س351: هل معجزة إشباع الجموع تكررت مرتين كما جاء في إنجيل متى (مت 14: 15 - 21، 15: 32 - 38) وكذلك إنجيل مرقس (مر 6: 35 - 44، 8: 2 - 9)، أم أنها حدثت مرة واحدة كما جاء في إنجيل لوقا (لو 9: 12 - 17) وكذلك في إنجيل يوحنا (يو 6: 4 - 13)؟ وهل هذه المعجزة حدثت مرة واحدة والنسَّاخ أزادوا الثانية؟ وهل تمت المعجزة " لَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ" (مت 14: 15)، أم عندما " ابْتَدَأَ النَّهَارُ يَمِيلُ" (لو 9: 12)؟ ولماذا ذكرت الأناجيل عدد الرجال وأغفلت عدد النساء والأطفال؟ وكيف يتبقى من خمسة أرغفة اثنتي عشر قفة؟ (راجع علاء أبو بكر - البهريز جـ 4 س221 ص236).
ويقول "أنوك باول": "ربما كانت رواية إطعام الخمسة آلاف (مت 14: 15 ــ 21) والأربعة آلاف (مت 15: 32 - 39) حيث يكاد التطابق اللفظي يكون تامًا، كما أن الاختلافات، ولو أنها لم تكن بالضرورة عديمة الشأن، كانت تقتصر على اختلاف الأعداد مع بعض الفروقات الثانوية في الألفاظ، فإذا جرى تسجيل حدثين فعليين مثلًا، وكانت الألفاظ في التسجيلين متشابهة، لاستحال تبرير هذا التشابه. وتبقى الفرضية الوحيدة التي يمكن أن تبرر ذلك هيَ عملية النسخ المتعمَّد المقصود" (940).
ج: 1ــ معجزة إشباع الجموع تكرَّرت، فهما معجزتان وليس معجزة واحدة، والأدلة على ذلك عديدة، نذكر منها:
أ - ثقتنا في كتابنا المقدَّس كاملة، وذكرت الأناجيل الأربعة معجزة إشباع الجموع الأولى من الخمس خبزات والسمكتين (مت 14: 15 - 21، مر 6: 35 - 44، لو 9: 12 - 17، يو 6: 4 - 13) كما ذكر كل من إنجيل متى ومرقس معجزة إشباع الجموع الثانية من سبع خبزات وقليل من صغار السمك (مت 15: 32 - 38، مر 8: 2 - 9)، وهذا أمر عادي وليس أمرًا فريدًا، فالسيد المسيح لم يصنع معجزة واحدة من كل نوع من أنواع المعجزات، فمثلًا تهدئة البحر حدثت مرتين، وإقامة الموتى حدثت ثلاث مرات، وتفتيح أعين العميان حدثت مرارًا وتكرارًا، ومعجزات الشفاء لا حصر لها وكذلك إخراج الشياطين... إلخ.
ب - ليس أمرًا غريبًا أن يشبع السيد المسيح الجموع مرتين، وليس هذا مدعاة للقول بأن النسَّاخ أضافوا المعجزة الثانية، لأنه ما هو الدافع لهذه الإضافة؟! ولو أضاف ناسخ هذه المعجزة الثانية في مخطوطة لتناقض هذا مع مئات المخطوطات الأخرى، ولكن هذا لم يحدث، فلا توجد أي مخطوطات لإنجيلي متى ومرقس خلت من المعجزة الثانية لإشباع الأربعة الآلاف. فقد كان النسَّاخ في منتهى الأمانة لكلمة اللَّه، فما يفترضه الناقد هو أمر مُستبعد تمامًا.
جـ - في المعجزة الثانية نجد عدد الأرغفة سبعة وهو أكثر من أرغفة المعجزة الأولى وهيَ خمسة، وعدد الذين أكلوا في المعجزة الثانية أربعة آلاف أقل من عدد اللذين أكلوا من المعجزة الأولى وهم خمسة آلاف، وهذا يؤكد أن هذه المعجزة الثانية حقيقية وليست إضافة مصطنعة، فلو كانت إضافة مصطنعة لجعلها الناسخ أقوى وأعظم من الأولى.
د - أشار السيد المسيح للمعجزتين بعد حدوثهما، فقال لتلاميذه: "أَحَتَّى الآنَ لاَ تَفْهَمُونَ وَلاَ تَذْكُرُونَ خَمْسَ خُبْزَاتِ الْخَمْسَةِ الآلاَفِ وَكَمْ قُفَّةً أَخَذْتُمْ. وَلاَ سَبْعَ خُبْزَاتِ الأَرْبَعَةِ الآلاَفِ وَكَمْ سَّلًا أَخَذْتُمْ" (مت 16: 9، 10).
هـ - هناك اختلافات بين المعجزتين، ونذكر من هذه الاختلافات ما يلي:
|
بيان |
المعجزة الأولى |
المعجزة الثانية |
1
|
مكان المعجزة
|
" فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الْعُشْبِ" (مت 14: 19) وجرت المعجزة بين اليهود
|
" فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ" (مت 15: 35) وجرت المعجزة في حدود المدن العشر ومعظم سكانها من الأمم " وَمَجَّدُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ" (مت 15: 31) |
2 |
سؤال المسيح |
" فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزًا لِيَأْكُلَ هؤُلاَءِ" (يو 6: 5) |
" فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُـمْ مَا يَأْكُلُونَ" (مت 15: 32) |
3 |
جواب التلاميذ |
قال أندراوس: "هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ" (يو 6: 9) " أَنَمْضِي وَنَبْتَاعُ خُبْزًا بِمِئَتَيْ دِينَارٍ" (مر 6: 27) |
" فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ" (مت 15: 33) " فَأَجَابَهُ تَلاَمِيذُهُ مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُشْبِعَ هؤُلاَءِ خُبْزًا هُنَا فِي الْبَرِّيَّةِ" (مر 8: 4) |
4 |
المواد المستخدمة |
" خَمْسَةُ أَرْغِفَةٍ وَسَمَكَتَانِ" (مت 14: 17) |
من الخبز " سَبْعَةٌ وَقَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ" (مت 15: 34) |
5 |
عدد الذين أكلوا |
" نَحْوَ خَمْسَةِ آلاَفِ رَجُل مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ" (مت 14: 21) |
" وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُل مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ" (مت 15: 38) |
6 |
ما تبقى |
" مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوءةً" (مت 14: 20) |
" مِنَ الْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلاَل مَمْلُوءَةٍ" (مت 15: 37) |
وقد جرت المعجزة الثانية بعد المعجزة الأولى بنحو ستة أشهر، وقال كل من أغسطينوس وهيلاريون أن المعجزة الأولى صُنعت بين اليهود والثانية بين الوثنيين (راجع الخوري بولس الفغالي - تفسير إنجيل متى جـ2 سر الملكوت).
2ــ في أي وقت من اليوم حدثت فيه المعجزة؟ حدَّد القديس متى هذا الوقت بقوله " وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ "، وحدَّد القديس لوقا هذا الوقت بقوله " فَابْتَدَأَ النَّهَارُ يَمِيلُ" (لو 9: 12)، والاثنان متوافقان تمامًا فبحسب التعبير اليهودي كان هناك مساءين، الأول قبل غروب الشمس، وهو ما عبر عنه القديسان متى ولوقا، أما المساء الثاني فعند غروب الشمس، ولذلك قال الكتاب عن ميعاد ذبح الفصح: "فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ، فِي الرَّابعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ فِصْحٌ لِلرَّبِّ" (لا 23: 5) (راجع أيضًا عد 9: 3، 5، 28: 4، 8).
وذكر الإنجيل عدد الرجال في المعجزتين في الأولى خمسة آلاف، وفي الثانية أربعة آلاف، ولم يذكر عدد النساء والأولاد، لأن اليهود اعتادوا أن يكون الإحصاء للرجال فقط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ففي خروجهم من أرض مصر أحصوا الرجال من سن العشرين فصاعدًا " فَكَانَ جَمِيعُ الْمَعْدُودِينَ... سِتَّ مِئَةِ أَلْفٍ وَثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ" (عد 1: 46)، وأيضًا اعتاد اليهود أن الرجال يأكلون معًا، والنساء والأطفال يأكلون معًا، فذكر الكتاب عدد الرجال فقط كمؤشر لعظمة المعجزة.
3ــ نعم تبقى اثنتي عشر قفة بعد أن أكل خمسة آلاف رجل مع النساء والأطفال وشبعوا وشكروا إله السماء، وهذه القفف الاثنى عشر هيَ الإثبات العلمي للمعجزة، حتى لا يدعي ناقد أنهم شبعوا بالإيحاء، وحمل كل تلميذ من التلاميذ الاثنى عشر قفة حتى لا تُمحى هذه المعجزة من ذاكرته طوال حياته، ولا يُمحى أيضًا من ذهن الكنيسة أن اللَّه قادر على إشباع الأفواه الجائعة، فدائمًا ستجد جموع جائعة وموارد محدودة، وعلينا أن نضع الأمر بين يدي اللَّه الذي يدبر الأمر كله. في القديم قال إيليا لأرملة صرفة صيدا: "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ إِنَّ كُوَّارَ الدَّقِيقِ لاَ يَفْرُغُ وَكُوزَ الزَّيْتِ لاَ يَنْقُصُ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُعْطِي الرَّبُّ مَطَرًا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ" (1 مل 17: 14)، وهكذا كان. وأيضًا دهنة الزيت التي لدى الأرملة المهدَّدة بسلب أولادها منها ملأت أوعية عديدة غطت ديون الأرملة ومعيشتها كقول أليشع النبي (2 مل 4: 2 - 6)، وعندما جاء إلى أليشع مئة رجل ولم يكن هناك سوى عشرين رغيفًا من الشعير وطلب أليشع أن يوضع الخبز أمام الرجال: "فَقَالَ خَادِمُهُ مَاذَا. هَلْ أَجْعَلُ هذَا أَمَامَ مِئَةِ رَجُل. فَقَالَ أَعْطِ الشَّعْبَ فَيَأْكُلُوا لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ يَأْكُلُونَ وَيَفْضُلُ عَنْهُمْ. فَجَعَلَ أَمَامَهُمْ فَأَكَلُوا وَفَضَلَ عَنْهُمْ.." (2 مل 4: 43، 44). أما السيد المسيح فقد صنع أعظم من هذا كثيرًا. هذه المعجزة، معجزة إشباع الجموع، هيَ معجزة حقيقية، والعقلانيون الذين لا يصدقونها هم لا يصدقون أيضًا معجزة اللَّه مع شعبه في برية سيناء، وكيف أطعمهم من المن والسلوى مع أن عددهم كان يزيد عن المليونين، وليس مرة واحدة ولا شهرًا واحد، إنما على مدار ما يقرب من أربعين عامًا (خر 16: 4 - 8).
_____
(940) ترجمة أحمد ايبش - تطوُّر الإنجيل - المسيح ابن اللَّه أم ملك من نسل داود؟ ص60.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/351.html
تقصير الرابط:
tak.la/t7gyapx