س370: إن كانت ضريبة الدرهمين فُرضت على جميع اليهود كمساهمة في تكاليف العبادة بالهيكل فلماذا قرنها السيد المسيح بالجباية والجزية (مت 17: 25)؟ وهل قول السيد المسيح لبطرس عن السمكة والإستار (مت 17: 27) قول مجازي لأن اللَّه لم يعلمنا الاعتماد على المعجزات لسد احتياجاتنا، ولم يستخدم المسيح لاهوته لمصالحه الشخصية، ولو تم هذا بطريقة معجزية فهذا يدعونا للتقاعس عن أداء أعمالنا، إنما قصد السيد المسيح أن يقول لبطرس أرجع لمهنتك لتسد احتياجاتنا؟ ولماذا دفع السيد المسيح الضريبة عنه وعن بطرس فقط (مت 17: 27) دون بقية التلاميذ؟
ج: 1ــ عندما جاء جباة ضرائب الهيكل لبطرس قائلين: "أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ. قَالَ بَلَى" (مت 17: 24، 25) فلو لم يدفع السيد المسيح هذه الضريبة البسيطة لاتخذوها حجة على عدم محبته وإخلاصه ووفاءه للهيكل، وعندما أقبل بطرس على السيد المسيح سأله يسوع: "مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الْجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ. أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ. قَالَ لَهُ بُطْرُسُ مِنَ الأَجَانِبِ. قَالَ لَهُ يَسُوعُ فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ" (مت 17: 25، 26). والسيد المسيح هو ابن اللَّه صاحب الهيكل، فكيف يدفع ضريبة الدرهمين؟! أيأخذون من رب الهيكل ضريبة الهيكل؟!! وإن كان الهيكل هيكله، وهو القابل العبادة، فكيف يطلبون منه ضريبة الهيكل؟!!! كان في ذلك الزمان يُحصل الملوك الضرائب للصرف منها على القصر الملكي والجيش، وليس للملوك ولا عائلاتهم أن يدفعوا الضرائب، فما بالك بملك الملوك ورب الأرباب؟!! ولكن إذ تجسَّد اللَّه وتأنس كان عليه أن يدفع الضريبة، وهو ما فعله السيد المسيح بطريقة معجزية لأن صندوق التبرعات الذي حمله يهوذا كان فارغًا. ويقول "القديس كيرلس الكبير": "إذ صار الابن الوحيد كلمة اللَّه مثلنا وحمل قياس الطبيعة البشرية انحنى لنير العبودية، فدفع بإرادته لجامع الجزية اليهودي الدرهمين حسب ناموس موسى، لكن هذا لم يمنع سمة المجد الذي فيه" (1016).
وضريبة الدرهمين ليست جزية تُحصل لحساب الرومان، إنما مساهمة وتبرع يلتزم به اليهودي إلتزامه بدفع الضريبة من سن العشرين لسد احتياجات الهيكل، ولم يكن من المعقول أن السيد المسيح يقول لبطرس: هل يجوز طلب ضريبة الهيكل من رب الهيكل؟ إنما قال نفس المعنى بتشبيه عملي رائع، فإن كانت الجزية لا تُطلّب من المواطنين لأنهم أحرار، فلا يليق طلب الجزية من ابن اللَّه الحي صاحب الهيكل، ومع ذلك وافق على دفعها ذاكرًا السبب في هذا، وهو " لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ". وبعد خراب أورشليم والهيكل سنة 70م أمر الإمبراطور فسباسيانوس أن تُجمع نفس الضريبة من اليهود لصالح "هيكل رفس" كنوع من الإذلال.
2ــ القول بأن ما قاله السيد المسيح لبطرس بشأن السمكة والإستار قول مجازي، هو قول العقلانيين الذين حكَّموا وألَّهوا وسيّدوا العقل، فقبلوا كل ما يقبله العقل ورفضوا كل ما هو فوق مستوى العقل، فأنكروا جميع المعجزات الكتابية، بل رفضوا معجزة ميلاد المسيح العذراوي من العذراء مريم بدون زرع رجل، وأنكروا أيضًا قيامة المسيح... فماذا بقى لهم من المسيحية؟!! لا شيء، وقد سبق الحديث عن هذا الموضوع باستفاضة فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم - جـ2 من س63 إلى س84.
وفعلًا لا يعلمنا اللَّه الاعتماد على المعجزة لسد احتياجاتنا، ولكن هذا لا يمنع أبدًا من حدوث المعجزة وقت الضرورة حسبما ترى الحكمة الإلهيَّة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. والمعجزات ليست غريبة عن الكنيسة، فقد وعدنا السيد المسيح له المجد قائلًا: "وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ" (مت 16: 17، 18).. " اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا" (يو 14: 12). وفعلًا لم يستخدم السيد المسيح لاهوته لمصلحته الشخصية مثل تخفيف الجوع والعطش، أو تفادي التهكم والسخرية، أو تخفيف آلام الصلب الرهيبة... إلخ، ولكن ما المانع أن يسمح بهذه المعجزة حتى يوفي الضريبة ولا يكون سبب عثرة لهؤلاء الجباة. وكذلك بطرس الرسول الذي حدثت معه المعجزة العجيبة لم يتقاعس عن عمله، وما هو عمله؟! أولًا تبعية سيده في حياة تلمذة كاملة، ثم الكرازة بالفم والقلم والدم.
ويقول "متى هنري":" (1) كان يجب على بطرس أن يصطاد السمكة بالسنارة، حتى في المعجزات يستخدم الوسائل العادية لكي يشجع على الجد والإجتهاد. كان يجب على بطرس أن تكون له ناحية في العمل يشترك بها، وهذه كانت تتفق مع مهنته الأولى، وذلك لكي يعلمنا الاجتهاد في الأعمال التي نُدعى إليها ونُدعى فيها. أنتوقع أن يعطينا المسيح شيئًا؟ يجب أن نكون مستعدين للعمل من أجله.
(2) إن السمكة طلعت بالمال في فمها، الأمر الذي يبين لنا جزاء الطاعة بالطاعة. أن كل ما نعمله إطاعة لأمر المسيح يأتي بجزائه معه" (1017).
وقول السيد المسيح في هذه المعجزة بعيد تمامًا عن المجاز، فكل شيء واضح ومحدَّد، فنلاحظ الآتي:
أ - حدَّد السيد المسيح لبطرس أي سمكة سيكون في فمها الإستار، وهيَ السمكة الأولى التي سيصطادها.
ب - حدَّد السيد المسيح قيمة الإستار وهيَ أربعة دراهم مما يغطي بالتمام والكمال بدون فائض وبدون عجز ضريبتي السيد المسيح وبطرس.
جـ- إن بطرس سيتولى بيع الإستار ودفع الجزية.
وفعلًا كل هذا حدث بالفعل، وكون الإنجيل لم يذكر أن بطرس تمم هذا، فهذا لا يعني على الإطلاق أن بطرس لم يتمم هذه الأمور، وإلاَّ كان كلام سيده مجرد فقاعات في الهواء. إذًا هذا القول ليس مجازًا وهذه المعجزة ليست أسطورة، ولا يصح أن ندَّعي أنها حدثت في "التاريخ المقدَّس" أي أنها ذُكِرت في الأسفار المقدَّسة ولم تتم على أرض الواقع كقول أصحاب اللاهوت الليبرالي.
3ــ دفع السيد المسيح الضريبة عنه وعن بطرس دون بقية التلاميذ، فجباة الضرائب سألوا بطرس عن ضريبة السيد المسيح فقط: "أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ الدِّرْهَمَيْنِ" مما يشير إلى أن التلاميذ دفعوا هذه الضريبة من قبل أو أنهم سيدفعونها في وقت لاحق في مكان آخر.
_____
(1016) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص385.
(1017) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 2 ص101.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/370.html
تقصير الرابط:
tak.la/5dxygwx