س296: هل الداخلون للملكوت كثيرون (مت 8: 11) أم أنهم قليلون (مت 7: 14)؟ ومن هم بنو الملكوت الذين يطردون خارجًا؟ بل كيف يكونون بني الملكوت ويطرحون للظلمة الخارجية (مت 8: 11، 12)؟
ج: 1ــ قال السيد المسيح: "مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ" (مت 7: 14)، كما قال: "لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ" (لو 12: 32)، وفعلًا فإن الذين يخلصون عددهم قليل بالنسبة لإجمالي الناس، ولكن إلى أن ينتهي الزمان سنجد أعداد الداخلين للملكوت لا تُعد ولا تُحصى، منهم الملايين الذين سُفكت دمائهم شهادة للمسيح، ومنهم العبَّاد والنُسَّاك ولُباس الصليب، ومنهم الأبناء البسطاء الذين أخلصوا في محبتهم لملكهم المسيح، ومنهم الأطفال الأبرياء الذين جازوا بحر المعمودية وإنتقلوا مبكرًا من عالمنا الفاني هذا، ولهذا قال السيد المسيح: "وَأَقُولُ لَكُمْ إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ" (مت 8: 11)، وقال يوحنا الرائي: "بَعْدَ هذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَالْقَبَائِلِ وَالشُّعُوبِ وَالأَلْسِنَةِ وَاقِفُونَ أَمَامَ الْعَرْشِ وَأَمَامَ الْخَرُوفِ مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ النَّخْلِ" (رؤ 7: 9).
ويقول "متى هنري": "لقد سبق أن قال في (مت 7: 14) أن قليلين هم الذين يجدون الطريق المؤدي إلى الحياة، ومع ذلك يقول هنا أن كثيرين سيأتون. أن الذين يجدون الطريق قليلون في وقت واحد، وفي مكان واحد، ولكنهم حينما يجتمعون يصبحون كثيرون جدًا... سوف نرى رئيس خلاصنا " آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ" (عب 2: 10). سوف نراه " قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ" (يه 14). ومعه " جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ" (رؤ 7: 9). " شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ" (رؤ 21: 24). أنهم سوف يأتون " مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب " من أمكنة متباعدة عن بعضها، ومع ذلك فأنهم سوف يجتمعون جميعًا عن يمين المسيح، مركز وحدتهم" (747).
2ــ بالإيمان والمعمودية يصير الإنسان ابنًا للَّه له الحق في سكنى الملكوت " مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ" (مر 16: 16)، فمن يؤمن ويعتمد يصبح ابنًا للملكوت شرط أن يسلك بحسب قوانين الملكوت، ولكن إن تهاون بعد إيمانه ومعموديته وسلك مسلك الأشرار وتقاعس عن التوبة والرجوع للَّه، وانتهت حياته وهو في شره، فهل يكون له نصيبًا في الملكوت؟ بالقطع لا، مع أنه كان من أبناء الملكوت، ولكنه لم يحفظ بنوته بل استهان بها كما استهان عيسو قديمًا ببكوريته ففقدها وفقد بركتها. وللأسف الشديد أن كثيرين من بني الملكوت من الذين آمنوا وجازوا بحر المعمودية، ثم استهانوا وسلكوا في طريق الشر يتعرَّضون للهلاك، مثل بني إسرائيل الذين آمنوا بالرب وخرجوا من أرض العبودية وجازوا البحر الأحمر، وبعد أن أكلوا من المن السمائي وشربوا شرابًا روحيًا من الصخرة التي تابعتهم وكانت الصخرة هيَ المسيح، ومع هذا بسبب شكوكهم وشرورهم هلكوا في البرية... ألم يكن يهوذا تلميذًا للسيد المسيح، وعندما اختاره الرب يسوع قد اختاره ليرث الملكوت؟!
3ــ يقول "القديس جيروم": "يُدعى اليهود أبناء الملكوت لأن اللَّه سبق فملك عليهم من بين الأمم" (748) ولكن عندما جاء اللَّه متجسدًا رفضه اليهود: "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ" (يو 1: 11).
ويقول "قداسة البابا شنوده الثالث": "بنو الملكوت هم اليهود. هم الذين قال عنهم القديس بولس الرسول: "كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ أَكُونُ أَنَا نَفْسِي مَحْرُومًا مِنَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ إِخْوَتِي أَنْسِبَائِي حَسَبَ الْجَسَدِ الَّذِينَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ وَلَهُمُ الآبَاءُ، وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ.." (رو 9: 3 - 5).
على أنهم لم يقبلوا المسيح، ففقدوا الملكوت. مع أنهم بنو الملكوت، إلاَّ أنهم سيطرحون في الظلمة الخارجية، بسبب عدم إيمانهم بالمسيح. بينما على عكس ذلك كان الأمم، وقد قال السيد المسيح هذه العبارة في مدحه لقائد المئة الأممي، بعد أن قال عنه: "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَانًا بِمِقْدَارِ هذَا" (مت 8: 10).
ولذلك فعبارة " سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب " تنطبق هنا على الأمم. الذين بسبب إيمانهم سيتكئون في أحضان إبراهيم وإسحق ويعقوب. ولعل منهم قائد المئة هذا، والقائد الذي آمن به وقت صلبه (يو 20: 34)، ومجَّد اللَّه قائلًا: "بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا" (لو 23: 47). بل أنه هو والذين معه لما رأوا الزلزلة، خافوا جدًا وقالوا: "حَقًّا كَانَ هذَا ابْنَ اللَّه" (مت 27: 54). ولعل من باكورة الأمم كرنيليوس (أع 10)، وأولئك الذين قال عنهم السيد المسيح لتلاميذه: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِـذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ" (مت 28: 19).. " وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا" (مر 16: 15)" (749).
_____
(747) ترجمة القمص مرقس داود - تفسير الكتاب المقدَّس - تفسير إنجيل متى جـ 1 ص255.
(748) أورده القمص تادرس يعقوب - تفسير إنجيل متى ص197.
(749) سنوات مع أسئلة الناس - أسئلة خاصة بالكتاب المقدَّس ص106 ، 107.
الكتاب المقدس: بحث، تفاسير | القراءات اليومية | الأجبية | أسئلة | طقس | عقيدة | تاريخ | كتب | شخصيات | كنائس | أديرة | كلمات ترانيم | ميديا | صور | مواقع
https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/new-testament/296.html
تقصير الرابط:
tak.la/2c4vrqx