jesus Seminar... هم عبارة عن مجموعة من العلمـاء والأكاديميين ورجال الدين على درجة عالية من التأهل في مختلف التخصصات كالدراسـات الإنجيلية، والدينيــة. قـد أسَّس هذه الندوة (Robert Funk) و (John Dominic Crossan) منذ عام 1985م، وتمثل هذه الندوة طرح وجهة نظر أخرى غير التي يطرحها أباء الكنائس بمختلف أطيافها، ولكنها نظرة تغلب عليها الطابع العلمي البحت. وتقوم قرارات هذه الندوة على الاقتراع... وفي بحثهم خلال الأناجيل، فأنهم ينظرون لها على أنها كُتب غير معصومة يمكن أن تنالها الخطأ والذلل والنسيان والنوازع والأهواء التي تعتري الإنسان حال كتابته أي كتاب بشري. لذى فيلزم أن نجري عليها كل أحكام النقد البشري، ونعرفها على محك النقد العلمي المحض البحت"(663).
أولًا:
هل
تفوَّه يسوع بجميع الأقوال التي نُسبت إليه؟
ثانيًا:
المعايير التي وضعها بعض النُقَّاد لاكتشاف أصالة ما جاء في
الأناجيل من أقوال يسوع
1ــ معيار التمييز وعدم
المشابهة
2ــ معيار التماسك
3ــ معيار تعدد المصادر
ثالثًا: نشأة "جماعة سيمنار
يسوع"
استأنف تلاميذ "رودلف بولتمان" (1884 - 1976م) البحث في قضية يسوع التاريخ، يسوع الناصري، وقالوا أن ليست كل أقوال يسوع التي سجلتها الأناجيل قد قالها، بل بعض هذه الأقوال فعلًا قالها يسوع، والبعض الآخر أضيفت لاحقًا ونُسبت إليه، ويرى "بيرتون ل. ماك" أن كتَّاب ذلك العصر كان من الممكن أن ينسبوا لشخص قولًا لم يقله، ما دام هذا القول يتمشى مع مبادئه، فيقول: " ينبغي أن ننظر بجدية أكثر ذعر المسيحيين العاديين... وما يقولونه هـو أنه إذا قال "متى" أن يسوع قال كذا، ويسوع لم يقله، إذًا فإن متى كان يكـذب، أو أنه كان مخطئًا، أو أنه اخترعه ولم يخبر قرَّاءه بذلك. وسيكون سؤالهم: كيـف استطاع أن يفعل هذا؟.. أن مؤلفي النصوص المسيحية الأولى كانوا يشعرون أنهم أحرار في أن ينسبوا أقوالًا جديدة إلى يسوع. فالغاية التي تحققت هيَ أن هذه الأقوال كانت تتناسب مع آراء يسوع كما ترد في تراث مؤلف... فما نحن بحاجة لأن نفهمه هو المبدأ الذي بموجبه كان يقيس الناس الأزمنة القديمة الملاءمة عندما ينسبون قولًا محددًا إلى شخصية معروفة"(664).
ويؤيد نفس الفكر "فكتور حداد" قائلًا: " كان أجدادنا إذا قرأوا الإنجيل أخذوه على حرفيته، وصرنا إذا قرأناه نتساءل: ماذا في هذه الأسطر من سيرة يسوع التاريخية؟ وماذا في هذه الكلمات من كلمات نطق بها يسوع وصلت إلينا بحرفيتها؟.. لذلك سيبقى السؤال المُحرج يُقلق بالنا كل مرة نقرأ فيها الإنجيل... فنسأل أنفسنا: هذه كلمات من؟ أهي كلمات يسوع سجَّلها حرفًا فحرفًا حافظة التلاميذ؟ أم هيَ كلمات المسيحيين الأولين..؟"(665).
ويصوّر "فكتور حداد" طريقة كتابة الأناجيل بطريقـة غريبــة لا نقبلهـا، فيقول: " أن التاريخ لم يعرف إنسانًا فردًا كان يجلس على طاولته ليكتب حياة الناصري، ولكن التاريخ عرف في صدر المسيحية جماعات كانت تجتمع (في) حلقات تحت إشراف هذا الرسول أو ذاك لتتحدث عن المسيح بلغتها الآرامية، ثم صاغ تلك الأحداث (الأحاديث) شاعر مُلهم في ملحمة رضيت عنها الجماعة، بعدئذ قام من ترجم تلك التقاليد ونسَّقها، وأطلق عليها اسم: "البشارة بحسب متى"، لأن الرسول متى كان المشرف على تلك الحلقات، أو لأن متى هو أول من أنشد شعرًا كلمات معلمه، أو لأن متى هو الذي نسق تلك الأناشيد كما فعل لوقا"(666).
وأيضًا يكرر "فكتور حداد" نفس فكرة "بيرتون ل. ماك" قائلًا: "كان الأقدمون لا يتورعون عن أن ينسبوا إلى شخص شهير مثل هوميروس أو سقراط - أو متى - كتابًا قد روت أحداثه أو نسقته أو أشرفت على جمعه وتأليفه جماعة عاصرته"(667).
وردًا على هذه الفكرة أن الكاتب كان يميّز ويوضح الفرق بين أقواله وأقوال يسوع المسيح، والكاتب الذي يكتب في ضوء الحق الإلهي بوحي الروح القدس مستحيل أن يخلط بين هذا وذاك، كل كاتب كان يجلس إلى طاولته يكتب إنجيله والروح القدس يصاحبه ويعصمه من أي شيء غير حقيقي أو ضد الحق، ولم يذكر التاريخ قط أن الأناجيل كانت نتيجة جلسات صاغها شاعر ملهم ثم ترجمها آخر ونسبها لمتى أو غيره من الإنجيليين وأن متى كان يقود هذه الجلسات... إلخ...
وضع بعض النُقَّاد ثلاثة معايير لتحديد أصالة أقوال يسوع، نذكرها فيما يلي مع توضيح بطلانها:
وقال به "رودلف بولتمان" في كتابه "تاريخ تراث الأناجيل المتوازية"، فقال أن ما نطق به يسوع فعلًا هو مختلف عن الفكر اللاهوتي اليهودي، وأيضًا عن لاهوت الجماعة المسيحية المبكرة... هذا المعيار يصعب تطبيقه لأن معرفتنا بالفكر اليهودي وفكر الجماعة المسيحية الأولى معرفة قاصرة، كما أنه يصعب تصور يسوع المسيح في خلاف دائم مع الفكر اليهودي لأنه قال: " مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ" (مت 5 : 17)، وأيضًا لم يكن يسوع في خلاف مع الجماعة المسيحية المبكرة التي هيَ وليدة أفكاره، فلا يمكن أن نفصل يسوع عن اليهودية، ولا عن الكنيسة التي أثر فيها بل أنشأها... وهل عندما قال بولس الرسول: " بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا" (رو 12 : 14) فهذا يعني أن يسوع المسيح لم يتفوَّه بهذه الكلمـات في (مت 5 : 44)؟!!
بعد تحديد أقوال يسوع بالمعيار الأول، نجد أن هذه الأقوال تكوّن صورة عامة، وتحدد الخطوط الرئيسية لرسالته، وعندئذ نحكم على أي قول منسوب ليسوع بمدى تماسكه مع هذه الصورة العامة... وهذا معيار شخصي مطاط، فما يراه أحد أن هذا القول متماسك ومحكم مع أقوال يسوع، قد يراه إنسان آخر غير هذا.
إذا وُجد قول ليسوع في أكثر من إنجيل فهذا دليل على صحة نسبته ليسوع... هناك أقوال عديدة ليسوع المسيح لم ترد إلاَّ مرة واحدة مثل السامري الصالح (لو 10 : 25 - 37)، و "الابن الضال" (لو 15 : 11 - 32) وغيرها الكثير، فهل يعني أن هذه الأقوال غير أصيلة؟!!
وبالتالي فإننا لا نعير هذه المعايير اهتمامًا ولا نلتفت إليها، لأننا نثق تمامًا في:
أ - أن الأناجيل كُتبت بالوحي الإلهي، فمن المستحيل أن يوافق الروح القدس على أي خطأ أو خلط أو تشويش أو خداع أو تضليل، أما هؤلاء النُقَّاد فلم يدركوا دور الوحي في تسجيل الأناجيل.
ب - عبَّر الكتَّاب عما قاله السيد المسيح وما فعله بدقة كاملة، وبمستوٍ رفيع من الكتابة.
جـ - ما سجلته الأناجيل لا يعبّر عن اهتمامات الكنيسة الأولى، لأن هذه الاهتمامات كانت محور سفر الأعمال والرسائل وليس الأناجيل.
ويُعقّب "جون درين" على هذه المعايير قائلًا: " العيب الرئيسي: المشاكل الموجودة في هذه المعايير لتعريف الكلمات الأصلية ليسوع في الأناجيل توضح أنه يوجد أكثر من عيب أساسي في الأسلوب بكامله، فكلها تبدأ بفكرة أن الأناجيل تشمل معتقدات الكنيسة الأولى وقليلًا من أقوال يسوع إن لم يكن لا شيء من أقواله...
· أنها مؤسسة على دلائل غير ثابتة ومشكوك فيها إلى حد كبير، فرغم أنها تقرر بثقة أن دور النبي المسيحي هو اختراع أقوال يسوع، فأنه في الواقع هناك دليل ضعيف جدًا يوضح ما فعله الأنبياء في الكنيسة الأولى...
· افتراض أن الأنبياء يمكنهم أن يخترعوا "أقوال يسوع" كما يريدون يفترض أيضًا أن المسيحيين الأوائل لم يصنعوا أن تمييز واضح بين تعاليم يسوع وتعليمهم، ومرة أخرى لا يوجد دليل على ذلك.." (668).
لم تأتِ "جماعة سيمنار يسوع" Jesus Seminar من فراغ، بل هيَ وليدة فكرة الفصل بين "يسوع التاريخ" و "مسيح الإيمان"، فظهرت بعض الأبحاث التي انتهت بفكرة جماعة سيمنار يسوع:
البحث الأول - البحث الثاني - البحث الثالث - نظرة جماعة سيمنار يسوع ليسوع المسيح - نظرة جماعة سمنار يسوع للأناجيل - نظرة جماعة سيمنار يسوع لأقوال يسوع المسيح - النتيجة النهائية
1ــ البحث الأول: يتمثَّل في كتاب "حياة يسوع" الذي أصدره "دافيد شتراوس" وهو أستاذ لاهوت ألماني، وقد اعتبر أن قصة يسوع المسيح بميلاده المعجزي ومعجزاته وقيامته وصعوده ما هيَ إلاَّ أسطورة ظهرت في القرن الثاني الميلادي بقصد إعلاء المسيح وتصويره في صورة المسيا الذي تنبأ عنه العهد القديم، وقال شتراوس أن متى ومرقس ولوقا ويوحنا لم يكتبوا الأناجيل لأنها كُتبت في وقت لاحق، والذين كتبوا الأناجيل بالغوا في الأحداث التاريخية ونسجوا حولها الأساطير، وبالرغم من أن المجتمع رفض أفكار شتراوس، بل أنه حُرِم من الوظائف اللاهوتية، إلاَّ أنه كان له تأثيره البالغ على أفكار مدرسة النقد الأعلى.
وفي سنة 1836م أصدر "دافيد شتراوس" الجزء الأول من كتابه "حياة يسوع" منكرًا الوحي الإلهي، وناسبًا المعجزات للأساطير والإبداعات الشعبية العفويَّة، والتحف الفولكلورية، والتي لم تكن نتاج شخص معين بالذات، إنما من نتاج الجماعة المسيحية المبكرة، كما أنكر دافيد شتراوس ألوهية السيد المسيح، وقال عنه أنه مجرد إنسان، وكان شتراوس قد تأثر بأفكار أستاذه "جورج هيجل" الذي قال أنه يجب النظر للقصص الدينية بالطريقة التي يُنظر بها للقصص الدنيوية، وبهذا أخضع شتراوس الأناجيل للنقد، وقال أن المعجزات المدونة فيها تشبه القشرة التي يجب إزالتها حتى نصل للأصول التاريخية لأعمال وأقوال يسوع، وبسبب كتابه "حياة يسوع" انقسم أتباع هيجل بين مؤيد ومعارض، حتى قال البعض أن القرن التاسع عشر لم يشهد كتابًا كان له تأثير قوي مثل كتاب شتراوس الذي ترتب عليه الانقسام بين الشباب والشيوخ الهيجليين.
ويعلق "جاري هابرمس" على فكر شتراوس وغيره من الذين فصلوا بين يسوع التاريخ ومسيح الإيمان، فيقول أنه كان: "هناك محاولات كثيرة للشك وتكذيب يسوع الأناجيل، حتى أنه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانت هذه المحاولات شائعـة وسائدة، ولكنها تعرضت لرفض جماعي من قِبل الباحثين المدققين، خاصة الذين يذكرون المحاولات المماثلة التي ثبت عدم صحتها منذ وقت طويل، ولكنها ما زالت تحصل على اهتمام واسع النطاق بين عامة الناس"(669).
2ـ البحث الثاني: جاء بعد البحث الأول بمائة وثمانية عشر عام، في سنة 1953م بتشجيع من "أرنست كازمان" الذي وُلِد سنة 1906م، وتخصَّص في العهد الجديد، وألَّف عدة كتب، وهو أحد تلاميذ بولتمان، بهدف التواصل بين يسوع التاريخ ومسيح الإيمان، ويرى "أرنست كازمان" أن الجماعة المسيحية المبكرة اهتمت بالكرازة والتبشير أكثر من اهتمامها بيسوع التاريخ، ونسبت هذه الجماعة المسيحية عظات الرسل ليسوع المسيـح، فقال: " لم تكن الأهمية التاريخية، وإنما الرغبة في التبشير بالمسيح هيَ التي سيطرت عليهم... فلا يوجد سوى بعض كلمات قليلة من الموعظة على الجبل، ومـن صراعه مع الفريسيين، وعدد من الأمثال وبعض المواد المبعثرة من مختلف الأنواع تُرجع بأي درجة الاحتمالية التي تؤيد أنه يسوع المسيح هو نفسه يسوع التاريخي. ومن بين أعماله نحن لا نعرف غير أنه كان يمتلك شهرة وأنه صانع معجزات وأنه أشار بنفسه إلى قدرته على طرد الأرواح الشريرة وأنه صُلب في النهاية على يد بيلاطس البنطي، وقد حلت العظات التي قيلت عنه تقريبًا بشكل كلي وتام محل عظاته وتعاليمه هو، ويبدو هذا بأكثر وضوحًا في إنجيل يوحنا الذي ليس فيه أي قدر على الإطلاق من التاريخية" (670).
3ــ البحث الثالث: وتمثَّل في مجموعتين، الأولى: "مجموعة المنظور الجديد" التي تضع يسوع في وضعه اليهودي في القرن الأول الميلادي، وتركـز على إنجيل توما المزيَّف، والمصدر "Q"، والثانية : "جماعة سيمنار يسوع" وأسَّسها "روبرت و. فنك" و "جون دوينيك كروسان" سنة 1985م تحت رعاية مؤسسة "سانت روز" بكاليفورنيا، وضمت مجموعة من الباحثين في العهد الجديد من البروتستانت والكاثوليك الليبراليين بالإضافة إلى بعض اليهود الملحدين، ومعظمهم من أساتذة الجامعة الذكور، بينهم قس ومخرج سينمائي وثلاث سيدات، فكان عددهم نحو سبعين باحثًا يلتقون مرتين كل عام، لإصدار بيانات عن مدى أصالة أقوال وأعمال يسوع المسيح التي دوَّنتها الأناجيل، ودائمًا كان تساؤلهم هل يسوع نطق بهذه الأقوال فعلًا، أو أنه لم ينطق بها، أو أن هناك احتمالًا أن يكون قد نطق بها، وتحاول هذه الجماعة أن توصل أفكارها للقاعدة العريضة من الشعب لذلك يكثرون من اللقاءات التليفزيونية، والتسجيلات الصوتية والحوارات الصحفية، وتقديم محاضرات وورش عمل في عدة مدن أمريكية، فهيَ من أنشط مجموعات النقد الكتابي، بل أنهم أنتجوا فيلمًا يدور حول أفكارهم وآراءهم، ولا يجدون حرجًا في الخوض في المقدسات بطريقة بشعة، فيقولون: " أننا نمتحن ونتفحص ما يعتبره الملايين أعظم المقدسات. ولهذا سنظل باستمرار نقترب من عدم احترام المقدسات"(671).
+ نظرة جماعة سيمنار يسوع ليسوع المسيح: تفصل هـذه الجماعة بين "يسوع التاريخ" و"مسيح الإيمان"، وترى في يسوع التاريخ أنه كان رجلًا حكيمًا يهوديًا وأيضًا هيلينيًا، أخذ من اليهودية كما أخذ من الفلسفة الإغريقية، وكان يُكثر من استخدام الحِكم والأمثال، وكان كثير السفر والتجوال، بشر بإنجيل اجتماعي وقرب مجيء ملكوت الله، وكثيرًا ما قلب الأفكار والأعراف السائدة والمقبولة رأسًا على عقب، وتنكر هذه الجماعة ألوهية السيد المسيح ومعجزاته وقيامته من بين الأموات وكثيــر من أقواله. ويقـول "جاري هابرماس": " أنهم أمناء بدرجة كافية ليقرروا في البداية كراهيتهم وبغضهم لخوارق الطبيعة ومن ضمنها ألوهية وقيامة يسوع، وهم يرون أن العلم الحديث استطاع أن يجيب على كل التساؤلات بشأن هذه الأمور"(672).
لذلك فإن "جماعة سيمنار يسوع" لا تُعد جماعة مسيحية، وكل ادعاءاتها أمر متوقع لأن جميع أعضاءها من البروتستانت والكاثوليك الليبراليين أو اليهود الملحدين، فماذا تتوقع من إنسان يهودي ملحد، ماذا ستكون نظرته للسيد المسيح؟!! كما أن اللاهوت الليبرالي ليس له ثوابت ولا ضوابط، فهو ينكر كل ما هو فوق مستوى العقل، فينكرون الميلاد العذراوي للسيد المسيح ومعجزاته ولاهوته وقيامته وصعوده، وينكرون أيضًا الثالوث القدوس والقيامة العامة والحياة الأخروية... إلخ...
نظرة جماعة سمنار يسوع للأناجيل: تنظر هذه الجماعة للأناجيل على أنها قطع أثرية ونتاج بشري، حوت القليل جدًا من أقوال يسوع ومن أعماله، كما أنها حوت أفكار الجماعة المسيحية المبكرة، وأيضًا أفكار الإنجيليين، وأضافت للأناجيل الأربعة إنجيلًا خامسًا وهو "إنجيل توما" المزيَّف، ورفعوه فوق إنجيل يوحنا الذي لم يهتم بيسوع التاريخ، وترجمت هذه الجماعة العهد الجديد مضافًا إليه إنجيل توما، كما أصدرت ثلاث تقارير:
أ - الأناجيل الخمسة The Five Gospels سنة 1993م.
ب - أعمال يسوع The Acts of Jesus سنة 1998م.
جـ - إنجيل يسوع The Gaspel of Jesus سنة 1999م.
+ نظرة جماعة سيمنار يسوع لأقوال يسوع المسيح: في اجتماعات هذه الجماعة كانت تؤخذ الآراء في أقوال يسوع في الأناجيل، وكان الأعضاء يستخدمون علامات الألوان للتعبير عن رأيهم، فاستخدموا أربعة علامات ألوانها أحمر، ووردي (قرنفلي) ورمادي، وأسود، فإن كان يسوع نطق بهذا القول تُستخدم العلامة الحمراء، وإن لم يكن قد قالها تُستخدم العلامة السوداء، وإن كان هناك احتمال أنه قد نطق بها تُستخدم العلامة الوردي، وإن كان هناك احتمال أنه لم ينطق بها، بل ربما شخص آخر نطق بها تُستخدم العلامة الرمادي، وعندما عبروا عن آراءهم في جميع أقوال يسوع في الأناجيل توصلوا لنتيجة عجيبة، وهيَ:
2 % فقط وتمثل خمسة عشر مقولة هيَ التي نطق بها السيد المسيح.
82 % لم يتفوَّه بها يسوع.
16 % من الكلمات المشكوك في نسبتها ليسوع.
+ النتيجة النهائية: تهدف جماعة سيمنار يسوع للشهرة والظهور، وهيَ مثال للنقد السلبي المتطرف للعهد الجديد، وقد رفضت جميع معجزات يسوع المسيح، ولم تقبل سوى 2 % من أقواله... فماذا يتبقى لنا من الأناجيل؟ وعن المرحلة الثالثة من البحث حول يسوع التاريخ ومسيح الإيمان، والتي بدأت سنة 1970م، يقول "جون درين": "هذه المرحلة الأخيرة ما زالت مستمرة وإن كانت أقل إحكامًا من ذي قبل. فمن ناحية وضع البعض مدخلًا محددًا بشكل عام لتقاليد الإنجيل، وأهم مجموعة في هذا المجال هيَ "Jesus Seminar " التي جذبت العامة والنُقَّاد معًا بشكل يشبه برامج التليفزيون التي تقدم ألعابًا، حين حددت صحة أي رواية عن طريق التصويت بواسطة كرات (كروت) ملونة"(673).
وقد أوضح "جيسلر" النتائج التي توصلت إليها جماعـة سيمنـار يسوع، فيقول: " 1ــ يسوع القديم والمسيحية القديمة لم يعودا مناسبين الآن.
2ــ لا يوجد اتفاق بشأن مَن كان يسوع. هل كان فيلسوفًا آمن بالفضيلة أو حكيمًا أو مصلحًا يهوديًا أو مناصرًا للمساواة بين الجنسين، أم معلمًا وثنيًا أم نبيًا اجتماعيًا ثوريًا أو نبيًا مؤمنًا بالقيامة والدينونة.
3ــــ يسوع لم يقم من الأموات. وهناك أحد الأعضاء يُدعى كروسان ألَّف نظرية تقول بأن جثمان يسوع دُفن في قبر سطحي فحفرته الكلاب وأكلت الجثة.
4ـــ الأناجيل القانونية مكتوبة في زمن متأخر ولا يمكن الوثوق به.
5ــ الكلمات الأصلية ليسوع يمكن أن تُجمَع من جديد من خلال الوثيقة "Q " وإنجيل توما ومرقس السري وإنجيل بطرس" (674).
ويقول "كرايج بلومبرج": إن "سيمنار يسوع" وحلفاءه لا يعبرون عن أي إجماع للعلماء والباحثين فيما عدا بعض الراديكاليين الثانونيين في هذا المجال. كما أن منهجيته متصدّعة بشكل خطير ونتائجها مشكوك فيها تمامًا"(675).
ويقول "جيسلر": "الحق لا يقرره تصويت الأغلبية... معظم الأدلة التي يقدمونها... غير مؤكدة، وغالبًا غير موجودة إلاَّ في اقتباسات العلماء والباحثين الليبراليين من بعضهم البعض"(676).
والأمر العجيب أن بعض الليبراليين يدعوننا للاستفادة مـن آراء النُقَّاد، ويتعجب "أنور يسى منصور" من هذا، فيقول: " من أي النُقَّاد نستفيد؟: وإننا نسأل مَن يدعونا للنقد العقلي والاستفادة من النُقَّاد، ويستعرضون بحوث النقد العالي... أن يدلونا من أي النُقَّاد نستفيد؟ وإلى أي مدارس النقد ومذاهبه ننتمي؟! هل نستفيد من "جان أستروك" الذي قال أن التوراة لا تُنسب لموسى، أم "دافيد شتراوس" الذي قال أن المسيح مجرد إنسان كان يظن أنه هو المسيا وأنكر معجزاته وقال أنها أسطورية، أم "جوتهولد ليسينج" الذي قال أن المنطق والإحساس بالواجب يغنيان اليوم عن الكتاب المقدَّس، أم "فريناند بور" الذي قال أن المسيحية نتاج توفيق عام قام به يوحنا بين فكر بطرس وبولس، أم "هرناك" - أو "لوازي" - الذي يقول أن تسجيل أحداث حياة المسيح في الأناجيل يشوبها الكثير مــن المبالغة. أو "كانت" الذي يقبل التعاليم الأخلاقية ويرفض العقائد والتاريخ. أمام "فلهاوزن" الذي قال أن المسيحية تطوُّر الوثنية إلى اليهودية إلى المسيحية، أم "ألبرت شوايتزر" الذي طعن في الإنجيل، أم "هيرمان ريماروس" الذي رفض الوحي والمعجزات ولاهوت المسيح وموته الكفاري وقيامته وقال عن رسل المسيح أنهم مزورون أتقياء. أم غيرهم من قائمة الذين يدمرون الإيمان بافتراضاتهم الكاذبة وتحيزهم المسبق لعدم إيمانهم بالوحي..؟!
جاء في الرسالة العامة التي أصدرها البابا لاون 13: {وبغير ذلك. سوف تنجم أضرار جسيمة... وسوف يقودهم مبدأ "النقد الأعلى" الذي ينادون به إلى عواقب وخيمة، فلن يحصلوا على ذلك النور المنشود لفهم الكتب المقدَّسة. ولن يجنوا أية فائدة من آرائهم وتعاليمهم. وإنما ستتكشف فقط تلك العلامة الأكيدة على خطأهم وضلولهم. ألاَّ وهيَ تضارب الآراء والأقوال"(677).
_____
(663) المؤسَّس في نقد الكتاب المقدَّس ص 21.
(664) ترجمة محمد الجورا - الإنجيل المفقود - كتاب " ك " والأصول المسيحية ص 216.
(665) يسوع كما في متى ص 29.
(666) يسوع كما في متى ص 45.
(667) المرجع السابق ص 18.
(668) مدخل العهد الجديد ص 121، 122.
(669) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 492.
(670) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 485 .
(671) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 494.
(672) المرجع السابق ص 495.
(673) مدخل العهد الجديد ص 217.
(674) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 494.
(675) أورده جوش مكدويل - برهان يتطلب قرارًا ص 494.
(676) المرجع السابق ص 494.
(677) قضايا خطيرة ص 103، 104.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/89.html
تقصير الرابط:
tak.la/t3qkavc