س389: هل نطق السيد المسيح بمَثَل الكرم والكرامين الأردياء (مت 21: 33 - 45) أم أن الكنيسة استنبطته انطلاقًا من حياة يسوع؟ وهل قصد السيد المسيح بالكرامين الآخرين (مت 21: 41) أمة العرب؟ وهل حجر الزاوية الذي رفضه البناؤون (مت 21: 42) هو الحجر الأسود أو رسول الإسلام؟
يقول "الخوري بولس الفغالي": "لا جدال على المعنى العام للمَثَل الذي يرسم تاريخ الخلاص، ولكن السؤال: هل قال يسوع هذا المَثَل، أم استنبطته الكنيسة إنطلاقًا من حياة يسوع؟ يبدو أن الكنيسة أعادت قراءته. أما البراهين فهيَ التالية: (1) استعمال السبعينية في الإستشهاد الكتابي لا العبرية. (2) نبوءة موت الابن. (3) تسبيق على دمار أورشليم. (4) وجود الإستعارة أو " اليفوريا ". (5) تماهٍ ضمني بين يسوع والابن" (1090).
ويقول "أحمد ديدات": "ويستبدل اللَّه باليهود قومًا آخرين: "لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّه يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ" (مت 21: 43) ويرى كثير من الباحثين، وهو الرأي الذي نرجحه أن الأمة الأخرى التي يعطيها اللَّه ملكوت السموات بدلًا من اليهود من بني إسرائيل هيَ أمة العرب حيث اختار اللَّه خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلعم) من بني إسماعيل وليس من بني إسرائيل" (1091).
( راجع علاء أبو بكر - البهريز جـ 1 س171 ص120، جـ2 س104 ص103، 104، 107، 108، س166 ص153، 154، جـ3 س108 ص109، س825 ص412 - 415، جـ4 س165 ص128، 129).
ج: 1ــ هل نطق السيد المسيح بمثل الكرم والكرامين الأردياء (مت 21: 33 ــ 45)، أم أستنبطته الكنيسة إنطلاقًا من حياة يسوع؟ من المؤكد أن السيد المسيح نطق بهذا المَثَل لأن الإنجيل قال هكذا بصريح العبارة، فيقول القديس متــى: "اِسْمَعُوا مَثَلًا آخَرَ" (مت 21: 33) وذلك بعد أن نطق بمَثَل الابنين وأيهما صنع إرادة الأب (مت 23: 28 ــ 32) تعليقًا على استماع الخطاة لنداء يوحنا المعمدان بينما رفضه هؤلاء الكتبة والفريسيون ورؤساء الكهنة، وقال أيضًا القديس لوقا: "وَابْتَدَأَ يَقُولُ لِلشَّعْبِ هذَا الْمَثَلَ" (لو 20: 9). ألا يكفي شهادة الإنجيل مرتين، مرة على لسان معلمنا متى الإنجيلي ومرة أخرى على لسان القديس لوقا؟!! ولمصلحة من التشكيك في أقوال الرب يسوع كما فعلت جماعة "سيمنار يسوع" حيث أنها إدَّعت أن 2% من الأقوال التي نسبها الإنجيل ليسوع هو نطق بها، و16 % مشكوك فيها، و82 % لم ينطق بها (راجع مدارس النقد ــ عهد جديد ــ مقدمة (2) س89). ومن المعروف أن مَثَل الكرم جاء في العهد القديم، فشبه اللَّه شعبه المُختار في سفر التثنية بأهل سدوم وعمورة قائلًا: "لأَنَّ مِنْ جَفْنَةِ سَدُومَ جَفْنَتَهُمْ وَمِنْ كُرُومِ عَمُورَةَ. عِنَبُهُمْ عِنَبُ سَمٍّ وَلَهُمْ عَنَاقِيدُ مَـرَارَةٍ" (تث 32: 32)، وقـال المرنّــم: "كَرْمَةً مِنْ مِصْرَ نَقَلْتَ. طَرَدْتَ أُمَمًا وَغَرَسْتَهَا.." (مز 80: 8 ــ 16)، وفي سفر إشعياء نلتقي بنشيد الكرمة المشتهاة: "لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ. كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ. فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ وَبَنَى بُرْجًا فِي وَسَطِهِ وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضًا مِعْصَرَةً فَانْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا فَصَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا. وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ. لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا... إِنَّ كَرْمَ رَبِّ الْجُنُـودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ" (إش 5: 1 ــ 7). (راجع أيضًا إش 27: 2ــ 7، إر 2: 21، حز 25: 1 - 6)، ويُعلّـق "ديريت" Derrett على رفض هذا الشعب لرعاية اللَّه، فيقول: "بيد أن القصة تنبر بالأكثر على رفض فطري وطمع أبله، وليس على تفكير قانوني واعٍ، ورفض سيادة اللَّه ومن ثمَّ ابنه القدوس، من قِبل شعبه يشكل رد فعل لتهور أكثر منه سياسة مدروسة" (1092).
والحجج التي سيقت كأدلة على أن السيد المسيح لم ينطق بهذا المَثَل بهذه الصورة حجج مردود عليها، فكون القديس متى يعتمد على السبعينية أو يقتبس منها فهذا ليس الموضع الوحيد الذي فعل فيه القديس متى هكذا. وكون المَثَل يحمل نبوءة عن موت الابن، فهذه ليست هيَ النبوءة الوحيدة التي نطق بها السيد المسيح عن موته، بل كثيرًا ما تنبأ عن آلامه وموته وقيامته (راجع مت 16: 21، 17: 2، 26: 2، 10 - 12، 21 - 25، مر 8: 31، 9: 9، 10، لو 17: 25، 18: 31 - 33... إلخ). والإشارة إلى دمار أورشليم لم ترد في هذا الموضع فقط، بل نطق بها السيد المسيح في مواضع أخرى مثلما جاء في (مت 23: 37، 38، 24: 15 - 21... إلخ). ووجود الاستعارة في هذا المَثَل ليس أمرًا فريدًا، فنظرة إلى أمثال الملكوت الواردة في الأصحاح الثالث عشر من إنجيل متى توضح كيف استخدم السيد المسيح الإستعارات. وكون أن هذا المَثَل يوضح أن يسوع هو الابن، فهذا أمر ثابت في الإنجيل، فمنذ المعمودية والآب قد أعلن عن أبوته للابن الوحيد الجنس " هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (مت 3: 17) وتكررت الشهادة على جبل التجلي (مت 17: 5)، وشهد يوحنا المعمدان قائلًا: "وَأَنَا قَدْ رَأَيْـتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللَّه" (يو 1: 34).. إلخ.
2ــ هل الكرامون الآخرون هم أمة العرب؟
اعتمد "أحمد ديدات" على جزئية من الإنجيل تمثل هذا المَثَل، وصدق عليه أنه كلام حقيقي وصادق، وهذا يتعارض مع اعتقاده العام بأن الإنجيل محرَّف، وإن قال أن هناك أجزاء في الإنجيل مثل هذا المَثَل هيَ حقيقية لم تطلها يد التحريف، فهل يؤمن بكل ما جاء في هذا المَثَل؟ هل يؤمن أن يسوع المسيح هو ابن اللَّه صاحب الكرم؟! ويقول "القمص عبد المسيح بسيط" في كتابه: "هل تنبأ الكتاب المقدَّس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟": "إن زعم البعض أن هناك نبؤات كثيرة تنبأ بها الكتاب المقدَّس بعهديه، القديم والجديد، عن نبي المسلمين، بل وحاولوا تصوّير أن جوهر رسالة المسيح هيَ البشارة بمجيئه!! وكتبوا في ذلك عشرات المجلدات والكتب والمقالات عبر مئات السنين، وكلها تُكرّر نفسها وتقتبس من بعضها البعض نفس النصوص ونفس الإدعاءات. كما وضعوها على لسان أبطال المسلسلات التليفزيونية حتى يحفظها ويردّدها العامة من الناس. والأمر الغريب في ذلك أنهم يستشهدون بآيات الكتاب المقدَّس ويحاولون تفسير كل كلمة فيه، بل وفي أحيان كثيرة يرجعون إلى لغات الكتاب المقدَّس الأصلية العبرانية واليونانية، لا يستشهدون بمعناها ومغزاها اللغوي، بل يؤولونها ويفسرونها حسب ظاهرها، بما يخدم أغراضهم، وليس بحسب جوهرها ومعناها الحقيقي!! في الوقت الذي يدَّعون فيه أن الكتاب المقدَّس هو كتاب محرَّف ولا يجوز الإعتماد عليه، كما يقولون أيضًا أنه نُسِخ وأُلغي بما جاء بعده!! بل ويرفضون بصورة مُطلّقة أن يضعونه مع كتابهم في مجلد واحد.
وعندما نسألهم لماذا تستشهدون بنصوص كتاب لا تؤمنون به وتدَّعون أنه محرَّف ومنسوخ؟ تكون الإجابة هيَ: "إنه ما يزال يحتوي في داخله على بعض الحق برغم ما وقع به من تحريف!! قال أحدهم: ليس ثمة من يقول بأن جميع ما في الأديان السابقة مُحرَّف، بل أن من المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فإن ما صدقته النصوص الشرعية الإسلامية - قرآنًا وسُنة - مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف إليه ". فهم يبدوون في قراءة الكتاب المقدَّس بفرضية مسلَّم بها بالنسبة لهم، وهيَ إذا إتفق الكتاب المقدَّس في الفكر الإسلامي فى شيء ما، يكون صحيحًا في هذا الشيء فقط، وإذا تعارض معه في شيء آخر فهو محرَّفًا!! أي أنه يكون محرَّفًا عندما لا تتفق آياته معهم!! وتكون بعض آياته على حق عندما يتصوَّرون أو يرون الآيات تتفق مع ما يقولون!! بل ويتعاملون بنفس الطريقة مع الآيات القرآنية الخاصة بالتوراة والإنجيل، فعندما تكون الآية في صالح التوراة والإنجيل، يُقال أنهما (أي التوراة والإنجيل) قد حرَّفا بعد ذلك (أي بعد شهادة القرآن لهما). وعندما يقول القرآن: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ" (سورة الأعراف 157) يبحثون فيه عما يتصوَّرون أنه آيات صحيحة لم تحرَّف بعد!! ولكننا نقول لهم إذا كان القرآن يقول: "وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّه... إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ.." (سورة المائدة 42، 43). وأيضًا: "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّه فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (سورة المائدة 46)، فهذا يؤكد صحة كل ما جاء في التوراة والإنجيل اللذين كانا موجودين أيام نبي المسلمين، (وهما يطابقان لما بين أيدينا اليوم) لسبب بسيط جدًا، وهو أننا نملك مخطوطات للتوراة ترجع لما قبل المسيح بـ 200 سنة، ولما قبل نبي المسلمين بأكثر من 800 سنة، كما نملك مخطوطات لأجزاء من العهد الجديد ونُسخ كاملة من الأناجيل ترجع إلى سنة 68 م - 250م، ومخطوطات كاملة لكل العهد الجديد ترجع لسنة 325م، وترجع لما قبل الإسلام بأكثر من 300 سنة !! وكلها مطابقة تمامًا لما معنا الآن".
3- يقول "أحمد ديدات": "ويرى كثير من الباحثين، وهو الرأي الذي نرجحه أن الأمة الأخرى التي يعطيها اللَّه ملكوت السموات بدلًا من اليهود من بني إسرائيل هيَ أمة العرب"، ولم يذكر اسم أي باحث من هؤلاء الباحثين، وهل هم مسيحيون؟ وكيف يكونوا مسيحيين وهم يخالفون الإنجيل نصًا وروحًا؟! بل ما هيَ علاقة ملكوت اللَّه أو ملكوت السموات بأمة العرب التي تُدين بالإسلام، فملكوت اللَّه وملكوت السموات لا وجود له في قواميسها، وما يقابله في الإسلام هو الجنة، وما أكثر الآيات القرآنية التي تحدثت عن الجنة ومشتهياتها وملذاتها وفاكهتها وحور العين والغلمان والكؤوس وأنهار اللبن والخمر... إلخ، فشتان بين مفهوم ملكوت اللَّه في المسيحية، والجنة في الإسلام... فملكوت السموات في الكتاب المقدَّس هيَ التواجد في الحضرة الإلهيَّة: "لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللَّه أَكْلًا وَشُرْبًا بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رو 14: 17) (راجع الآيات التي تدور حول ملكوت اللَّه وملكوت السموات في الكتاب المقدَّس). أما مفهوم الجنة في الإسلام فهو مختلف تمامًا:
- " جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ" (آل عمران 15).
- " أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ" (الكهف 31).
- " أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ. فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ. يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ. بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. لَا فِيهَا غَـوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ. وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ. كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ" (الصافات 41 - 49).
- " إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ. كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ" (الدخان 51 - 55).
- " مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ" (الطور 20).
- " وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ" (الطور 22 - 24).
- " فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ" (الرحمن 56).
- " يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْـوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ... وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ" (الواقعة 17 - 22).
- " مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُــمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ" (محمد 15).
4ــ هل المقصود بحجر الزاوية الحجر الأسود أو رسول الإسلام؟
بالطبع ليس المقصود هذا ولا ذاك، فلم يُطلق على الحجر الأسود في تاريخ الإسلام كله أنه "حجر الزاوية"، وكذلك لم يُطلق على رسول الإسلام في التاريخ الإسلامي أنه "حجر الزاوية". أما "حجر الزاوية" في الكتاب المقدَّس فهو واضح تمام الوضوح أنه يشير للسيد المسيح الذي ربط بين اليهود من جانب وبين الأمم من جانب آخر، وهو الذي وحَّد السمائيين بالأرضيين، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وعندما قال السيد المسيح عن نفسه للفريسيين ورؤساء الكهنة الذين رفضوه: "أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا" (مت 21: 42)، فأنه كان يشير لنبوءة جاءت عنه في سفر المزامير بنفس النص: "الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا" (مز 118: 22، 23)، وعندما وقف بطرس الرسول أمام شيوخ اليهود وكتبتهم يشهد للسيد المسيح قال لهم: "فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِكُمْ وَجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ الَّذِي أَقَامَهُ اللَّه مِنَ الأَمْوَاتِ بِذَاكَ وَقَفَ هذَا أَمَامَكُمْ صَحِيحًا. هذَا هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي احْتَقَرْتُمُوهُ أَيُّهَا الْبَنَّاؤُونَ الَّذِي صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ" (أع 4: 10، 11) كما ذكر القديس بطرس نفس الشهادة في رسالته الأولى قائلًا: "لِذلِكَ يُتَضَمَّنُ أَيْضًا فِي الْكِتَابِ هنَذَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ زَاوِيَةٍ مُخْتَارًا كَرِيمًا وَالَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَنْ يُخْزَى" (1 بط 2: 6).. فهل رُفِض ورُذِل وصُلِب رئيس الإسلام من اليهود أو كُفار قُريش؟!!
كما تنبأ إشعياء النبي عن السيد المسيح على أنه حجر صدمة وصخرة عثرة، فقال: "وَيَكُونُ مَقْدِسًا وَحَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ لِبَيْتَيْ إِسْرَائِيلَ وَفَخًّا وَشَرَكًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ" (إش 8: 14)، وعندما حمل سمعان الشيخ الطفل يسوع: "وَقَالَ لِمَرْيَمَ أُمِّهِ هَا إِنَّ هذَا قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ" (لو 2: 34). وكما تعودنا أن الكتاب المقدَّس يُفسر نفسه فقال الرب يسوع عن نفسه: "كُلُّ مَنْ يَسْقُطُ عَلَى ذلِكَ الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ" (لو 20: 18). وأيضًا بولس الرسول يؤكد أن حجر الصدمة لليهود هو السيد المسيح، فقال عن إسرائيل: "لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى" (رو 9: 32، 33). كما قال لأهل أفسس: "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَة" (أف 2: 20).. فالذين يدَّعون أن المقصود بحجر الزاوية هو رسول الإسلام فليدلونا على نص قرآني واحد أو حديث ذُكر فيه أن رسول الإسلام هو حجر الزاوية!!! ولاحظ يا صديقي أن الإيمان يتعلق بشخص المسيح: "وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى" (رو 9: 23) فالنبوءة وتفسيرها يدعوننا للإيمان بشخص السيد المسيح، فهو اللَّه المتجسّد، بينما لم يُذكر قط في التراث الإسلامي أن رسول الإسلام دعى الناس لشخصه، إنما دعاهم لربه " وادعو لربك بالموعظة الحسنة"، ولم يرد في أي مكان أن من يؤمن بالرسول لن يُخزى ولن يهلك.
إلى هنا أعاننا الرب، ملتمسين معونته لاستكمال هذه السلسلة حسبما تشاء عنايته.
نورث كارولينا
في 27 سبتمبر 2018 م.
17 توت 1734 ش
عيد الصليب المجيد
_____
(1090) تفسير إنجيل متى - الجماعة وملكوت اللَّه جـ 3 ص219.
(1091) ترجمة على الجوهري - عتاد الجهاد ص50.
(1092) أورده ر. ت. فرانس - التفسير الحديث للكتاب المقدَّس - العهد الجديد - إنجيل متى ص343.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/389.html
تقصير الرابط:
tak.la/j4jdc59