س345: لماذا أسرف المزارع في البذار فألقى بعض منها على الطريق، وبعض على الأماكن المحجرة، وبعض بين الأشواك، وهو يوقن أن هذه كلها بلا فائدة (مت 13: 4 - 7)؟ ولماذا اختلفت نتائج الأثمار بين ثلاثين وستين ومائة مع أن الأرض الجيدة واحدة (مت 13: 23)؟ وكيف الذي له يُعطى ويُزاد والذي ليس له فالذي عنده يؤخذ منه (مت 13: 13)؟ أليس هذا نوعًا من الظلم؟
ج: 1ــ كان هناك طريقتان للزراعة في أرض فلسطين حينذاك:
أ - يحمل الفلاح كيس البذار ويأخذ بيده البذار ويبذرها في الخطوط المُعدة للزراعة، وفي حالة الريح الشديدة كانت الرياح تحمل بعض البذار للأماكن المختلفة سواء كانت طريق أو أرض محجرة أو بين الأشواك.
ب - يوضع الكيس وبه بعض الثقوب على حمار يقوده صاحبه عبر خطوط الزرع، فتقع بعض البذار على الطريق قبل الدخول للحقل، وهذه الطريقة كان يفضلها من لا يريد أن يبذل جهدًا في الزراعة.
وفي هذا المَثَل نجد أن البذار تشير لكلمة اللَّه، وكلمة اللَّه يجب أن تصل لجميع الناس أبرارًا وأشرارًا، صالحين وطالحين، من يحتضن هذه الكلمة ويكون أمينًا عليها، تغيّر هذه الكلمة حياته، فتجذبه من أعماق الشر وترتقي به إلى قمم الفضيلة. ولو منع الخادم كلمة اللَّه عن الأشرار بحجة عدم استحقاقهم، يكون قد أخطأ في حقهم، لأنه كثيرًا ما غيَّرت كلمة اللَّه أشر الناس إلى قديسين، والقديس موسى الأسود والقديس أغسطينوس خير شاهد على هذا. وأيضًا كلمة اللَّه ذو حدين، فهيَ تشهد للصالح وتشهد ضد الطالح: "لأَنَّ كَلِمَةَ اللَّه حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ" (عب 4: 12).
ويقول "القديس يوحنا الذهبي الفم": "أخبرني إذًا كيف فُقِد الجزء الأكبر من البذار؟ أنها لم تُفقد بسبب الباذر، إنما بسبب الأراضي التي لم تقبلها، أي النفوس التي لم تُنصت لها" (910).
2ــ الأرض الجيدة هيَ التي قبلت محراث التجارب فقلَّب تربتها وأشرقت عليها شمس البر، وتنقَّت من الأحجار والعثرات والأشواك أي هموم العالم وغرور الغنى، ومع أن الأرض واحدة لكن وجدت ثلاث نتائج مختلفة، فالبعض أثمر ثلاثين وآخر ستين وآخر مئة، كلٌ حسب إرادته وسعيه وجهده. ويقول "القمص تادرس يعقوب": "يرى بعض الآباء مثل القديس جيروم أن هذا الثمر مع اختلاف كميته لكنه يصدر عن أرض واحدة وحقل واحد، لكن شخصًا يثمر ثلاثين وهو المتزوج الذي حفظ المضجع غير دنس ويحمل علاقة حُب طاهرة بين الزوج وزوجته، وآخر يأتي بالستين وهو الأرمل أو الأرملة الذي يحتمل ضيق الترمل والتعب بفرح، وأما الذي يثمر المئة فهو البتول" (911).
ويقول "المشرقي": "إن هناك رأيين:
(1) أصحاب الثلاثين هم الذين يمارسون الفضائل الجسدية فقط كالعفة والتقشف، وأصحاب الستين هم الذين قرنوا الفضائل الجسدية بالفضائل الروحية. وأصحاب المئة هم الذين اقتنوا الفضائل روحيًا ونفسيًا وجسديًا وعلموا آخرين طريق الفضيلة.
(2) أصحاب الثلاثين هم يشبهون العبيد الذين يعملون خوفًا من العذاب، وأصحاب الستين هم الذين يشبهون الأجير الذي ينتظر أجرته في العالم الآتي، وأصحاب المئة هم يشبهون الابن الذي يعمل لميراث ملكوت أبيه السماوي" (912).
ويقول "متى هنري": "بين المسيحيين المثمرين يوجد من هو أكثر إثمارًا من غيره، وحيثما وُجدت النعمة الحقيقية وُجدت درجات لها. فالبعض يتفاضلون عن غيرهم في المعرفة والقداسة... يجب أن نهدف إلى الدرجة القصوى لكي نثمر مئة ضعف كما كان الحال في أرض إسحق (تك 26: 12) مكثرين في عمل الرب (يو 15: 8) على أنه كانت الأرض جيدة، والثمار جيدة، والقلب أمينًا، والحياة متفقة معه، فإن الذين لا يثمرون سوى ثلاثين لا بد أن يكونوا مقبولين أمام اللَّه" (913).
3ــ قال السيد المسيح لتلاميذه: "فَإِنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى وَيُزَادُ وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ" (مت 13: 12). فالإنسان الأمين في الوزنات التي وهبها اللَّه له، فأنه يزداد من النعم والبركات، أما الإنسان غير الأمين في الوزنات التي أئتمنه اللَّه عليها، فالذي عنده يتسرَّب من بين أصابعه فيجد نفسه خالي الوفاض. هكذا حدث مع اليهود الذين منحهم اللَّه الشريعة كنور وهدى فلم يسيروا بموجبها بل فضلوا السلوك بحسب تقليداتهم البشرية وتعصبهم الأعمى الذي وصل إلى تسليم المُخلص للموت، وهكذا في حياتنا الروحية الإنسان الأمين يشرق اللَّه عليه بمعرفته وبره فتزدهر حياته وتنمو أكثر فأكثر، أما الإنسان المتقاعس فإن ما عنده يؤخذ منه، بمعنى أن حياته تجف من عمل النعمة. وفي مَثَل الوزنات فإن العبد الشرير الذي طمر وزنته في الأرض متهمًا سيده بالقسوة أُخذت منه هذه الوزنة وصدر أمر سيده: "فَخُذُوا مِنْهُ الْوَزْنَةَ وَأَعْطُوهَا لِلَّذِي لَهُ الْعَشْرُ وَزَنَاتٍ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ" (مت 25: 28، 29).
ويقول "القمص تادرس يعقوب": "فبقدر ما يكون الإنسان أمينًا على المقدَّسات الإلهيَّة يفيض اللَّه عليه أمجاد معرفة حقه من يوم إلى يوم، فيتذوق أمثال السيد ليدخل خلالها إلى بيته يسمع أسراره الإلهيَّة السماوية، ويُعلَن له الصوت الإلهي بأكثر وضوح حتى يدخل إلى كمال الأسرار بعبوره إلى المجد وجهًا لوجه... أما غير الأمين فحتى ما يسمعه من أمثال ينزع منه، ويصير سماعه علة إدانته عوضًا أن يكون سر مجد له" (914).
_____
(910) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص301.
(911) المرجع السابق ص301.
(912) أورده القس يوسف البرموسي - تساؤلات حول إنجيل متى ص65.
(913) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 1 ص442.
(914) تفسير إنجيل متى ص302.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/345.html
تقصير الرابط:
tak.la/vahcxz3