س362: هل حذر السيد المسيح تلاميذه من خمير الفريسيين والصدوقيين (مت 16: 6) أم من خمير الفريسيين فقط (لو 12: 1) أم من خمير الفريسيين وخمير هيرودس (مر 8: 15)؟ ولو كان المقصود بالخمير التعاليم، فهل كان هيرودس معلمًا؟
ج: لقد حذر السيد المسيح تلاميذه من خمير الفريسيين والصدوقيين وأيضًا من خمير هيرودس، ونحن نعلم أن أي من الإنجيليين لم يسجل كل ما تفوَّه به السيد المسيح في أحاديثه وتعاليمه، وما سجلته الأناجيل الأربعة مجرد همسات تُنقل لنا نبضات قلب يسوع ومدى طهارة وقداسة تعاليمه، وتُمثل القليل جدًا مما قاله الرب يسوع. وكل إنجيلي سجل ما أرشده له الروح القدس بحسب ما يتفق مع الهدف الذي كتب من أجله، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الأناجيل تُكمّل بعضها البعض ولا سيما الأناجيل الأزائية التي سجلت الكثير من الأحداث المشتركة، فكون إنجيلي يذكر جزئية وإنجيلي آخر يذكر جزئية أخرى، فهذا نوع من التكامل وليس من التناقض والمقصود بخمير الفريسيين والصدوقيين:
أ - رياؤهم: وهذا ما ذكره القديس لوقا: "وَفِي أَثْنَاءِ ذلِكَ إِذِ اجْتَمَعَ رَبَوَاتُ الشَّعْبِ حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَدُوسُ بَعْضًا ابْتَدَأَ يَقُولُ لِتَلاَمِيذِهِ أَوَّلًا تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ" (لو 12: 1)، فلهم منظر التقوى ولكنهم ينكرون قوتها، يتصنعون القداسة وهم مملوءين أنانية وكبرياء وغيرة وحسد، وهذا واضح من مَثَل الفريسي والعشار الذي ذكره لوقا الإنجيلي أيضًا (لو 18: 11 - 14). وقد حذر السيد المسيح تلاميذه من خطية الرياء، التي يتعرَّض لها الخدام، فبينما الناس يحترمُّونهم ويجلوُّنهم ويكرّمونهم، قد يندفع البعض منهم إلى تصنُّع القداسة، ويلبس ثوب التواضح وهو يسعى نحو تمجيد ذاته، والرسل كانوا مزمعين أن يكرزوا بعد القيامة ويصنعون آيات ومعجزات وعجائب غير معتادة، لذلك حذرهم السيد المسيح من السقوط في تلك الخطية، خطية الرياء.
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "فقد حذرهم من خطية الرياء بكونها أخطر عدو للملكوت، لأن الخطايا الظاهرة يمكن تداركها والتوبة عنها، أما الرياء فيتسلَّل إلى حياة القادة الروحيين والخدام والمتعبدين لا ليشغلهم عن الخدمة والعبادة وإنما ليُشعل فيهم الشوق نحو الخدمة والعبادة دون الإلتقاء مع السيد المسيح نفسه، فيرتفع الإنسان بذاتيته وأنانيته تحت ستار الدين والخدمة ويظهر البناء شاهقًا بلا أساس ليسقط هاويًا.
يُشبّه القديس يوحنا الذهبي الفم الرياء باللص الذي يتسلل خفية إلى صفوف المتعبدين - رعاة ورعية - يسرق قلوبهم خلسة دون أن يكتشفوه"(986).
ب- تعاليمهم: فيقول القديس متى عن التلاميذ: "حِينَئِذٍ فَهِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنْ يَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْخُبْزِ بَلْ مِنْ تَعْلِيمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ" (مت 16: 12)، وقد أثقل الفريسيون على الشعب بتعاليم الشيوخ التي اخترعوها فحملوا الناس أحمالًا ثقيلة وهم لم يحركوها بأيديهم، وبعضها كان يناقض الوصية الإلهيَّة كما أوضح السيد المسيح (مت 15: 3 - 6). ومما زاد من خطورة هذه التعاليم ما اكتسبه الفريسيون من احترام وتقدير الشعب، فنظر إليهم الناس على أنهم حماة الناموس. وأيضًا تعاليم الصدوقيين كانت في منتهى الخطورة لأنهم نظروا للحياة على أنها الحياة الحاضرة فقط، فأنكروا الحياة الأخرى والقيامة العامة والدينونة والملائكة والأرواح... إلخ.
ومن أوجه الشبه بين التعاليم الفاسدة والخميرة:
أ - صغر حجم الخميرة، حتى أنه لا يعتد بها مقارنة بالعجين كله، وهكذا التعاليم الفاسدة تبدو للناس أنها صغيرة، ولكنها تُفسد العقول: "أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ خَمِيرَةً صَغِيرَةً تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ. إِذًا نَقُّوا مِنْكُمُ الْخَمِيرَةَ الْعَتِيقَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا عَجِينًا جَدِيدًا" (1 كو 5: 6، 7).
ب- كما تنتشر الخميرة في العجين، هكذا تنتشر التعاليم الفاسدة في النفوس ويكون لها تأثيرها السيئ.
جـ- كما تعمل الخميرة في الخفاء، هكذا التعاليم الفاسدة تعمل في الخفاء بعيدًا عن نور وروح الإنجيل.
ولم يكن هيرودس معلمًا ينشر تعاليمه بين الشعب، إنما كان شريرًا ماكرًا شبَّههُ الرب يسوع بالثعلب، ينشر شروره وسط الشعب، فإن كان هو القدوة والمثال صار مثلًا صارخًا لكسر الناموس علانية إذ تزوج بزوجة أخيه فيلبس، وهو حي يُرزق بعد، وذبح صوت الحق الذي أزعجه، منصاعًا لزوجته الشريرة هيروديا وابنتها الخليعة سالومي، وقد شارك هيرودس أيضًا الفريسيين والصدوقيين في رفض السيد المسيح.
_____
(986) تفسير إنجيل متى ص354.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/362.html
تقصير الرابط:
tak.la/s5dyk8c