س373: لماذا حذفت الترجمة اليسوعية عبارة: "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (مت 18: 11) وقسَّمت الآية السابقة لها إلى آيتين "10 اُنْظُرُوا لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ. 11 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ "، كما أن كل من المخطوطة السينائية والمخطوطة الأفرامية خلت من هذه الآية (مت 18: 11)؟ ومن يذهب لمن؟ المخطئ هو الذي يذهب للمجني عليه ليتأسف له على ما بدر منه، أم أن المجني عليه يذهب للمخطئ (مت 18: 15 - 17)؟ (راجع حفيظ اسليماني - الأناجيل الأربعة دراسة نقدية ص98، 99).
ج: 1ــ رأى مترجمو الترجمة اليسوعية أن الآية: "لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (مت 18: 11) لم ترد في بعض المخطوطات مثل السينائية والأفرامية فلم يذكروها، وذكرت في هامش الترجمة أن هذه الآية لم ترد في المخطوطات. والقارئ يدرك أن هذه الآية ليست غريبة عن الكتاب المقدَّس لأنها وردت مرارًا وتكرارًا سواء باللفظ أو المعنى، فمثلًا:
أ - " لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ" (لو 19: 10).
ب - " لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّه ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ" (يو 3: 17).
جـ - " لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ" (يو 12: 47).
إذًا ليس هناك سوء نية يختفي وراء حذف الآية في الترجمة اليسوعية، لأنها تكرَّرت مرارًا وتكرارًا، فالأمر يرجع إلى قناعتهم بالمخطوطات التي رجعوا إليها، ولذلك يجب على الدارس أن لا يكتفي بترجمة واحدة، بل عليه أن يرجع إلى الترجمات المختلفة المتاحة له، وكلما أمكن يتم الرجوع للأصول اليونانية التي حفظتها لنا المخطوطات. وهذه الآية وردت في ترجمة الفولجاتا التي استخدمتها الكنيسة الكاثوليكية لأكثر من ألف عام، والتي قام بترجمتها القديس جيروم في وقت معاصر للنسخة السينائية والنسخة الأفرامية... وقد وردت هذه العبارة في ترجمة كتاب الحياة والترجمة العربية المشتركة، وترجمة King James، وAmerican King James Version، وAmerican Standard Version... إلخ.
وهذه الآية محل الحوار تمثل ذروة المقطع الذي يتحدث عن إرسالية المخلص، وقد اقتبسها عدد كبير من الآباء الأول مثل القديس أكليمنضس السكندري (150 - 211م) (راجع Ant-nicene fathers volume 4 P399)، والعلامة ترتليان (160 - 220م) (راجع Ant-nicene fathers volume 4 P83)، والقديس أغسطينوس، والقديس يوحنا ذهبي الفم، وتجد المزيد في هذا الموضوع في موقع Holy – bible -1.
2ــ قال السيد المسيح: "وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ" (مت 18: 15 - 17). فواضح وضوح الشمس أن الهدف من ذهاب المجني عليه للمخطئ ليس تأنيبه وتبكيته إنما الهدف هو ربح نفس المخطئ: "رَبِحْتَ أَخَاكَ"، وكأن الإنسان المخطئ يغرق ويوشك على الهلاك وهو في أمس الحاجة إلى من يمد يده وينقذه، وهنا يتقدم المجني عليه كطبيب نحو المريض، وكراعٍ صالح نحو الخروف الضال. فكم يكون الأثر النفسي قويًا في الغالب على المخطئ فيرجع إلى نفسه. ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم" للمجني عليه الذي ذهب للمخطئ: "إنه لم يقل أنك تنال إنتقامًا كافيًا بل تربح أخاك، مظهرًا وجود خسارة مشتركة لك وله بسبب العداوة، إذ لم يقل "يربح نفسه" بل " تربح (أنت) نفسه" مظهرًا أن الخسارة قد لحقت قبلًا بالاثنين، الواحد خسر أخاه والآخر خسر خلاصه" (1026).
فقد يكون من الصعب أن يذهب المخطئ إلى المخطئ في حقه، فلا تواته الشجاعة لإتخاذ مثل هذه الخطوة، ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": "لأنه ليس بالأمر السهل أن يذهب من إرتكب الخطأ ليعتذر لأخيه وذلك بسبب الخجل وارتباك وجهه. يطالب (السيد) الذي أصيب بالخطأ ليس فقط بالذهاب إلى أخيه، وإنما يذهب بطريقة بها يصحح ما قد حدث، فلم يقل له: أذهب أتهمه أو أنصحه أو أطلب منه تصفية الحساب معه، وإنما (عاتبه) مخبرًا إياه بخطئه، وما هذا إلاَّ تذكيره بما أخطأ به. أخبره بما حلَّ بك على يديه، بطريقة لائقة كمن يقدم له العذر ويسحبه... نحو المصالحة" (1027).
وعندما طلب السيد المسيح من المخطئ في حقه أن يذهب إلى المخطئ، فهو في الحقيقة يريده أن يتشبه باللَّه: "وَلكِنَّ اللَّه بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا" (رو 5: 8). بل أن الدارس يلاحظ أن جذور هذه الوصية منذ العهد القديم كائنة: "لاَ تُبْغِضْ أَخَاكَ فِي قَلْبِكَ. إِنْذَارًا تُنْذِرُ صَاحِبَكَ وَلاَ تَحْمِلْ لأَجْلِهِ خَطِيَّةً" (لا 19: 17). وربما يخطئ الإنسان في حق أخيه دون أن يقصد، مثلما أخطأ أبيمالك في حق إبراهيم دون أن يعلم (تك 21: 26)، وهذه الوصية في العهد القديم أنقذت بني إسرائيل من حرب أهلية، فعندما صنع سبطي راوبين وجاد ونصف سبط منسى في شرق الأردن مذبحًا عظيمًا على الأردن، اشتعل غضب بقية الأسباط غرب الأردن، لأنه لا يجوز إقامة أي مذبح بعيد عن خيمة الاجتماع، فاجتمعوا لمحاربتهم، وقبل اشتعال نيران الحرب أرسلوا فينحاس بن العازر الكاهن وعشرة رؤساء ليسألونهم عن سبب خيانتهم لإله إسرائيل، فعلموا أنهم لم يقيموا هذا المذبح لتقديم نار غريبة وعبادة غريبة وذبائح ومحرقات بعيدًا عن بيت اللَّه، إنما أقاموه تذكارًا لأبنائهم وشهادة على أنهم من بني إسرائيل (يش 22: 11 - 34)، فأنقذت الأمة من الحرب الأهلية.
فالسيد المسيح أعطانا هذه الوصية حتى تصفو النفوس ولا يتفشى بيننا مشاعر الكراهية والحقد، فمن خلال الحوار قد يكتشف الإنسان أن من أخطأ في حقه لم يقصد الإساءة إليه، وإنما حدث إلتباس في الموقف بينما هو يكن له الحب والوفاء فتذوب مشاعر الألم والمرارة. وحتى لو فشل هذا اللقاء فقد أوصانا معلمنا الصالح أن نصطحب معنا واحد أو اثنين من رجال اللَّه الذين كلماتهم تطيب القلوب وتخلق جو من الود والألفة مما يكون له طيب الأثر على الشخص المخطئ فيخجل من محبة وحكمة هذين الشخصين. وإن فشلت هذه المحاولة الثانية يلجأ المخطئ في حقه إلى الكنيسة متمثلة في الأب الكاهن ليتدخل ليس للمحاكمة الكنسية بل لأجل المصالحة. فإن فشلت هذه المحاولة الثالثة فليكن هذا الإنسان المخطئ كالوثني والعشار. لا بمعنى أن نكرهه بل نصلي من أجله وربما تأتي مناسبة يظهر فيها الشخص المساء إليه مشاعر حب أكثر مما يجعل المخطئ أن يشعر بالندم، فالمحبة لا تسقط أبدًا.
ويقول "وليم باركلي": "فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ: وقد ظن البعض أن القصد من ذلك نحو إهمال الشخص وتجاهله باعتبار فقدان الأمل في إصلاح الأمر نهائيًا... لكن هذا لا يتفق مع روح المسيح، فإن معاملة المسيح للوثنيين والعشارين لم تكن بهذا الروح أبدًا... وقد رأينا مقدار شفقته وعطفه عليهم، وتقديره للقليل من محاسنهم... لذلك نرجح أن يسوع يقصد إظهار مزيد من الحب لربح هذا الشخص... وواجب المؤمن الحقيقي ألاَّ يفقد الأمل في إصلاح أي إنسان مهما كان عنيدًا أو عاصيًا" (1028).
_____
(1026) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص396.
(1027) المرجع السابق ص397.
(1028) تفسير العهد الجديد جـ 1 ص342.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/373.html
تقصير الرابط:
tak.la/sxmy6y5