س411: كيف يظهر الناس في يوم الدينونة كخراف وجداء (مت 25: 32)؟ وهل الدخول للملكوت السمائي يتوقف على الأعمال الصالحة لا غير (مت 25: 35، 36)؟ وكيف تكون نار أبدية لا تُطفئ ولا تنتهي (مت 25: 41)؟
ج: 1- كيف يظهر الناس في يوم الدينونة كخراف وجداء (مت 25: 32)..؟ قال السيد المسيح: "وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ" (مت 25: 31 ، 32)، فالقول واضح وصريح أنه يتحدث عن تشبيه وليس عن حقيقة، فالسيد المسيح في تصويره ليوم الدينونة حيث يجتمع جميع بني البشر منذ آدم للمجيء الثاني، بلايين من الناس، ومع ذلك فإن الفصل سيكون سهلًا، لن يقف كل إنسان بمفرده ليُحاسب عن جميع آثامه واحدًا فواحدًا فيستغرق هذا وقتًا لا حصر له، إنما الدينونة ستتم في لحظة، كما يفصل الراعي الخراف عن الجداء في قطيعه، فهذا ليس بالأمر العسير، وعين الراعي لن تُخطئ النظر فيحسب أحد الخراف ضمن الجداء، أو أحد الجداء ضمن الخراف، وقديمًا قال حزقيال النبي: "وَأَنْتُمْ يَا غَنَمِي، فَهكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ هأَنَذَا أَحْكُمُ بَيْنَ شَاةٍ وَشَاةٍ بَيْنَ كِبَاشٍ وَتُيُوسٍ" (حز 34: 17). وكثيرًا ما يشمل القطيع على الخراف مع الجداء، ولكن في وقت الجز، أي جز الصوف وهيَ إشارة لساعة الدينونة، يتم الفصل بين الخراف والجداء لأن صوف الخراف يختلف عن شعر المعيز، وإذا شبَّه السيد المسيح الأبرار بالخراف والأشرار بالجداء، فذلك لأن الخراف الوديعة تجود بلبنها وصوفها ولحمها، بينما الجداء السوداء دائمة التقلب والخيلاء بأنفسها وتحب المشاكسة والتناطح والقتال. ودائمًا التشبيه يقرّب الحقيقة وليس هو الحقيقة.
وعند مجيء المسيح في مجده مع ملائكته القديسين تنحلُّ الطبيعة ويقوم جميع الراقدين أبرار وأشرار، ويتغيَّر الحاضرون فيلبسون الأجساد التي لا تُفنى، وينجذب الأبرار تجاه الراعي الصالح، بينما يهرب الأشرار قائلين للجبال اسقطي علينا وللآكام غطينا من وجه الجالس على العرش، ومن يحتمل غضب الخروف. حينئذ يسمع الأبرار الصوت الحنون: "تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالمَ" (مت 25: 34) بينما يسمع الأشرار الصوت المُرعب: "اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِه" (مت 25: 41).. وقد يتساءل أحد: كيف للمعلِّم المملوء بركة أن يلعن الناس ويسبهم؟!. والحقيقة أن اللَّه لا يلعن الناس ولا يسبهم. لم يقل لهم: لتكونوا ملعونين، بل في قوله يا ملاعين يصف حالتهم، إذ أنهم سلموا ذواتهم للعنة حتى لبستهم. ولاحظ في قول السيد المسيح أنه لم يقرّر للأشرار النار الأبدية المُعدة لكم، لأنه لم يعد هذه النار للإنسان إنما هيَ مُعدة لإبليس وملائكته، وكل من يلتصق بالشيطان يلاقي نفس المصير التعس.
2- هل الدخول للملكوت السمائي يتوقف على الأعمال الصالحة لا غير..؟ لا يمكن أن نبني أي عقيدة إيمانية على آية واحدة أو موقف واحد -كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى- فعند دراستنا لشروط الدخول للملكوت أو بمعنى آخر شروط الخلاص يجب أن نلم بكل جوانب الموضوع، وواضح في كتابنا المقدَّس وضوح الشمس أن شرط الخلاص هو الإيمان بدم المسيح، على أن يجوز الإنسان بحر المعمودية حيث يموت ويقوم مع المسيح فينال الطبيعة الجديدة، ويدلّل على إيمانه بأعماله الصالحة بحسب إمكاناته المتاحة، فكثيرون من الوثنيين آمنوا بالمسيح ونالوا إكليل الشهادة، فحسبت شهادتهم معمودية دم لهم، والوقت لم يسعفهم لعمل الصلاح، وقد فتحت السماء أحضانها لاستقبالهم... وما نؤكد عليه أنه لا خلاص بدون الإيمان بدم المسيح:
† " لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللَّه الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ... اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ" (يو 3: 16 ، 18).
† قال السيد المسيح لليهود: "إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ" (يو 8: 24).
† قال بولس الرسول: "أَنَّهُ بِهذَا يُنَادَى لَكمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا. وَبِهذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ" (أع 13: 38 ، 39).
† قال بولس الرسول وسيلا لسجان فيلبي: "آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ" (أع 16: 31).
† " وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِه" (يو 20: 31).
† " وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عب 9: 22).
† " وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ بلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضًا" (1 يو 2: 2).
† " مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. الَّذِي قَدَّمَهُ اللَّه كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ لإِظْهَارِ بِرِّهِ مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَة" (رو 3: 24 ، 25).
والإيمان المطلوب بدم المسيح يجب أن يكون إيمانًا عمليًا وليس إيمانًا نظريًا: "وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ" (يع 2: 19)، والإيمان المطلوب أيضًا إيمان حي وليس إيمان ميت: "أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَال مَيِّتٌ" (يع 2: 20)، وكذلك يجب أن يكون الإيمان مرتبط بالمحبة: "لأَنَّهُ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لاَ الْخِتَانُ يَنْفَعُ شَيْئًا وَلاَ الْغُرْلَةُ بَلِ الإِيمَانُ الْعَامِلُ بِالْمَحَبَّة" (غل 5: 6) لأنه: "وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئًا" (1 كو 13: 2).
أما عن ضرورة المعمودية للخلاص، فهذا واضح من حديث السيد المسيح مع نيقوديموس: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ... الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ" (يو 3: 3 ، 5). وأوصى السيد المسيح تلاميذه قائلًا: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُس" (مت 28: 19) موضحًا لهم: "مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ" (مر 16: 16). ولذلك فإن الآلاف الذين آمنوا اعتمدوا، فقال بطرس للذين آمنوا في عيد العنصرة: "تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ" (أع 2: 38 ، 41)، وقال الخصي الحبشي لفيلبس: "هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ... فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ فَعَمَّدَهُ" (أع 8: 36 - 38) وعندما آمن كرنيليوس وأهل بيته عمَّدهم بطرس الرسول (أع 10: 47 ، 48)، وقال الكتاب عن ليديا بائعة الأرجوان: "فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا" (أع 16: 15)، وسجان فيلبي: "وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ" (أع 16: 33). وقال بولس الرسول لأهل غلاطية: "لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ" (غل 3: 27) وقال لتلميذه تيطس: "وَلكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا اللَّهِ وَإِحْسَانُهُ. لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (تي 3: 4 ، 5).. إلخ.
وموقف الدينونة هذا يكشف عن أهمية الأعمال الصالحة حيث يدين اللَّه المسكونة ويجازي كل إنسان بحسب أعماله خيرًا كانت أم شرًا: "فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِه" (مت 16: 27).. " فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ. فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَة" (يو 5: 28 ، 29).." الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِه" (رو 2: 6).
ولاحظ أن الأعمال الصالحة التي أشاد بها الملك الديان هيَ أعمال في متناول يد الجميع، فقال: "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي"، فهو مجرد إطعام جائع أو إرواء ظمآن كأس ماء بارد، ولم يطلب منا أن نغني الجائع العطشان، وقال: "كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي" وهذه وصية كانت لها أهميتها في زمن لم يكن فيه فنادق ولا سبل مواصلات متاحة نهارًا وليلًا، وقال: "عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي" ولم يشترط ثيابًا جديدة غالية الثمن، إنما قد يكون هذا بواسطة ثياب أنت لست في حاجة إليها، وقال: "مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي" فطلب مجرد زيارة المريض، ولم يقل كنت مريضًا فشفيتموني، فهو لا يطلب منا إجراء المعجزات. وقال " مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ" فهيَ مجرد زيارة للسجين وليس المطلوب أن نُطلقه من سجنه.
وكل ما سبق يُؤخذ أيضا على المحمل الروحي، فهناك نفوس تجوع لكلمة اللَّه، وأخرى تهلك عطشًا لماء الحياة، ونفوس قد نفرت من الفضيلة، ونفوس مريضة بالأوجاع الشهوانية، ونفوس سجينة الخطية، وجاء في كتاب "التفسير المسيحي القديم": "يمكن أن يُطبَّق هذا القول على المعلِّمين الذين أطعموا بتعاليمهم الجياع إلى البر، فأكل الجياع ونموا في الأعمال الصالحة. ويُطبّق على الذين قدموا شراب الحق للعطاش إلى معرفة اللَّه، لما وعظوهم بالكلمة أطعموهم وسقوهم. عمدوا بالروح القدس الغرباء في العالم. كل النفوس غريبة على هذه الأرض، فهيَ تقول: "لأَنِّي أَنَا غَرِيبٌ عِنْدَكَ. نَزِيلٌ مِثْلُ جَمِيعِ آبَائِي " (مز 39: 12). ولما بشروهم بكلمة الإيمان حصَّنوهم ضد تفشي الضلال، وأعدُّوهم ليلحقوا بمواطنيهم وبأعضاء عائلة القديسين، فهم يأوون المسيح نفسه ويكسون بتعليمهم البر العراة الذين ليس عندهم رداء البر. فقد كُتب: "إلبسوا عواطف الحنان واللطف والتواضع والوداعة والصبر" (كو 3: 12). أنهم يلبسونهم المسيح ويعمدونهم بالمسيح، كما كُتب " لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ " (غل 3: 27)" (موعظة 54: 7)"(93).
ويقول "القديس أبيفانيوس": "ماذا إذًا يا أحبة؟ أيجوع ربنا ويعطش؟ أيعرى وهو غير المتغيّر في طبيعته، الذي خلق ما في السموات وما على الأرض، الذي يغذي الملائكة في السماويات، وكل أمة وجنس على الأرض؟ لا يُعقل أن نظن ذلك، لكن ما سنقوله قابل للتصديق. الرب لا يجوع في جوهره، بل في قديسيه، لا يعطش في طبيعته، بل في الفقراء. الرب الذي يكسو كل واحد ليس عريانًا في طبيعته، بل في خدامه. الرب القادر على شفاء كل مرض وقد أباد الموت نفسه، ليس مريضًا في طبيعته، بل في خدامه. ربنا الذي يُحرّر كل إنسان، ليس سجينًا في طبيعته، بل في قديسيه. أترون، يا أحبة، أن القديسين ليسوا وحدهم. أنهم يعانون كل هذه الأمور من أجل الرب ويعاني الرب معهم كل هذه الأمور" (تفسير الأناجيل 2638)(94). عندما نقف أمام منبر المسيح فأنه يريد أن يرى فينا صورة الرحمة، لأنه قال: "طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ" (مت 5: 7).
3- كيف تكون نار أبدية لا تنطفئ..؟ النار الأبدية ليست نار مادية:
أ - النار العادية تحتاج دائمًا إلى وقود يغذيها، وعند نفاذ الوقود تنطفئ هذه النيران، أما نيران بحيرة النار والكبريت فهيَ ليست نار مادية، ولا تحتاج إلى وقود، ولا تنطفئ بل تستمر للأبد.
ب - النار المادية تحرق الجسد فقط، أما النار الأبدية فأنها تؤذي الإنسان روحًا وجسدًا.
جـ - النار المادية نار مُضيئة، أما النار الأبدية فلا يصدر منها أي ضوء، فهيَ مرتبطة بالظلمة.
د - أُعدت النار الأبدية ليس للإنسان بل لإبليس وملائكته، وإبليس وملائكته أرواح لا أجساد لهم، وفي هذه النيران يلقون عقابهم الأبدي.
ولذلك قالوا أن هذه النيران الأبدية هيَ عبارة عن آلام نفسية قاسية جدًا يعاني منها الإنسان الذي يشعر أنه فقد شيئًا ثمينًا لا يُقدَّر بمال، فيعيش الإنسان في ندم قاتل وخجل عظيم ورعبة وعزلة ولا رجاء بعد، فلم يعد لتلك النفوس التعسة إلاَّ الآهات والولولة. ويشبهون هذا بطفل عنيد مشاكس يتفنَّن في أذية أخوته ولا ينصاع لوصية أبيه، وبعد أن يستنفذ حالات الإنذار يضطر والده أن يطرده خارجًا ويُغلق الباب، فأي مشاعر يعيشها ذاك الطفل التعس، أنها نار أبدية.
_____
(93) التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - 1 - ب الإنجيل كما دوَّنه متى 14 - 28 ص343، 344.
(94) المرجع السابق ص344 ، 345.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/411.html
تقصير الرابط:
tak.la/36cd97j