س309: هل كان لتلاميذ يوحنا أصوامًا لم يصمها تلاميذ المسيح (مت 9: 14)؟ ولماذا لم يمارس المسيحيون تلك الأصوام اليهودية؟ وهل قول السيد المسيح: "حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ" (مت 9: 15) ينفي صلبه وموته؟ ولماذا لا يضعون خمرًا جديدًا في زقاق عتيقة (مت 9: 17)؟
وجاء في موقع "ابن مريم": "ومن النصوص الدالة أيضًا على نجاة المسيح (من الموت) في متى: "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوع هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ" (مت 9: 15) ومقصده رفعه للسماء".
ج: 1ــ يقول "قداسة البابا شنوده الثالث": "هل كان ليوحنا تلاميذ يصومون صومًا غير تلاميذ المسيح؟
الجواب: طبعًا كانت هناك أصوام في اليهودية، صامها تلاميذ يوحنا. هذه الأصوام وردت في سفر زكريا النبي: صوم الشهر الخامس والشهر السابع (زك 7: 5) كما ورد في نفس السفر: "صَوْمَ الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَصَوْمَ الْخَامِسِ وَصَوْمَ السَّابعِ وَصَوْمَ الْعَاشِرِ" (زك 8: 19).
تلك الأصوام كان تلاميذ يوحنا يصومونها، وكل الناس أيضًا.
أما تلاميذ المسيح، فقد بدأوا صومًا آخر مسيحيًا، بعد صعود السيد المسيح، وإنتهت صلتهم تمامًا بأصوام اليهود التي كثيرًا ما كان يرفضها الرب... الذي وبخهم قائلًا: "لَمَّا صُمْتُمْ وَنُحْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالشَّهْرِ السَّابعِ... فَهَلْ صُمْتُمْ صَوْمًا لِي أَنَا" (زك 7: 5). وقد ورد في سفر إشعياء عن توبيخ الرب لهم: "يَقُولُونَ لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ؟ ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُومُونَ... لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِـي الْعَلاَءِ. أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ..؟" (إش 58: 3 - 5). وقد بدأ الرب بتدريب تلاميذه على رفض صوم اليهود... وقال عنهم: "حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ" (مت 9: 15)" (789).
ويقول "متى هنري": "إن يسوع المسيح هو عريس الكنيسة، وتلاميذه هم " بَنُو الْعُرْسِ " وقد شبه المسيح نفسه هذا التشبيه في حديثه مع تلاميذ يوحنا (الذين سألوه لماذا لم يصم تلاميذك مت 9: 14) لأن يوحنا استخدم هذا التشبيه حيثما دعا نفسه صديق العريس (يو 3: 29)، وإذا ما إستطاعوا بهذه الإشارة أن يتذكروا ما سبق أن قاله معلمهم لأمكنهم أن يجيبوا على أنفسهم بأنفسهم" (790).
ويقول "القمص تادرس يعقوب" عن مفهوم الصوم: "ليس كغاية في ذاته وإنما من أجل الدخول إلى العريس والتمتع بالعُرس خلال التوبة. فإن كان العريس نفسه حاضرًا في وسطهم فما الحاجة إلى الصوم؟ إنه سيرتفع عنهم جسديًا فتمارس الكنيسة صومها لتتهيأ لمجيئه الأخير فتلتقي معه في العُرس الأبدي" (791).
2ــ رد السيد المسيح على الذين احتجوا على التلاميذ لأنهم لا يصومون " فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ" (مت 9: 15)، وقول السيد المسيح: "حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ" إشارة إلى صعوده للمساء بعد أربعين يومًا من قيامته، وهذا ما أوضحه القديس مرقس: "ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّه" (مر 16: 19)، وقال القديس لوقا: "وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ" (لو 24: 51). كما قال القديس لوقا: "وَلَمَّا قَالَ هذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ" (أع 1: 9)، فالكتاب يُفسر نفسه بنفسه، وبعد صعود السيد المسيح صام التلاميذ كقول السيد المسيح (أع 13: 2، 3، 14: 23، 1 كو 7: 5). وغني عن البيان أن كون السيد المسيح صعد للسماء لا يُنفي أبدًا صلبه وموته وقيامته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وهل قولنا أن فلان سافر إلى الولايات المتحدة، يُنفي سفره من قبل إلى إنجلترا وفرنسا؟! بالقطع لا، إنما الناقد يلوي الحقيقة ليصل إلى هدفه وهو التنكُّر لصلب المسيح وقيامته، مع أن موت المسيح ودفنه وقيامته أمر يستحيل إخفاءه، لأن النور المقدَّس ما زال ينبثق من القبر المقدَّس من عام إلى عام في سبت النور، وهذا النور عجيب ليس له مثيل، إذ ينير الشموع والقناديل ولا يحرق أحدًا ولا يؤذي أحدًا قط، وبعد ثلاثة وثلاثين دقيقة يتحوَّل إلى نار عادية حارقة، والثلاثة والثلاثين إشارة إلى عمر السيد المسيح على الأرض. وهذا النور يُعد شهادة ودينونة على الذين لا يؤمنون بصلب المسيا.
3ــ إعتادوا في زمن السيد المسيح على إعداد قْرَبْ من جلود الماعز، حيث تخاط أطرافها بطريقة مُحكمة، ويضعون فيها الخمر، وكانوا يضعون الخمر الجديد في زق جديد... لماذا؟ لأن الخمر الجديدة تتخمَّر وتتمدَّد، ومع تمدُّد الخمر يتمدَّد أيضًا الزق الجديد، أما الزق القديم الذي تمدَّد من قبل إلى أقصى درجة فأنه يعجز عن أن يتمدَّد أكثر، فإن وضعوا فيه خمرًا جديدًا فينشق وينسكب الخمر، والمقارنة هنا ليس بين الخمر القديمة والخمر الجديدة، إنما المقارنة بين الزق القديم والزق الجديد، والمفهوم الروحي من هذا القول أن السيد المسيح لم يأتِ ليصنع رقعة جديدة على النظام اليهودي القديم، فقد ختم يوحنا المعمدان عهد الناموس، وبدأ التلاميذ عهد النعمة، فلا يجب الخلط بين هذا وذاك، فإن هذا يشبه وضع رقعة جديدة على ثوب عتيق، فالثوب العتيق قد ضعف نسيجه وتهرأ، فإذا وُضِعت عليه رقعة قماش جديدة فمع الاستخدام، لا يحتمل الثوب العتيق ما تتحمله الرقعة الجديدة، فيتمزق الثوب أكثر. ويقول "جابلين" Gaebelein: "إن المسيحية المتهوّدة التي تحاول أن تحفظ الناموس وتعزّز بره، مع اعترافها بالنعمة والإنجيل، لهيَ أقبح في نظر اللَّه من شعب إسرائيل عندما كان يعبد الأوثان في القديم" (792).
ويقول "القمص تادرس يعقوب" عن الصوم المسيحي: "فالسيد لا يقبل فكرة الإصلاح عن طريق "الترقيع" بين ما هو قديم وما هو جديد، وإنما بهدم الحرفية القاتلة القديمة لبناء الفكر الروحي الجديد... ما أحوجنا أن نلبس الثوب الجديد عوض وضع رقعة جديدة في ثوب قديم، وأن يكون لنا الزقاق الجديد الذي يحمل خمرًا عوض الزقاق القديم الذي يتقبَّل الخمر الجديد. لعلَّ الثوب الجديد إنما هو ثوب المعمودية الأبيض... والزقاق الجديد هو إنساننا الجديد.." (793).
_____
(789) سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص117، 118.
(790) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 1 ص295.
(791) تفسير إنجيل متى ص218.
(792) أورده وليم ماكدونالد - تفسير الكتاب المقدَّس للمؤمن - العهد الجديد جـ 1 ص72.
(793) تفسير إنجيل متى ص218.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/309.html
تقصير الرابط:
tak.la/xt9hznx