س33 : هل هناك آراء خاطئة في مفهوم الوحي والعصمة يجب أن نرفضها؟
ج: نعم، هناك مَن نظر للوحي على أنه مجرد إلهام طبيعي وبصيرة داخلية نافذة للكاتب، وهناك مَن ظن أن الوحي هو إملاء الكاتب ما يكتبه، وهناك مَن ظن أن الوحي هو أن يوحي الروح القدس للكاتب برأس الموضوع فقط ثم يترك له كل التفصيلات، وهناك مَن ظن أن الوحي قاصر على أجزاء دون الأخرى... إلخ.، وفيما يلي نعرض بإيجاز لتلك التصوُّرات الخاطئة التي يجب أن نرفضها تمامًا:
1ــ
النظرية الطبيعية
2ــ النظرية
الميكانيكية الإملائية (التنزيل)
3ــ نظرية الانخطاف الروحي
4ــ النظرية الموضوعية
5ـ النظرية الجزئية
هل يتساوى كلام
الله مع كلام الكاتب؟
هل أقوال الشياطين
أو الأشرار معصومة؟
ينظر أصحاب هذه النظرية للوحي كإلهام طبيعي دون أي تدخل إلهي، فهو يشبه إلهام الشاعر المُلهَم وهو ينظم قصيدته أو يُقرِض شعره، ويشبه إلهام الراوي الذي يسكب مشاعره وأحاسيسه في روايته، ويشبه الكاتب اللماح الذي يتمتع ببصيرة داخلية نافذة، ويشبه المُلحن الذي يُبدع لحنًا موسيقيًا يعبر عن نغماته، حتى قيل مجازًا وحي الموسيقار. وهذه النظرية لا نقبلها لأنها تتجاهل تمامًا الجانب الإلهي في تسجيل الأسفار المقدَّسة، فأين دور وعمل الروح القدس هنا..؟! غير واضح أو قل لا شيء، فالأمر كله يتوقف على الجهد البشري والبراعة البشرية، بينما الأسفار المقدَّسة هيَ نتاج عمل مشترك بين الله والإنسان.
ويقول "أثيناغوراس": " سلك الشعراء في هذا الموضوع كما في غيره سبيل الحدس والتخمين، وقد اندفع كل منهم بنفسه، محاولين أن يجدوا الحق وأن يدركوه، مدَّعين أنهم على اتصال بإلهام من قِبل الله، لكنهم لم يكونوا أهلًا بالتمام لإدراك الحق، إذ حسبوه من اللائق أن يتعلَّموا عن الله لا من الله نفسه، بل كلٍ يتعلم من ذاته. لهذا انتهى كل منهم إلى رأي خاص فيما يختص بالله والمادة وشكلها والعالم. أمَّا من جهتنا نحن فلنا الأنبياء شهودًا على صحة ما نرتئيه وما نعتقد به. الأنبياء هم أُناس تكلموا عن الله وما يتعلق به مسوقين بروح الله. وأنتم أنفسكم... تسلمون معنا بأنه من المُحال بالنسبة لنا أن نكف عن أن نؤمن بالروح الذي من الله، وهو الذي يحرك أفواه الأنبياء كما لو أنها آلات موسيقية، وأن نحذر الآراء البشرية البحتة" (دفاع 7 - راجع ترجمة نيافة المتنيّح الأنبا غريغوريوس: الدفاع أو الاحتجاج أو المحاماة للفيلسوف المسيحي أثيناغوراس ص 11) (125).
ويقول "ج. أ. يايكر": " أن وحي الكتاب المقدَّس لا يجب أن يُقارن بأي إلهام لكتابة أي كتاب أدبي آخر مهما كان عظيمًا" (126).
ويقول "دكتور إدوار ج. يونج": " وقد آلف الناس أن يقولوا عـن القطع الموسيقية، أنها مُوحى بها، إذ هيَ النتاج العبقري لنفحات المُلحِن الذي أبدعها... هذا التعبير ليس على مستوى الدقة الواجبة، إذ أن الموسيقى هبة من الله ينبغي عند الإصغاء إليها رد الشكر لله على ما أودع في قلوب الناس... ومع ذلك يجوز تجوزًا على ما ألف الناس أن يُقال أنها وحي الموسيقى (أو الموسيقار) أو الشاعر أو الرسام، عندما نرى كم ألهبت فينا من أحاسيس ومشاعر... على أن هذا كله لم يكن بالتأكيد في ذهن الرسول وهو يكتب إلى تلميذه تيموثاوس... (2تي 3 : 16)..
أن الحقيقة المؤكدة أن الكتاب المقدَّس وحي، وليس هناك أية كتابات أخرى يمكن أن ترفع النفس البشرية نظيره إلى أعلى مستوى... حقًا أن الكتاب المقدَّس كتاب وحي، وهو الذي أعطى أجمل ما في الأرض من روائع الشعر والموسيقى والفن" (127).
ويعتبر أصحاب هذه النظرية أن معنى الوحي أن هناك ملاكًا أو رسولًا سمائيًا أو الروح القدس يملئ الكاتب ما يكتبه نصًا وفصًا، معنًا ولفظًا، فيصير الكاتب مجرد جهاز تسجيل أو آلة صماء تسجل ما يمليه الوحي، دون التفاعل معه، ودون أدنى حرية في اختيار الأسلوب أو الألفاظ التي يُعبّر بها، فهو مجرد قطعة من الأسفنج تمتص الماء من مكان لتنقله إلى مكان آخر، دون أن تختلط به أو تتفاعل معه.
ويقول "قداسة البابا تواضروس الثاني": " أمَّا الوحي في الإسلام فهو يُعطي نصًا وفصًا (معاني وألفاظ)، بمعنى أن الكاتب لم يكن له يد مطلقًا في المكتوب أو المُوحى به. فهو إملاء كامل، ولذا القرآن كله (كُتب) بأسلوب واحد. هو (النبي) لم يكن سوى ناقل للكلام ولا دخل له فيه.." (128).
ونحن لا نستطيع قبول هذه النظرية التي تلغي تمامًا الدور البشري في تسجيل الأسفار القانونية، فالأسفار المقدَّسة هيَ كلمة الله التي عبرت من خلال الذهن البشري، فاكتسبت لغة وأسلوب وثقافة وعلم وشخصية الكاتب، ولهذا لم يُكتَب الكتاب المقدَّس كله بأسلوب واحد، فهناك النثر، وهناك الشعر، وهناك الأمثال، وهناك القصص، وهناك كلمات بسيطة وأخرى عميقة... إلخ، حتى أنه من السهل تمييز أسلوب الكاتب، فأسلوب سليمان يتميز بالحكمة، وإرميا بالرثاء، ويوحنا بالمحبة، ولا يخلو أسلوب لوقا الطبيب من السمة الطبية، ويتميز أسلوب بولس الرسول بالفلسفة... إلخ...
ولا ننسى أن أحداث العهد الجديد جميعها جرت باللُّغة الآرامية وأحاديث السيد المسيح كانت بالآرامية، بينما سجلت جميعها بلغة أخرى وهيَ اليونانية، إذًا الوحي الإلهي ليس حبيس لغة بعينها، إذًا لا يمكن الالتزام بالنظرية الإملائية. ويقـول "دكتور جورج فرج" من الأهمية بمكان: " أن يعي دارس الكتاب المقدَّس باللغة العربية، أن النسخة التي في يده هيَ محاولة لتفسير النص الأصلي الذي كُتب باللغة اليونانية، ومن ثم فإمكانية اقتراح ترجمات أخرى بديلة تقدم تفاسيرًا مغايرًا (أي تفاسير أوضح) هو أمر وارد، وبالتالي فإن استخدام أكثر من ترجمة لفهم أعمق للنص الكتابي أمر ضروري" (129).
وقد ظن البعض أن تأثير روح الله القدوس على الكاتب يفقده حريته ومشاركته الفعالة في إنتاج النص المقدَّس، وهذا ظن غير صحيح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فيقول "دكتور إدوار ج. يونج": " ولعله من الواجب أن نصحح هنا أمرًا جديًا هامًا، قد يسأ فهمه إذ قد يتصوَّر البعض أنه ما دام الكتَّاب البشريون للكتب المقدَّسة، كانوا تحت تأثير روح الله وسلطانه، فأنهم لم يكونوا أكثر من أدوات آلية ساكنة تحت سلطان من يتكلم فيهم، ولم يفعلوا أكثر من ترديد الرسالة التي أُعطيت لهم، أما ملكاتهم البشرية فكانت عاطلة، إلى الدرجة التي لم يزيدوا فيها عن الآلات المُسجّلة... إن عبارة الرسول تشير إلى أن كتَّاب الوحـي كانوا محمولين بالروح القدس، وفي الوقت نفسه كتبوا... لم يكونوا مجرد آلات مُسجّلة، بل على العكس من ذلك كانوا أناسًا ذوي ملكات ووزنات استخدمها الله في كتابة الكتاب، وليس لنا الآن إلاَّ أن نعرب عن احتجاجنا، على مَن يضعهم في الصورة الآلية، مهما كان وصفها ومظهرها... وقد جلب الرسول بطرس الانتباه إلى الجانب البشري في كتاب الله" (130).
ويعتبر أصحاب هذه النظرية أن الوحي يسيطر سيطرة كاملة ويستولي استيلاء تام على الكاتب، فيصبح الكاتب مُغيّب عن وعيه ويفقد إرادته، مثلما كان يحدث للكاهن الوثني عندما يتكلم عن الألوهة فيدخل في غيبوبة عن الوعي، وقد اقترح هذه النظرية "أفلاطون" (timaeus, 71) واستعارها الفيلسوف اليهودي السكندري "فيلو" (de spec. leg. iv : 8) والمؤرخ اليهودي الشهير "يوسيفوس" (الآثار 4 : 4، 5)، وبعض آباء الكنيسة الأولين (أثيناغوراس، الدفاع 9) مثل القديس أكليمنضس وقد اعتبرها سيطرة الروح الشرير على النبي الكاذب (المنوعات 1 : 17) (راجع د. إميل ماهر - الكتاب المقدَّس - أسلوب تفسيره السليم وفقًا لفكر الآباء القويم ص 47، 48).
ولا يحتج أحد بقول بولس الرسول: " أَعْرِفُ إِنْسَانًا فِي الْمَسِيحِ قَبْلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً. أَفِي الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ أَمْ خَارِجَ الْجَسَدِ لَسْتُ أَعْلَمُ. اللهُ يَعْلَمُ. اخْتُطِفَ هذَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ. أَنَّهُ اخْتُطِفَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ" (2كو 12 : 2، 4)، أو قول يوحنا الرائي: " كُنْتُ فِي الرُّوحِ فِي يَوْمِ الرَّبِّ وَسَمِعْتُ.." (رؤ 1 : 10) ليدلل على نظريـة الانخطاف الروحي، فكل من بولس الرسول ويوحنا الإنجيلي وأيضًا بطرس الرسول في رؤياه (أع 10 : 10، 11) كان في الروح، حيث تنزوي الإحساسات البشرية ولكنها لا تتوقف بشكل نهائي... لم يغب أي منهم عن وعيه، بل أنه نظر أمورًا لا يُعبَر عنهـا وظلت ماثلة أمام ذهنه، فمعلّمنا بطرس الرسول عندما جاع: " وَقَعَتْ عَلَيْهِ غَيْبَةٌ. فَرَأَى السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً وَإِنَاءً نَازِلًا عَلَيْهِ مِثْلَ مُلاَءَةٍ عَظِيمَةٍ مَرْبُوطَةٍ بِأَرْبَعَةِ أَطْرَافٍ وَمُدَّلاَةٍ عَلَى الأَرْضِ. وَكَانَ فِيهَا كُلُّ دَوَابِّ الأَرْضِ.." (أع 10 : 10 - 13)، فهو لم يغب عن وعيه بل سجل ما رآه في رؤياه، وكل من بولس ويوحنا رأى وشاهد وعاين وسجل على قدر ما يسمح به ضعف اللغة البشرية، وما نؤكد عليه أن أي منهما لم يغب عن وعيه ولا فقد إرادته، لذلك فإن نظرية الانخطاف الروحي غير مقبول.
ويقول "دكتور موريس تاوضروس" عن حالة بولس ويوحنا: " يكون في حالة من الغيبة عن عالم الحس تحت تأثير فاعلية الروح القدس. وبموجب هذه العلاقة تنقطع علاقة الإنسان بالعالم الخارجي، ولكنه يظل محتفظًا بشعوره وأحاسيسه في علاقة روحية مع الله... حتى أنه في هذه الحالة من الذهول والاندهاش، على الرغم من أنه يكــون فـي حالة يقظة" (131).
ويعتقد أصحاب هذه النظرية أن الروح القدس كان يوحي للكاتب برأس الموضوع، ويترك له الحبل على الغارب يكتب ما يشاء وكيفما يشاء من التفصيلات، فلو كانت هذه النظرية صحيحة فمن الذي يحصن الكاتب ضد ارتكاب أي خطأ غير مقصود. أنها نظرية قاصرة، لأن الروح القدس كان يرافق الكاتب من اللحظة التي يمسك فيها بالقلم إلى أن ينتهي من كتابته، من الحرف الأول إلى الحرف الأخير يحيط به الروح القدس يرشده وينير ذهنه ويعصمه وينشط ذاكرته ويساعده في انتقاء الألفاظ، ولذلك تجد كتابنا المقدَّس يتناول أكثر الأمور حساسية بأسلوب مهذب وراقي جدًا: " لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ. لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ بَلْ لِلْمَرْأَةِ. لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ إِلَى حِينٍ لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا" (1كو 7 : 3 - 5).
ويعتبر أصحاب هذه النظرية أن هناك أمور مُوحَى بها من الله وبالتالي فهيَ معصومة مثل أقوال الله ووصاياه، وما يتعلق بالأمور اللاهوتية والعقائدية والأخلاقية، أمَّا الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية فأنها تحتمل الصواب أو الخطأ، ونحن لا نستطيع أن نقبل هذه النظرية... لماذا؟.. لأن الكتاب نفسه أوضح أن: " كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ" (2تي 3 : 16)، فكل الكتاب مُوحَى به وليس أجزاء منه، وقال بولس الرسول هذا عن أسفار العهد القديم، وما كتب من أسفار العهد الجديد، وقد جاءت هذه الآية في رسالته الثانية لتيموثاوس وهيَ آخر رسالة كتبها، كما أنها تنطبق على الأسفار القليلة التي كُتبت بعد هذا، فهيَ تشمل السابق واللاحق مثل بعض كتابات يوحنا الحبيب. كما أن بولس الرسول أطلق على جميع أسفار العهد القديم أقوال الله: " إِذًا مَا هُوَ فَضْلُ الْيَهُودِيِّ... كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلأَنَّهُمُ اسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ اللهِ" (رو 3 : 1، 2)، وقد أعلن "مجمع المعلمين اليهودي": " إن قال أحد أن التوراة هيَ من الله ما خلا آية واحدة ليست من الله بل من موسى... فقد احتقر كلام الله" (132).
نقول نعم، فهذا معصوم من الخطأ وذاك أيضًا معصوم من الخطأ، والفارق هنا بين هذا وذاك هو فارق تشريفي، إذ أنه شرف عظيم لنا أن نسمع التعاليم من فم الله سواء في العهد القديم أو الجديد، وهذا لا يبخس من كلام الرسل، بل أن بطرس الرسول أوضح المساواة عندما قال: " لِتَذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا الأَنْبِيَاءُ الْقِدِّيسُونَ وَوَصِيَّتَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ وَصِيَّةَ الرَّبِّ وَالْمُخَلِّصِ" (2بط 3 : 2)، ولهذا أوصى يهوذا الرسول: " وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ فَاذْكُرُوا الأَقْوَالَ الَّتِي قَالَهَا سَابِقًا رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح" (يه 17).
وقال "الشهيد أغناطيوس" تلميذ بطرس الرسول: " أثبتوا إذًا على تعاليم الرب والرسل" (الرسالة إلى ماجنسيا 13 : 1)، كما قال أيضًا: " ثابروا على الاتحاد بإلهنا يسوع المسيح، وبالأسقف وبوصايا الرسل" (الرسالة إلى تراليس 7 : 1).
وقال "الشهيد أكليمنضس الروماني" تلميذ بولس الرسول: " من أجلنا استلم الرسل الإنجيل من الرب يسوع المسيح، ويسوع المسيح أُرسِل في الله (الآب)" (رسالته الأولى 42 : 1).
وقال "الشهيد بوليكاربوس" تلميذ يوحنا الحبيب: " فلنخدمه (المسيح) بخوف وتقوى كما يأمرنا هو والرسل الذين بشرونا بالإنجيل والأنبياء الذين أعلنوا لنا عن مجيء الرب" (الرسالة إلى فيلبي 6 : 3).
وقال "القديس إيرينيؤس" أسقف ليون (120 - 202م): "حيث أنه عندنا هذه البراهين، فلا داعي للبحث عن الحق عند آخرين، بينما من السهل الحصول عليـه من الكنيسة، حيث أن الرسل، مثل رجل غني (يودع أمواله) في بنك، وضعوا في أيدي الكنيسة كل الأمور المتصلة بالحق بوفرة كبيرة جدًا: حتى أن كل مَن يريد، يمكنه أن يأخذ منها ماء حياة " (أنظر رؤ 22 : 17) فهيَ المدخل إلى الحياة" (ك 3 ف 4 : 1)(133).
وفي الحقيقة أننا نلتقي في الكتاب المقدَّس بأقوال عدو الخير كما تكلّم مع أمنا حواء وأسقطها (تك 3 : 1 - 5)، وكما حارب نسل المرأة وقال له: " أُعْطِيكَ هذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي" (مت 4 : 9)، كما نلتقي بأقوال الأشرار مثل أصدقاء أيوب الذين اتهموه ظلمًا، أو آخاب، أو سنحاريب، أو القيادات الدينية التي تصدت للسيد المسيح: " أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَقَالُوا بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ" (مت 9 : 34).. "أَجَابَ الْجَمْعُ وَقَالوُا بِكَ شَيْطَانٌ. مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَقْتُلَكَ" (يو 7 : 20).. " أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَنًا: إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ" (يو 8 : 48)، وقالت عرَّافة فيلبي: " هؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ" (أع 16 : 17).. وجميع أقوال الشياطين والأشرار بالقطع غير مُوحَى بها، ودور الوحي هنا قاصر على تكليف الكاتب بتدوين تلك الأقوال الفاسدة لفائدة البشرية وكشف شر هؤلاء وأولئك، ليدرك الإنسان مقاصد عدو الخير الخبيثة، فهو العامل في أبناء المعصية، وهذه الأقوال تنسب وترتد إلى قائليها وليس لروح الله القدوس.
_____
(125) أورده القمص تادرس يعقوب - آباء مدرسة إسكندرية الأولون ص 44.
(126) ف. ف. بروس وآخرون - قصة الكتاب المقدَّس ص 35.
(127) ترجمة القس إلياس مقار - أصالة الكتاب المقدَّس ص 29، 30.
(128) مفتاح العهد الجديد جـ 1 ص 32، 33.
(129) المدخل إلى تفسير العهد الجديد ص 11.
(130) ترجمة القس إلياس مقار - أصالة الكتاب المقدَّس ص 34، 35 .
(131) موسوعة علم اللاهوت العقيدي - المجلد الأول ص 69.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/33.html
تقصير الرابط:
tak.la/22a2dc9