St-Takla.org  >   books  >   helmy-elkommos  >   biblical-criticism  >   new-testament
 

مكتبة الكتب المسيحية | كتب قبطية | المكتبة القبطية الأرثوذكسية

كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها (العهد الجديد من الكتاب المقدس) - أ. حلمي القمص يعقوب

336- عندما قطف التلاميذ سنابل الحقل وأكلوها (مت 12: 1).. هل تُعد هذه سرقة؟ وعندما احتج عليهم الفريسيون (مت 12: 2) فلماذا لم يقبضوا عليهم؟ وهل عندما أخذ داود خبز الوجوه كان معه آخرون (مت 12: 3) أم أنه كان بمفرده كقول أخيمالك: "لِمَاذَا أَنْتَ وَحْدَكَ وَلَيْسَ مَعَكَ أَحَدٌ" (1 صم 21: 1)؟ وما معنى قول المسيح: "أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْـتَ وَهُـمْ أَبْرِيَاءُ" (مت 12: 5)؟ وهل حذف إنجيل متى اسم رئيس الكهنة "أبياثار" الذي ذكره مرقس (2: 26)، لأن رئيس الكهنة حينذاك كان أخيمالك وليس أبياثار (1 صم 21: 1)؟

 

س336: عندما قطف التلاميذ سنابل الحقل وأكلوها (مت 12: 1).. هل تُعد هذه سرقة؟ وعندما احتج عليهم الفريسيون (مت 12: 2) فلماذا لم يقبضوا عليهم؟ وهل عندما أخذ داود خبز الوجوه كان معه آخرون (مت 12: 3) أم أنه كان بمفرده كقول أخيمالك: "لِمَاذَا أَنْتَ وَحْدَكَ وَلَيْسَ مَعَكَ أَحَدٌ" (1 صم 21: 1)؟ وما معنى قول المسيح: "أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْـتَ وَهُـمْ أَبْرِيَاءُ" (مت 12: 5)؟ وهل حذف إنجيل متى اسم رئيس الكهنة "أبياثار" الذي ذكره مرقس (2: 26)، لأن رئيس الكهنة حينذاك كان أخيمالك وليس أبياثار (1 صم 21: 1)؟ (راجع علاء أبو بكر - البهريز جـ 2 س238 ص214، جـ 3 س407 ص253).

St-Takla.org                     Divider     فاصل موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - أنبا تكلا هايمانوت

ج: 1ــ في الأصحاحين الحادي عشر والثاني عشر عرض القديس متى للمقاومات التي واجهها السيد المسيح أثناء خدمته، كما وُجِهت له تُهم عديدة، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر بدأ السيد المسيح يعلن عن أنه المسيا، فهو رب السبت، وهو أعظم من الهيكل، وأعظم من يونان، وأعظم من سليمان..

ولا ينبغي أن ننظر لأحداث حدثت منذ ألفي عام بمنظار اليوم، ففي ذلك الزمان كان قطف بعض السنابل وأكلها ليس سرقة ولا تعدي على ممتلكات الغير، بل هذا عمل اعتاد عليه الشعب اليهودي، لأن الشريعة أباحت له هذا، فجاء في سفر التثنية: "إِذَا دَخَلْتَ كَرْمَ صَاحِبِكَ فَكُلْ عِنَبًا حَسَبَ شَهْوَةِ نَفْسِكَ شَبْعَتَكَ. وَلكِنْ فِي وِعَائِكَ لاَ تَجْعَلْ. إِذَا دَخَلْتَ زَرْعَ صَاحِبِكَ فَاقْطِفْ سَنَابِلَ بِيَدِكَ وَلكِنْ مِنْجَلًا لاَ تَرْفَعْ عَلَـى زَرْعِ صَاحِبِكَ" (تث 23: 24، 25)، فكانوا يزرعون القمح في خطوط طولية يفصل بينها ممرات تكفي لسير شخص واحد، ففي إحدى هذه الممرات سار السيد المسيح يتبعه تلاميذه، وكان من المناظر المعتادة أن يقطف المسافر من سنابل الحقل ويفركها بيديه ويأكلها، هذا ما جرى عليه العُرف، فهو ليس سرقة ولا عمل شاذ مستهجن، وهذا العمل في حد ذاته لم يثر الفريسيين لو تم في أي يوم آخر، ولكن احتجاجهم لأن التلاميذ عملوا عملًا غير مُصرح به في يوم سبت.

 

St-Takla.org Image: Lord of the Sabbath: The Pharisees confront Jesus about allowing his disciples to pick grain on the Sabbath: (Matthew 12) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695. صورة في موقع الأنبا تكلا: الفريسيين يجابهون يسوع بسماحه للتلاميذ بقطف السنابل يوم السبت: (متى 12) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

St-Takla.org Image: Lord of the Sabbath: The Pharisees confront Jesus about allowing his disciples to pick grain on the Sabbath: (Matthew 12) - from the book: History of Jesus Christ (Historia von Iesu Christi), by Johann Christoph Weigel, 1695.

صورة في موقع الأنبا تكلا: الفريسيين يجابهون يسوع بسماحه للتلاميذ بقطف السنابل يوم السبت: (متى 12) - من كتاب: تاريخ السيد المسيح، يوهان كريستوف فيجيل، 1965 م.

2ــ لم يكن قطف السنابل في يوم السبت عمل مستوجب القبض على التلاميذ، إنما كان فقط يستوجب الملامة، ولهذا عندما حمل مريض بيت حسدا فراشه يوم السبت: "فَقَالَ الْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ إِنَّهُ سَبْتٌ لاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ" (يو 5: 10) ولكنهم لم يقبضوا عليه، وأيضًا كثيرًا ما احتجوا على السيد المسيح لأنه يصنع معجزات شفاء يوم السبت: "فَأَجابَ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ وَهُوَ مُغْتَاظٌ.. وَقَالَ لِلْجَمْعِ هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا الْعَمَلُ فَفِي هذِهِ ائْتُوا وَاسْتَشْفُوا وَلَيْسَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ" (لو 13: 14). والأمر العجيب أن الفريسيين الذين اشتكوا التلاميذ للسيد المسيح لأنهم يقطفون السنابل ويأكلونها يوم السبت، هم أنفسهم يعدون الموائد في بيوتهم ويأكلون يوم السبت.

لقد أعطى اللَّه وصية السبت لشعبه، ليتذكروا أن اللَّه خلق العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع، وقد ميَّزهم حفظ السبت عن بقية الشعوب، فحافظوا على هويتهم، وفي السبت كانوا يؤدون طقوس العبادة، وكانت فرصة للراحة للأحرار والعبيد والإماء والحيوانات: "سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ عَمَلَكَ. وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ تَسْتَرِيحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحَ ثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَيَتَنَفَّسَ ابْنُ أَمَتِكَ وَالْغَرِيبُ" (خر 23: 12) وحتى الأرض كانت تسبّت في السنة السابعة (خر 23: 10). ولكن الفريسيين تناسوا تلك المعاني الرائعة، ووضعوا قيودًا رهيبة، فحدَّدوا تسعة وثلاثين عملًا محظور القيام بأي منها يوم السبت، ووضعوا لكل منها توصيفًا دقيقًا، ومن هذه الأعمال الحصاد، ويدخل ضمن الحصاد قطف السنابل، كما اعتبروا أن فرك هذه السنابل باليدين يدخل ضمن التذرية، وفصل القمح عن القش يدخل ضمن الدرس، فما فعله التلاميذ في نظر الفريسيين خطية ثلاثية، مع أن التلاميذ لم يفعلوا ذلك بقصد الحصاد والتذرية والدرس، بل لأنهم جوعى " فَجَاعَ تَلاَمِيذُهُ" (مت 12: 1). وجاء في كتاب اليوبيل الأصحاح الخمسين أن مجرد التفكير في العمل يوم السبت أو الإعداد للسفر، أو التفكير في البيع والشراء، أو سحب ماء من بئر، أو من يفلح أرضًا أو يوقد نارًا أو يركب دابة، أو يصطاد طائرًا أو سمكة، أو يصوم يوم السبت فأنه يجب أن يموت (راجع وليم باركلي - تفسير العهد الجديد جـ 1 س246).

وقد دافع السيد المسيح عن تلاميذه:

أ - ذكر ما فعله داود والغلمان عندما أكلوا من خبز الوجوه (1صم 21: 1 - 6) مع أنه لا يحل أكله إلاَّ للكهنة (لا 24: 5 - 9)، فداود كان الملك الشرعي، ولكنه كان مطاردًا من قِبَل شاول، فإذ جاع هو ومن معه أكل من خبز الوجوه، ولم يعاقبه الرب على هذا، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ولم يجرؤ الفريسيون على إدانته، ولو فعل داود هذا وهو على عرشه لنال العقوبة الإلهيَّة كما حدث مع عُزيَّا الملك الذي قدم بخورًا فأُعتبر متعديًا على الكهنوت وضربه اللَّه بالبرص. ودارت الأيام وجاء ابن داود وجاع تلاميذه فقطفوا السنابل وأكلوها، ولو كان ابن داود في المكانة التي يستحقها كملك إسرائيل، ما جاع تلاميذه ولا قطفوا السنابل في يوم السبت.

ب - ذكر ما يفعله الكهنة يوم السبت من إجراءات تقديم الذبائح وإجراء الختان، وكانت ذبائح السبت مضاعفة (عد 28: 9) وكذلك كان يتم تغيير خبز التقدمة يوم السبت (لا 24: 8).

جـ - أوضح السيد المسيح أنه أعظم من الهيكل (مت 12: 6) فهو رب الهيكل، فإن كان الهيكل يمنح الكهنة حصانة فيعملون أعمالًا يوم السبت لا يستطيعون عملها خارج الهيكل، فإن السيد المسيح رب الهيكل يمنح حصانة لتلاميذه، فهو لم يدنهم، لذلك لا يحق للفريسيين أن يدينونهم.

د - ذكر السيد المسيح ما جاء في سفر هوشع: "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً" (هو 6: 6، 12: 7) وليس معنى هذا إلغاء الذبائح والممارسات الطقسية إنما المقصود ترتيب الأولويات.

هـ - صرَّح السيد المسيح بأنه رب السبت: "فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا" (مت 12: 8)، فهو الذي يعطي وصية حفظ السبت، وهو أقدر من أي كائن آخر، في توضيح مفهوم حفظ السبت، وشرح المعاني العميقة في الوصية وليست الشكليات القاتلة.

 

3ــ عندما ذهب داود إلى مكان خيمة الاجتماع كان معه بعض الغلمان، فقال لأخيمالك عندما سأله لماذا أنت وحدك وليس معك أحد، فقال داود: "وَأَمَّا الْغِلْمَانُ فَقَدْ عَيَّنْتُ لَهُمُ الْمَوْضِعَ الْفُلاَنِيَّ وَالْفُلاَنِيَّ" (1 صم 21: 2)، وقال السيد المسيح العالِم بكل شيء: "مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ" (مت 12: 3)، وجاء في إنجيل مرقس: "مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ احْتَاجَ وَجَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ مَعَهُ" (مر 2: 25)، وجاء في إنجيل لوقا: "الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ" (لو 6: 3). إذًا كلام السيد المسيح الذي سجله الإنجيليون الثلاث أوضح أن داود لم يكن بمفرده بل كان معه بعض الغلمان، وكما قال الآباء أن العهد الجديد كان مستورًا في العهد القديم، والعهد القديم مشروحًا في العهد الجديد، فإن كان يبدو من سفر صموئيل أن داود ظهر وكأنه منفردًا لكن السيد المسيح رب العهدين أوضح الحقيقة أنه كان معه بعض الرجال.

 

4ــ قال السيد المسيح: "أَوَ مَا قَرَأْتُمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ الْكَهَنَةَ فِي السَّبْتِ فِي الْهَيْكَلِ يُدَنِّسُونَ السَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ" (مت 12: 5)، فقد كانوا يحملون الحطب ويشعلون النار ويذبحون الحيوانات ويسلخونها ويعدونها للذبائح، ويتممّون الختان للأطفال الذين بلغوا ثمانية أيام في يوم السبت، بل أن الفريسيين قالوا أن حصد باكورات الغلة التي تُقدم كتقدمة في الهيكل يحب أن يتم في يوم سبت، وجميع هذه الأعمال لو مارسها أي إنسان في يوم سبت خارج نطاق الهيكل فأنه يكسر السبت ويدنسه، ولكن ممارسة هذه الأعمال في يوم السبت داخل الهيكل مبرَّرة، لأن الهيكل يُعطي القائمين بهذه الأعمال حصانة، فلا يستطيع أحد أن يحكم عليهم، والسيد المسيح هو الهيكل الحقيقي، فقد أشارهُ إلى نفسه قائلًا لليهود: "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ" (يو 2: 19)، فمن الطبيعي أن الهيكل الحقيقي (السيد المسيح) يُعطي حصانة لتلاميذه، فما دام هو لم ينتقدهم، فمعنى هذا أن تصرفهم صحيح، فلا يحق للفريسيين أن يدينونهم.

ويقول "القمص تادرس يعقوب": "إن كان الكهنة في العهد القديم لم يتوقفوا عن العمل يوم السبت، بل كان العمل يتزايد، إذ تكثر التقدمات والذبائح في ذلك اليوم ويكثر المتعبدون. كانوا يقومون بأعمال لو قام بها إنسان خارج الهيكل لحسبت تدنيسًا للسبت، فمن أجل كرامة الهيكل وتحقيق رسالته لم يتوقف هؤلاء عن العمل، بل يحسب توقفهم إهمالًا في حق الهيكل. هذا بخصوص الهيكل القديم فماذا إن كان السيد نفسه الساكن في الهيكل قد حلَّ على الأرض، ألا يصير سبتنا الحقيقي هو العمل الدائم لحساب رب الهيكل؟" (879).

 

5ــ أما عن اسم رئيس الكهنة حينما دخل داود خيمة الاجتماع وأخذ خبز الوجوه فقد سبق الإجابة على هذا التساؤل، فيُرجى الرجوع إلى مدارس النقد - عهد قديم - جـ 6 س1141. فقد كان رئيس الكهنة حينذاك هو أخيمالك: "فَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى نُوبٍ إِلَى أَخِيمَالِكَ الْكَاهِنِ" (1 صم 21: 1)، فعندما جاء داود إلى خيمة الاجتماع وجد أخيمالك وابنه أبياثار، فتحدث مع أخيمالك الذي إتخذ القرار باعطاء خبز الوجوه لداود، وقام أبياثار بتنفيذ القرار الذي إتخذه أبوه، فأعطى داود خبز الوجوه، ونسب صموئيل النبي الفعل لأخيمالك صاحب القرار، ونسب السيد المسيح الفعل لأبياثار الذي نفذ القرار، ولا سيما أن أبياثار صار رئيس كهنة بعد أبيه وأن اسم أبياثار ارتبط باسم داود، فكان داود ملكًا وأبياثار كاهنًا. وقول السيد المسيح عن أبياثار رئيس الكهنة (مز 2: 26) يشبه إلى حد ما قول أحد الأشخاص أنه يعرف قداسة البابا تواضروس منذ أكثر من أربعين سنة، بينما البابا تواضروس لم يكن بعد بابا ولا أسقف ولا راهب. وجاء في "كتاب الهداية": "ولنضرب لك مثالًا فنقول إذا تكلم الإنسان عن أبي بكر الصديق بصرف النظر عن اسمه قبل الإسلام فلا يقول "عبد الكعبة " فعل كذا وكذا بل يقول " أبو بكر الصديق" فعل كذا وكذا، حتى وإن كان المتكلم يخبر عن أحواله وأفعاله قبل الإسلام فأنه يراعي ما آل إليه الشخص في آخر حياته فيغلب عليه ذلك لاشتهاره به" (880).

_____

الحواشي والمراجع لهذه الصفحة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت:

(879) تفسير إنجيل متى ص268.

(880) الهداية جـ 2 ص269.


الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع

https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/336.html

تقصير الرابط:
tak.la/pfrhax2