St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

40- هل معنى الوحي بلاغة الأسلوب؟ وهل كلمة الله قاصرة على ما أقبله وأتفاعل معه فقط، وما أرفضه ولا أتفاعل معه فهو ليس وحيًا إلهيًّا؟ وهل أخطاء الأنبياء تسقط عنهم العصمة؟

 

س 40: هل معنى الوحي بلاغة الأسلوب؟ وهل كلمة الله قاصرة على ما أقبله وأتفاعل معه فقط، وما أرفضه ولا أتفاعل معه فهو ليس وحيًا إلهيًّا؟، وهل أخطاء الأنبياء تسقط عنهم العصمة؟

 قال بعض النُقَّاد أن الأنبياء الذين تعارفنا على إجلالهم واحترامهم نراهم في التوراة عصبة من الأشرار، سكيرين، لصوص، زناة، كذابين، مخادعين، قتَلة (راجع د. مصطفى محمود - التوراة ص 12، 13).

 وتساءل "هيرمان صموئيل ريماروس" كيف يعمل الوحي في رجل قاتل مثل موسى، أو رجل زاني مثل داود، أو رجل مضطهد الكنيسة بإفراط مثل بولس؟!

St-Takla.org                     Divider of Saint TaklaHaymanot's website فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

ج: أولًا: الوحي الإلهي وبلاغة الأسلوب
ثانيًا: العصمة والتفاعل مع كلمة الله
ثالثًا: أخطاء الأنبياء والعصمة

 

 ج: أولًا: الوحي الإلهي وبلاغة الأسلوب:

 الهدف من الكتاب المقدَّس هو خلاص الإنسان وليس بلاغة وجمال الأسلوب، فبالرغم من أن الكتاب حوى أساليب متعددة من نثر وشعر وحِكم وأمثال... إلخ، وبالرغم من أن الكتاب تميز بغنى الأسلوب وفخامته، حتى أنه صار محبَّبًا لدى الذين يعشقون الأدب، إلاَّ أننا نؤكد أن الكتاب المقدَّس لم يُكتب من أجل بلاغة الأسلوب وجماله، إنما كُتب من أجل سعادة الإنسان ومن أجل حياته الأبدية: " لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رو 15 : 4).

 فالأسفار المقدَّسة لا تمثل نتاجًا أدبيًا أبدعه بعض العباقرة الأدباء، ولا تمثل أيضًا جهدًا بشريًّا مميزًا اختاره الله وأضاف إليه بعض الأمور اللاهوتية، ولا تمثل أفكارًا بشريَّة سامية وافق عليها الله إلى حد ما. إنما نؤمن أن هذه الأسفار قد خرجت إلى النور بطرق خارقة للعادة، فهيَ كلمات الله التي عبرت بالذهن البشري، وهيَ وحدها دون أية كتابات أخرى في العالم كله وعلى مدى الأجيال أتت بنفخة من الله.

 وعلى كلٍ فمن أمثلة جمال الأسلوب وروعته في الكتاب المقدَّس المزمور (119) في لغته العبرية التي كُتب بها، فهو مقسَّم إلى اثنين وعشرين قطعة بعدد حروف اللغة العبرية، وكل قطعة تشمل ثمان آيات، والآيات الثمانية في القطعة الأولى جميعها تبدأ بحرف " أ "، والآيات التالية الثمانية في القطعة الثانية تبدأ بحرف "ب".. وهلم جرا.

 وكما رأينا أن أسفار العهد الجديد جميعها كُتبت بلغة يونانية بسيطة دُعيت بالكويني Kaine أي الشائعة كما رأينا من قبل (راجع إجابة س27)، وقد تفاوتت بلاغة الأسلوب بين كاتب وآخر، فأسلوب بولس الرسول فيلسوف المسيحية بلا شك يختلف عن أسلوب متى ومرقس، والاعتقاد بأن معنى الوحي بلاغة الأسلوب، فهذا سيدفع بنا إلى تأليه النص، بينما في الحقيقة لم يكن لدى الكنيسة أي مانع من ترجمة الأسفار المقدَّسة لجميع اللغات المتاحة، من أجل انتشار كلمة الله، فانصب اهتمام الكنيسة على المعنى أكثر من الحرف، واللغة ما هيَ إلاَّ أداة لإيصال المعنى المراد للمستمع، وبالرغم من أن السيد المسيح كان يتكلم بالآرامية، والأسفار كُتبت باليونانية أي أنها تعد ترجمة أولى، فنحن نقرأ هذه الأسفار كلٍ بلغته ونشبع بها.

 ويقول "القديس باسيليوس" عن كلمات الكتاب المقدَّس: " أنها كلما قد دُوّنت لا لكي تثير تصفيق المستمعين إليها، بل لتهب خلاصًا لمَن يؤمن بها" (190).

 

St-Takla.org Image: The Holy Bible in a church, by vdovichenkod. صورة في موقع الأنبا تكلا: الكتاب المقدس في كنيسة، للفدوفيشينكود.

St-Takla.org Image: The Holy Bible in a church, by vdovichenkod.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الكتاب المقدس في كنيسة، للفدوفيشينكود.

ثانيًا: العصمة والتفاعل مع كلمة الله:

1ـــ الذين يعتقدون أن الوحي قاصر على ما أتفاعل معه من آيات وفقرات ومقاطع من الأسفار المقدَّسة، هم في الحقيقة يطعنون في صميم الوحي الإلهي، لأن الوحي الإلهي مُطلق (2تي 3 : 16)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. يشمل كل الكتاب بدون استثناء آية واحدة، فجميع الأسفار بكل ما جاء فيها هو كلمة الله المُوحَى بها والمعصومة من الخطأ. أمَّا إذا أخذنا بالمفهوم السابق فإننا سنقع في موقف متناقض، لأن النص الواحد قد يؤثر في شخص جدًا فيتفاعل معه، بينما نفس النص لا يحرك شخصًا آخر، فمثلًا قصة الابن الضال قد تؤثر في الكثيرين، ولكن ربما أحد النُقَّاد يعيب على الأب الذي تهاون مع ابنه وإنساق لرأيه الخاطئ ومنحه الميراث الذي أضاعه، ويناصر الابن الأكبر الذي يطالب بالعدالة ولم يجدها في بيت أبيه إذ أن الابن الأصغر أضاع ميراثه وعاد ليرث ما ليس له... إلخ. فهل هذه القصة مُوحَى بها لأنه تأثر بها الكثيرون، أم أنه غير مُوحَى بها لأن البعض رأى فيها عيوبًا صارخة؟!

2ـــ خلط النُقَّاد بين عمل الروح القدس في الوحي، وعمله في الاستنارة الداخلية، وفتح البصيرة الداخلية لكيما يدرك ويتفهم مغزى كلمات الله، فعمل الروح القدس في الوحي هو عمل أكيد إذ قبل الكاتب الوحي الإلهي، وكتب ما يريده الله بالضبط، فالكلمات التي كتبها بالكامل هيَ كلمات الله المُوحى بها. أمَّا عمل الروح القدس في الإنسان لكيما يتفاعل مع كلمة الله، فهذا يتوقف على مدى قبول هذا الإنسان، وما رأيك في إنسان قد أغلق قلبه ورفض تبكيت الروح القدس له..؟! إن الكتاب المقدَّس في مجمله وفي جميع تفصيلاته هو كلمات الله المُوحى بها والمعصومة من الخطأ سواء قبلها الإنسان وسرَّ بها أو رفضها وانتقدها، سواء أثرت في الإنسان وأتت بثمارها أو لم تؤثر في الإنسان، فهذا التأثير أو عدمه ناتج عن استعداد الإنسان.

ويفرّق "ج. و. بروميل" بين عمل الروح القدس في الوحي، وبين عمله في الاستنارة الباطنية، فيقول: " ولقد أمسك بعض اللاهوتيين المعاصرين موضوع هذه الإنارة كأنها وحي حقيقي، حسب التصوُّر الإصلاحي. أي أن الكتاب المقدَّس مُوحى به فقط بقدر ما يستعمل الروح القدس هذه الفقرة أو تلك لينجز استنارة داخلية في الفرد المسيحي... فالكتاب المقدَّس سجل مُوحَى به لإعلان الله لنفسه، سواء قبل هذا الفرد أو ذاك شهادته، أو لم يقبل. إن الوحي وتسجيله في صورة مكتوبة كليهما عملان ظاهريان، أما الإنارة بواسطة الروح القدس فهيَ التكملة الباطنية لهذه التأثيرات في داخل الفــرد وبغــرض خلاصه" (G. W. Bromiley, M. A, ph. D.,L itt) (191).

 

ثالثًا: أخطاء الأنبياء والعصمة:

 سبق الإجابة على هذا التساؤل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد جـ 5 س434 ص 322 - 328) ولا مانع من التأكيد على الحقائق الآتية:

1ـــ جميع الرجال الذين دوَّنوا الأسفار المقدَّسة هم بالحقيقة رجال الله القديسون، ليس بمعنى أنهم كانوا معصومين من الخطأ في حياتهم الشخصية، أو أنهم لم يخطئوا قط، لأنهم من نفس عجينة البشرية، وليس مولود امرأة بلا خطية (رو3 : 12،1يو1 : 10)، ولكن بمعنى أنهم أحبوا الله من كل قلوبهم، وقدموا توبة صادقة قوية عن كل خطية سقطوا فيها، ولو بحثنا في العالم كله عن إنسان بلا خطية ليخط سفرًا مقدَّسًا فهل سنجد مثل هذا الإنسان..؟! بالقطع لا... ثم أليست التوبة تمسح وتزيل أي خطية مهما كانت، في استحقاقات دم المسيح..!! عجبًا لناقد يلذ له أن يضخم من أخطاء الأنبياء، فالذي كذب مرة يُطلق عليه الكذاب المستبيح، والذي سقط في الزنا مرة يدعونه بالفاسق الشرير... عجبًا لناقد يركز الأضواء على خطية داود، ويصرفها بعيدًا عن ندمه وتوبته ودموعه (مز 6 : 6، 51 : 3 - 11)!!.

2ـــ لم يتهاون الله ولم يتساهل مع أبنائه الذين أخطأوا رغم محبته الشديدة لهم، بل عاقبهم عقابًا صارمًا، فليس لدى الله محاباة قط، حتى لو كان المخطئ ملاكًا أو جيشًا من الملائكة، وحتى لو كان هو الإنسان الوحيد على الأرض (آدم)، أو هو يعقوب المحبوب، أو موسى رئيس الأنبياء، أو داود قيثارة الروح القدس...

3ـــ لم يمسك القرآن من خطايا الأنبياء بل نسب أحيانًا أخطاء لرجال الله لم يرد لها ذكر في التوراة، مثل قوله عن يوسف: " وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا" (يوسف 24) وأن نوح دعا على أهل زمانه (نوح 24، 28)، ونحن لا نعترف بعصمة أي إنسان، إلاَّ في حالة واحدة، وهيَ أثناء تسجيله الأسفار المقدَّسة، أمَّا في حياته الشخصية فكل إنسان مُعرَّض للسقوط، وهذا ما عبرت عنه الكنيسة في صلواتها في أوشية (طلبة) الراقدين: " لأنه ليس موت لعبيدك بل هو انتقال، وإن كان لحقهم توانٍ أو تفريط كبشر، إذ لبسوا جسدًا وسكنوا في هذا العالم فأنت كصالح ومُحب البشر اللهم تفضل أغفر لهم. فأنه ليس أحد طاهرًا من دنس ولو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض".

ويقول "دكتور إدوار ج. يونج": " فأنه من الحماقة أن يتصوَّر ريماروس أن بعض الكتَّاب كان لا يجوز أن يكونوا من حملة الوحي نسبة إلى الخطايا التي ارتكبوها في حياتهم، إذ أن الله لم يعطِ كتابه للبشر عن طريق رجال معصومين من الخطية (في جميع جوانب حياتهم).. كانت حياة داود ملطخة بالخطية، كان موسى قاتلًا... وكان بولس مضطهد الكنيسة، ولكن الله اختارهم وصيَّرهم كُتَّابًا للوحي، ولكن ليس معنى ذلك أن الله كان لا يُبالي أو يقلل من خطاياهم، بل بالعكس كان ذنبهم أمامه قاسيًا... كانوا فقط معصومين عندما حملهم الروح ليكتبوا الكتاب المقدَّس..!! " (192).

4ـــ تعودنا من كتابنا المقدَّس أنه لا يجمّل ولا يقبّح الصورة، إنما يذكر كل شيء بصراحة كاملة بدون مواربة، وبدون تهويل أو مُبالغة، فهو لم يُكتَب من أجل تمجيد أي نبي أو إنسان، إنما كُتب لتمجيد اسم الله، اللائق به كل مجد وكرامة، ولذلك ذكر ما هو صالح وما هو طالح، ما هو صواب وما هو خطأ، وعندما ذكر خطايا الأنبياء لم يذكرها من قِبل التشهير بهم، ولم يذكرها ليشجعنا على ارتكاب مثيلاتها، إنما ذكرها ليعلمنا:

أ - أن الجميع تحت الضعف، فحتى الأنبياء كانوا معرضين للسقوط، فهم من نفس عجينة البشرية، ولم يأتوا إلينا من كوكب آخر.

ب - إننا مهما بلغت قامتنا الروحية فإننا معرضون للسقوط في أرذل الخطايا، فهو يحذرنا وينذرنا، ومن أجل فائدتنا يسمح الوحي الإلهي بتسجيل خطايا هؤلاء العظماء... فمَن يرى خطية داود وثمارها المُرة القاتلة ويحاول أن يقتدي بها؟!!.

ج - ليس السقوط نهاية المطاف، فمتى تعرض الإنسان للسقوط عليه أن ينهض سريعًا عالمًا أن التوبة تعيد الإنسان إلى مرتبته الأولى.

د - كتابنا المقدَّس صادق وأمين يذكر الحقائق كما هيَ خيرًا كانت أم شرًا دون أن يلتمس الأعذار لمَن أخطأ.

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(190) أورده د. سعيد حكيم يعقوب - الآباء والعقيدة ص 51.

 (191) مركز المطبوعات المسيحية جـ 1 ص 17، 18.

 (192) ترجمة القس إلياس مقار - أصالة الكتاب المقدَّس ص 94، 95.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/40.html

تقصير الرابط:
tak.la/h5ma4da