س297: اعتاد السيد المسيح أن يشفي من يلتمس منه الشفاء، أو من يطلبون عنه، فلماذا شفى حماة سمعان دون أن تطلب، ودون أن يطلب عنها أحد (مت 8: 14، 15)؟ وهل السيد المسيح "لَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى" (مت 8: 14)، أم أنه " أَقَامَهَا مَاسِكًا بِيَدِهَا فَتَرَكَتْهَا الْحُمَّى" (مر 1: 31)، أم أنه "وَقَفَ فَوْقَهَـا وَانْتَهَرَ الْحُمَّى فَتَرَكَتْهَا" (لو 4: 39)؟ ولماذا ارتبطت معجزات هذا اليوم بالمساء (مت 8: 16)؟ وهل السيد المسيح عندما " أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنـَا" (مت 8: 17) أصابته العدوى؟
ج: 1ــ من يتابع القصة في الأناجيل الإزائية الثلاث يدرك أن الحاضرين قد أخبروا السيد المسيح عن حماة سمعان بطرس المريضة بالحمى: "فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا" (مر 1: 30)، وبلا شك أنهم أخبروه أنها تعاني من الحمى، مثلما قالت العذراء مريم له في عُرس قانا الجليل: "لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ" (يو 2: 3)، ففي إخباره بالموقف هو في الحقيقة طلبًا ضمنيًا بالتدخل، ولاسيما أن هذه السيدة قد فتحت بيتها للسيد المسيح، فكان يعتبر بيت بطرس مقرًا له، فكان يذهب للمجمع ثم يعود إليه، وعندما كرز بطرس الرسول بالإنجيل كانت زوجته تتعاون معه، ويذكر القديس أكليمنضس السكندري أن زوجة بطرس استشهدت، وكان بطرس يشاهد آلامها ويشجعها قائلًا: "تذكري ربك وسيدك". وحتى لو اعتاد المسيح أن يشفي من يلتمس منه الشفاء، أو من يطلبون عنه، ولكنه أكثر من مرة كان يتدخل ويشفي إنسانًا لم يذكر الإنجيل أنه طلب منه الشفاء، مثلما فعل مع مريض بيت حسدا، إذ ذهب إليه وسأله: "أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ" (يو 5: 6)، وأيضًا مع المولود أعمى: "وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَانًا أَعْمَى مُنْذُ وِلاَدَتِه" (يو 9: 1) ولم يذكر الإنجيل أن هذا الإنسان طلب من يسوع أن يُبصر، أو أن أحدًا أحضره ليسوع.
2ــ الأناجيل الثلاثة التي ذكرت المعجزة تكمل بعضها البعض، فالقديس متى اكتفى بالقول: "فَلَمَسَ يَدَهَا"، بينما أعطى القديس مرقس صورة تفصيلية أكثر فقال: "وَأَقَامَهَا مَاسِكًا بِيَدِهَا"، وأوضح القديس لوقا أن السيد المسيح وقف بجوارها وهيَ طريحة الفراش على الأرض، حتى كادت أقدامه تلامسها، وهو ما عبر عنه قائلًا: "فَوَقَفَ فَوْقَهَا وَانْتَهَرَ الْحُمَّى"، فالسيد المسيح أولًا وقف بجوارها، ثم انحنى وأمسك بيدها منتهرًا الحمى، وبمجرد أن لمس يدها هربت الحمى من جسدها، فساعدها لكيما تنهض " وَفِي الْحَالِ قَامَتْ وَصَارَتْ تَخْدُمُهُمْ" (لو 4: 39).
3ــ " وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ" أي إنتهاء السبت، بعد غروب شمس السبت، وكان اليهود يعتبرون أن السبت قد انتهى عند ظهور نجمتين في السماء، فعندما انتهى السبت " وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ فَأَخْرَجَ الأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ وَجَمِيعَ الْمَرْضَى شَفَاهُمْ" (مت 8: 16) ولا بد أن بعض هؤلاء حملوهم إلى السيد المسيح بعد انتهاء السبت، لأنه لم يكن مسموحًا للإنسان اليهودي أن يحمل في السبت ثقلًا يزيد عن تينتين يابستين، حتى أنهم كانوا لا يسعفون المريض يوم السبت إلاَّ إذا كانت حالته خطرة لا تسمح ببقائه لليوم التالي.
4ــ الأسقام والأمراض من نتائج وثمار الخطية، وقد جاء السيد المسيح ليحمل خطايانا بكل نتائجها وثمارها، وهذا ما حملته نبوءة إشعياء النبي: "هُوَ أَخَذَ أَسْقَامَنَا وَحَمَلَ أَمْرَاضَنَا" (مت 8: 17)، وقد اقتبس القديس متى هذه النبوءة من الأصل العبري، وجاءت في الترجمة السبعينية " لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا" (إش 53: 4)، فإن اختلفت الألفاظ فإن المعنى واحد لا أكثر. وليس معنى النبوءة أن السيد المسيح تعرَّض للمرض نتيجة أنه حمل هذه الأسقام وتلك الأمراض التي لا حدود لها، فالشمس لا تتأثر بالجراثيم والميكروبات والبكتيريا، بل تقتلها، فهيَ تؤثر ولا تتأثر، فما بالك بيسوع خالق الشمس؟!! إنه شفى مرضى بلا عدد دون أن يتأثر بأمراضهم، فهو شمس البر: "وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا" (ملا 4: 2)، وقد حمل السيد المسيح خطايانا دون أن يتأثر بها: "الَّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ" (1 بط 2: 24).. " هُوَذَا حَمَلُ اللَّه الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ" (يو 1: 29) وهو القدوس الذي بلا شر ولا دنس (عب 7: 26).
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/297.html
تقصير الرابط:
tak.la/mp83hp7